بين من يقول؛ إنّ تصويته في الانتخابات
الإيرانية أتى تلبية لـ"دعوة المرجعية الدينية بالمشاركة الكثيفة"، وبين من تتأمّل حدوث تغيير بالقول: "إيران لم تنصف المرأة، ولم تسمح لها بتولي المناصب العليا مثل الوزارة، وأن رجال السياسة هم من يتّخذون القرارات بالنيابة عنها"، تباينت مطالب النّاخب الإيراني، وتصدّرت اهتماماته المشهد العام.
الحريات العامة، مثل الحجاب وشبكة الإنترنت، وتردّي الوضع الاقتصادي، وارتفاع أسعار الوقود، ناهيك عن التحدّيات الخارجية المحدقة بالبلاد.. هي جُملة ممّا بات يشغل بال المجتمع الإيراني، المقبل اليوم الجمعة 5 تموز/ يوليوز، على نتائج
الانتخابات الرئاسية.
وعقب الإعلان عن وفاة إبراهيم رئيسي، في حادث مروحية في 19 أيار/ مايو؛ وعلى عجل، جرت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، بتاريخ 28 حزيران/ يونيو.
وخلال الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، تواجَه مسعود بزشكيان، الذي يدعو للانفتاح على الغرب، وسعيد جليلي المعروف بمواقفه المتصلّبة إزاء الغرب، وهو المفاوض السابق في الملف النووي.
تسخين المشهد الانتخابي
مع اقتراب مرحلة الصمت الانتخابي، بدأت اللافتات والصور الترويجية للمرشّحين في الانتخابات الإيرانية، التي أتت على بغتة، تتكاثر في الشوارع وساحات العاصمة
طهران؛ فيما تمكّنت المناظرات المباشرة، بين المرشّحين، من تسخين المشهد الانتخابي وإثارة النقاش المتسارع على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.
في ظل ما يوصف بـ"العزوف السياسي" داخل المجتمع الإيراني، وفي مشهد ذكّر الناخب بالمناظرات الثنائية التي سبقت رئاسيات عام 2009 وشاهدها عشرات الملايين من الناخبين، تم السعي إلى استقطاب أكبر عدد من أصوات "المترددين" عن التصويت، لرفع نسبة المشاركة.
وكانت أولى مناظرات جولة الإعادة، التي انطلقت الساعة التاسعة والنصف، الاثنين الماضي وانتهت فجر الثلاثاء، قد استطاعت مسّ فضول الناخبين، وتسخين فترة الدعاية الانتخابية، التي استمرّت إلى ما قبل ساعات قليلة.
آنذاك، انطلق المرشّح جليلي في الحديث عن أهمية برنامجه الانتخابي، فيما استغل بزشكيان فرصة الحديث إلى الشعب الإيراني عبر التلفزيون؛ لنفي ما وصفها بـ"الشائعات حول عزمه رفع أسعار الوقود".
ومنذ بداية المناظرة، حاول بزشكيان إظهار أنّه يقف بجانب الإيرانيين في مواجهة ما وصفه بـ"التمييز في حقوق النساء والقوميات والنخب الإيرانية، مما أدى إلى عزوف 60 في المئة من الناخبين عن صناديق الاقتراع"، مبرزا في الآن ذاته، سخط الشعب جرّاء غلاء المعيشة، وكذا السياسات المرتبطة بالحجاب وتقييد الإنترنت.
وأكّد بأن "الاتفاق النووي كان في مصلحة إيران، ولو لم يكن كذلك لما انسحب منه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب"، مشيرا إلى "مساعي رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الرامية إلى تقويض الاتفاق".
من جهته، قال سعيد جليلي؛ إن "المشاركة الشعبية في الانتخابات الرئاسية كانت منخفضة، ولا بد من دراسة أسباب ذلك ومعالجتها" مردفا: "لذا فإن إحدى خطط حكومتي، هي توفير مشاركة الشعب في إدارة البلاد، وفي مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".
وأضاف: "يمكن تحقيقه الأمر بطريقتين: الأولى من خلال الحوار والضغط والثانية عدم الركون، والعمل على تحييد العقوبات، وهو ما فعله الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، حيث اعترف الأمريكيون بأننا نبيع مليوني برميل من النفط يوميا، في حين قالوا سابقا بأنهم لن يسمحوا لإيران أن تبيع حتى برميل واحد من النفط".
"إيران نفّذت كل التزاماتها في الاتفاق النووي، فيما انسحبت الولايات المتحدة منه ولم تعوض الدول الغربية الثلاث عن ذلك، ولم تف بالتزاماتها". تابع المرشّح ذاته، معتبرا أن "خطوات إيران اللاحقة بخصوص برنامجها النووي، قد جاءت في مقابل انسحاب أمريكا وتقاعس الأوروبيين".
أي استفادة للرئيس القادم؟
"الفائز في الانتخابات الرئاسية الإيرانية سوف يرث الانقسام الداخلي والاقتصاد الذي تعصف به العقوبات، غير أنه سيرث أيضا قوة ونفوذا دوليا، حيث تتمتع طهران حاليا بنفوذ على الساحة الدولية أكبر من أي وقت منذ تأسيس "الجمهورية الإسلامية" في 1979"، هذا ما كشف عنه تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.
وأشار التقرير نفسه إلى أن "إيران باتت تشكّل أحد أكبر المهدّدات للمصالح الأمريكية، كما أصبحت فاعلا دوليا مؤثرا، وذلك على الرغم من العقوبات الأمريكية والغربية الطويلة الأمد".
وأكّد بأن "إيران قد تمكّنت من إحباط عقود من الضغوط الأمريكية، وخرجت من سنوات من العزلة إلى حدّ كبير؛ بسبب علاقاتها بروسيا والصين وتخليها عن الاندماج مع الغرب، في الوقت الذي كثفت فيه المواجهة مع واشنطن".
وفي المقابل، كان فيدانت باتيل، وهو المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قد قال في لقاء صحفي: "نعدّ الانتخابات في إيران ليست نزيهة ولا حرة".
وأضاف: "لا نتوقع أن تؤدي هذه الانتخابات، مهما كانت نتائجها، إلى تغيير جوهري في توجّه إيران، أو أن تقود النظام الإيراني إلى إبداء مزيد من الاحترام لحقوق الإنسان، ومزيد من الكرامة لمواطنيه".
إلى ذلك، يترّقب جُل المتابعين ومحلّلي المشهد الإيراني، ما سوف تكشف عنه نتائج الانتخابات الرئاسية، قريبا؛ وذلك في الوقت الذي تزايدت فيه نسبة الإيرانيين الغائبين عن التصويت، إذ سجّلت الانتخابات البرلمانية خلال آذار/ مارس الماضي، معدل الإقبال الأدنى السابق، نحو 41 في المئة، فيما فاز رئيسي في عام 2021 بنسبة مشاركة بلغت نحو 49 في المئة.