نشرت صحيفة "
فاينانشال تايمز" البريطانية، تقريرًا، يسلط الضوء على المخاطر التي يواجهها المستثمرون إثر صعود نجم التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا، حيث قد يشكل النفوذ المتزايد للحركات اليمينية المتطرفة مخاطر على المشهد السياسي والاقتصادي الأوروبي، ما قد يؤدي بدوره إلى حالة من عدم اليقين والاضطراب السياسي.
وقالت الصحيفة، في هذا
التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن مدى مخاطر سياسات اليمين المتطرف على الاقتصاد الأوروبي وجاذبيته للمستثمرين الدوليين أصبح أمرًا يؤرق المستثمرين، في أعقاب الفوز الساحق الذي حققه حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، بزعامة مارين لوبان، في الانتخابات الأوروبية، ودعوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل
ماكرون، المفاجئة، لإجراء انتخابات مبكرة، والأنباء الصادمة عن تحالف غير محتمل بين أحزاب اليسار الفرنسي.
لقد هبط مؤشر كاك 40 إلى أسوأ مستوى له منذ سنتين بعد الدعوة للانتخابات، ماحيًا الكثير من المكاسب التي حققها هذه السنة، بينما ارتفعت عائدات السندات، واتسع الفارق بين عائدات السندات الفرنسية والألمانية إلى مستويات لم يشهدها السوق منذ سبع سنوات، وحذر وزير المالية الفرنسي، من أن
فرنسا تتجه نحو أزمة مالية.
وأوضحت الصحيفة، أنه من المبالغة استنتاج أن فرنسا على أعتاب كارثة اقتصادية، ومن الخطأ افتراض وجود آثار شديدة في جميع أنحاء القارة، ولكن على المستوى الوطني وعلى مستوى
الاتحاد الأوروبي هناك مخاطر قد يكون لها عواقب طويلة الأمد على الشركات والأسواق.
فقد شهدت فرنسا رد فعل غير محسوب العواقب حيث تحول المستثمرون إلى وضع العزوف عن المخاطرة عقب القرار السياسي المفاجئ مباشرة. ومع ذلك، إذا أظهرت الانتخابات أداءً قويًا لليسار، فمن المحتمل أن نشهد المزيد من عمليات بيع الأصول الفرنسية.
وأوضح التقرير أن كلا من برامج اليمين المتطرف واليسار المتطرف تدعو إلى التراجع عن إصلاحات ماكرون وتتضمن وعودًا شعبوية يصعب التوفيق بينها وبين القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، كما أن وجود يسار قوي من شأنه أن يشير أيضًا إلى تحول مثير للقلق معادٍ للأعمال التجارية، مناهض للنمو ومشكك في جدوى الاتحاد الأوروبي. وهنا تكمن المخاطر الحقيقية بالنسبة لفرنسا.
وأجرى الكثيرون مقارنات بين فرنسا وإيطاليا تحت قيادة رئيسة الوزراء، جيورجيا ميلوني، منذ ظهور نتائج الانتخابات الأوروبية، بحجة أن حزبها اليميني لم يكن سلبيًا بشكل مفرط بالنسبة للأعمال التجارية والاقتصاد الإيطالي، لكن هذه المقارنة ليست في محلها.
فالوضع أكثر شبهًا بما حدث في إيطاليا سنة 2018، عندما أسفرت الانتخابات عن ائتلاف غير محتمل بين حزبين شعبويين، وكانت الحكومة الإيطالية لسنة 2018 متماسكة بسبب الكراهية المتبادلة لبروكسل، وانهارت بعد سنة واحدة، لكنها عاشت فترة طويلة بما يكفي لفتح خلاف مع المفوضية الأوروبية بشأن الميزانية الوطنية، مما أدى إلى ارتفاع فارق ديون الحكومة الإيطالية.
وأشارت
الصحيفة، إلى أن الأسواق المالية فعّالة في أن تكون القاضي وهيئة المحلفين والجلاد للحكومات التي لديها خطط إنفاق متهورة ويمكنها أن تكبحها، وتُعد المملكة المتحدة في عهد رئيسة الوزراء ليز تروس مثالاً رائعًا آخر، وتشير تحركات السوق على مدار الأسبوع الماضي، إلى أن المستثمرين ربما بدأوا في تقدير مخاطر حدوث سيناريو مماثل في فرنسا.
أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فإن المخاطر تتفاقم مع وجود فرنسا المتشككة مع ألمانيا الضعيفة حيث ستؤدي النتيجة الانتخابية الكئيبة التي حققها المستشار أولاف شولتز إلى إضعاف الحكومة الألمانية لبقية فترة ولايته، سواء في الداخل وعلى الساحة الأوروبية، وبالتالي، قد يفقد "المحرك الفرنسي الألماني" القوي قوته، مما يفسح المجال لليمين لتحديد جدول الأعمال.
وفي حين تخلّى اليمين عن دعوات الخروج من التكتل بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن فكرته عن أوروبا مختلفة حيث تشير استطلاعات الرأي على مستوى أوروبا إلى أن السياسات المناخية ليست من أولويات الناخبين اليمينيين الذين يفضلون التركيز بشكل أكبر على الدفاع. قد يستغل اليمين الأوروبي الأكثر جرأة فرصة بنود المراجعة في الاتفاق الأخضر لتأخير أو تخفيف بعض البنود. وبصرف النظر عن كونه أمرًا سيئًا للكوكب بشكل واضح فإن هذا قد يجعل أوروبا أقل جاذبية كوجهة للاستثمارات الخضراء.
ومن منظور المستثمرين، فإن المعارك الرئيسية على المدى القصير تتعلق بميزانية الاتحاد الأوروبي المقبلة، بما في ذلك تمديد خطة إنفاق "الجيل القادم" للاتحاد الأوروبي وعلى موارد الاتحاد الأوروبي الخاصة، ولكن نظرًا لحالة عدم اليقين هذه، فقد يكون المستثمرون العالميون أقل ميلًا للمخاطرة في أوروبا.
وأفادت
الصحيفة، بأن ماكرون قد حذّر مؤخرًا من أن أوروبا هالكة وبقاءها مرهون بخياراتنا، وقد وضع خياره حتى الآن فرنسا تحت الضغط، وصعود الشعبوية يمثل بالضرورة تهديدًا اقتصاديًا مميتًا سواء للاتحاد الأوروبي أو لفرنسا، على الرغم من أن التاريخ يشير إلى أنه ينذر بالتقلبات وقد يثبط الاستثمار.
واختتمت
الصحيفة تقريرها مشيرة إلى أن الخطر بالنسبة لأوروبا أصبح أكثر دقة. فقد أحيت الانتخابات الأوروبية سردية أوروبا المنقسمة، حيث يبدو أن وجهات النظر الاجتماعية والاقتصادية تتحول ضد أولويات السياسة المعلنة للاتحاد الأوروبي، لذا فإن الخيارات التي ستتخذها أوروبا لتسوية هذا التصدع الأعمق والتي ستعالج السبب الجذري لنجاح اليمين المتطرف هي التي ستشكل مستقبلها حقًا.