كان خبرا مفاجئا للجميع، فليس ثمة من
مقدمات توحي بأن الأمين العام لحركة
النهضة التونسية العجمي الوريمي سيكون محل
تتبع وإيقاف، لسبب معلوم لدى الجميع وهو اعتدال الرجل في مواقفه وخطابه. فهو رجل
الانفتاح على الجميع، وهو المؤمن بالحوار، يرفض الإقصاء والقطيعة وخطاب الكراهية
والعنف، حتى إنه لفرط اعتداله يتعرض لتهجمات مستمرة من جزء مهم في جمهور حزبه،
يعتبرونه مهادنا وغير حازم في مواجهة الخصوم من الاستئصاليين خاصة.
لماذا يتم إيقافه دون إذن قضائي مسبق
ودون وجود قضية معلومة لدى المحامين أو لدى الرأي العام؟ لماذا تم الإيقاف بتلك
السرعة ومنع المحامين من ملاقاته لمدة 48 ساعة؟ كما شاع أيضا خبرٌ عن مداهمة منزله
لتفتيشه وكذلك منزليْ مرافقيه اللذين تم إيقافهما معه!
هناك بعض التحليلات تذهب إلى كون
الإيقاف تم بعد آخر حضور إعلامي له صحبة أحد مفسري مشروع 25 تموز/ يوليو، حيث
اعتبر هذا المفسر أنّ العجمي الوريمي يمثل أخطر تشكيل متآمر سياسيا، وأن هذا
التشكيل يعتبر
قيس سعيد منقلبا وينتظر لحظة العودة إلى السلطة.
عملية إيقاف العجمي الوريمي طرحت سؤالا حول من يريد تأزيم الوضع، والبلاد تستعد لانتخابات رئاسية قريبا، يحاول فيها قيس سعيد الفوز بدورة جديدة تمتد خمسة أعوام. وقد بدا واضحا أن عملية إقصاء تتم بشكل ممنهج لكل منافس جدي محتمل، وهو ما سيُفقد الانتخابات حيويتها التنافسية وطعم الانتصار فيها لقيس سعيد؛ الذي كان قد أكد سابقا بكون القضية هي "قضية بقاء أو فناء"
هذا التحليل له ما يبرره، فبعض خصوم
الإسلاميين يخشون معركة الأفكار والبدائل لأنهم عاجزون عن خوضها، ويحاولون وصم
الإسلاميين بالتطرف والتآمر والفساد حتى يسهل عليهم استهدافُهم والتحريضُ عليهم،
ثم تبريرُ ما سيتعرضون إليه بعد ذلك من تنكيل.
المعارك الحقيقية تُخاض دائما في
عالم الأفكار وفي مستوى البدائل وتُدار بمستوى عال من القيم والعمق والجدية، فلا
يمكن أن تحقق الاتهاماتُ وحملات التشويه أي هدف جدي لا للأحزاب ولا لعموم
المواطنين، بل عكس ذلك، لم ينتج عن سنوات الصراع الأيديولوجي والصخب الإعلامي إلا
خسارة التونسيين لبعضهم ولتجربتهم الديمقراطية، حتى انتهينا إلى وضع سيئ سياسيا
واقتصاديا واجتماعيا.
عملية إيقاف العجمي الوريمي طرحت
سؤالا حول من يريد تأزيم الوضع، والبلاد تستعد لانتخابات رئاسية قريبا، يحاول فيها
قيس سعيد الفوز بدورة جديدة تمتد خمسة أعوام. وقد بدا واضحا أن عملية إقصاء تتم
بشكل ممنهج لكل منافس جدي محتمل، وهو ما سيُفقد
الانتخابات حيويتها التنافسية وطعم
الانتصار فيها لقيس سعيد؛ الذي كان قد أكد سابقا بكون القضية هي "قضية بقاء
أو فناء".
عادة في المناسبات الانتخابية يسعى
الرئيس المباشر والمترشح لدورة ثانية، إلى تخفيف الضغط وإلى إشاعة حالة من
الاطمئنان والانفراج في البلاد لضمان إقبال معقول على الصناديق يُضفي جدية على
العملية الانتخابية، فكيف تزداد عملية الضغط على السياسيين ودعوات الى المحاكم
وحالات الإيقاف والمنع من السفر وتقييد الحركة على البعض؟
إجراءات لا تناسب الأجواء الانتخابية ولا تخدم لا الديمقراطية ولا حتى الرئيس المباشر الذي يريد الفوز بدورة جديدة، فمن يقف وراء مزيد توتير الأجواء ومزيد التضييق على الحريات في وضع اجتماعي صعب؟
هذه إجراءات لا تناسب
الأجواء الانتخابية ولا تخدم لا الديمقراطية ولا حتى الرئيس المباشر الذي يريد
الفوز بدورة جديدة، فمن يقف وراء مزيد توتير الأجواء ومزيد التضييق على الحريات في
وضع اجتماعي صعب؟
إيقاف العجمي الوريمي كشف عن روح
تضامنية كبيرة داخل قطاع واسع من النخبة الثقافية والسياسية والشخصيات الوطنية،
حيث عبّر الكثيرون ومن مختلف الاتجاهات السياسية عن تضامنهم مع أمين عام حركة
النهضة، وهذا التعاطف ليس فقط لمسؤوليته السياسية في أكبر حزب بالبلاد، وإنما
وأساسا لما يحظى به العجمي الوريمي من مقبولية ومحبوبية واسعتين لدى أغلب النخب
السياسية والثقافية، وهي سمعة اكتسبها منذ كان زعيما في الحركة الطلابية بدايات
ثمانينات القرن الماضي، فهو مشهود له حتى على لسان خصومه بكونه مثقفا عميقا
ومحاورا جديا وذا أخلاق في التواصل عالية.
لقد كشفت حالة التضامن مع العجمي عن
حقيقة المزاج التونسي المعتدل، كما كشفت عن أن الوريمي يمثل أجمل ما في التونسيين
من لطف وتسامح ومحبة وصمود.