بات من المعلوم لكل ناظر للمشهد الليبي أن
السبب الرئيسي لإقالة الصديق الكبير من قبل المجلس الرئاسي الليبي إنما هو اقترابه
من مجلس النواب والحكومة التابعة له في الشرق، والصناديق الخاصة بالإعمار والتنمية
التي يديرها أبناء خليفة حفتر، وإلا فإن التجاوزات التي امتلأت بها تقارير ومقالات
وأدراج المؤيدين لإقالته والتي تتعلق بما وصفوه بالإدارة السيئة للمصرف المركزي،
ليست أمرا مستحدثا وبعض تجاوزاته مضى عليها أعوام كان فيها الصديق الكبير في سويداء
القلب في الغرب الليبي.
أحد أعضاء المجلس الأعلى للدولة صرح في إحدى الغرف المغلقة أن الكبير أحال نحو 3.2 مليار دولار أمريكي إلى جبهة الشرق، بحسب
عضو الأعلى للدولة فإن خصومه في الغرب يؤكدون أنها أحيلت إلى صدام حفتر، فيما لم
ينف الصديق الكبير صرفه للمبلغ المشار إليه إلا أنه يقول إنها لصالح مشروعات
التنمية وما في حكمها.
متنفذون في الجبهة الغربية يتخوفون من أن
يرجع إليهم هذا الإنفاق السخي من قبل محافظ المركزي في شكل قوات مجهزة ومدعومة
لتحتل العاصمة، كما وقع العام 2019م، أيضا فإن هذا الإنفاق سيكون على حساب نفوذ
حكومة الوحدة التي لم تعد في نظر الصديق الكبير المخول بشكل منفرد بالإنفاق العام
بشتى أصنافه، حتى أن الميزانية التي أقرها مجلس النواب، وأكد أعضاؤه أن الكبير
تعهد بتمويلها، ستشرف عليها حكومة الشرق المدعومة من البرلمان والجيش التابع له.
كان من المتوقع أن يرفض الكبير قرار إقالته،
وتابعه في ذلك مجلس النواب، وأحد أجنحة المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري،
بعد إعلانه الفوز بانتخابات رئاسة المجلس، حتى أنه رفض التجاوب مع لجنة الاستلام
المشكلة من الرئاسي، وأعطى موظفي المصرف إجازة لحين انتهاء النزاع حول إدارة
المركزي.
اتساع رقعة المعارضة لاستمرار الكبير في منصبه في الغرب قد يعرقل التوجه الدولي لتثبيته، لذا قد تبادر البعثة بخطة لاحتواء الوضع المحتدم تشمل، بالإضافة إلى المسائل السياسية، الخلاف حول إدارة المال العام، وهذا ما قد يرجح فكرة تقاسم الموارد المالية بين سلطات الغرب والشرق.
الكبير ومن شايعه في موقفه يعتبرون أن قرار
إعادة تشكيل مجلس إدارة
المصرف المركزي صدر عن جهة غير ذات اختصاص، وهو محق في ذلك
نسبيا، والتحدي في
خلافات وصراعات اليوم أنها تأتي خارج السياقات القانونية، فقد
سبق القرار المتعلق بالمصرف المركزي قرارات لمجلس النواب تنهي السلطة التنفيذية
ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية وتنتزع منصب القائد الأعلى للقوات
المسلحة لصالحها، وهي جهة غير ذات اختصاص بموجب اتفاق الصخيرات واتفاق تونس ـ جنيف،
مما يعني أن ما يقع من تدافع بين الأطراف المتنازعة في الغرب والشرق الليبي هو
بالأساس شد وجذب سياسي تستخدم فيه حجج قانونية، وبالتالي فإن دحض هذه القرارات لا
يتأتى بإخضاعها لسلطة القانون لأنها صارت مغيبة وغير ذات احترام من الجميع، فقد
تجاهل مجلس النواب والمصرف المركزي أحكام عدة محاكم بخصوص الضريبة على بيع العملات
الأجنبية، وسبق ذلك رفض لأحكام صادرة عن المحكمة العليا بجلالة قدرها.
المجلس الرئاسي وظهيره السياسي والعسكري في
الغرب الليبي يصرون على موقفهم، ويتجهون إلى استلام مقر المصرف المركزي، فيما
يستمر الكبير في موقفه الرافض، ومن المتوقع أن تقابل ضغوط جبهة الغرب بردود فعل
مشابهة منها إغلاق حقول النفط، ثم إجراءات إدارة المصرف المركزي من مناطق الشرق.
هذا التدافع المحموم الذي يأخذ بعدا تصعيديا
خطيرا يراقب من قبل الأطراف الخارجية دون ردود فعل مؤثرة، فالموقف العام للأطراف
الدولية متحفظ على إجراءات المجلس الرئاسي، ومعلوم الدعم الذي يتلقاه الكبير من
الأطراف الدولية، إلا أن اتساع رقعة المعارضة لاستمرار الكبير في منصبه في الغرب
قد يعرقل التوجه الدولي لتثبيته، لذا قد تبادر البعثة بخطة لاحتواء الوضع المحتدم
تشمل، بالإضافة إلى المسائل السياسية، الخلاف حول إدارة المال العام، وهذا ما قد
يرجح فكرة تقاسم الموارد المالية بين سلطات الغرب والشرق.