منذ عام 2015 قامت الحكومة الروسية باعتقال 12 عالما في مجال
الفيزياء، جميعهم تربطهم صلة بطريقة أو بأخرى بتكنولوجيا تجاوز سرعة الصوت أو بمؤسسات تعمل في هذا المجال والتي تساعد على تطوير الأسلحة.
ووجهت موسكو لهم جميعا تهمة
الخيانة العظمى، وهي تهمة قد تشمل إفشاء أسرار الدولة إلى دول أجنبية.
وتُجرى محاكمات الخيانة في
روسيا في سريّة تامة، لذلك فليس من الواضح بالضبط ما هي التهم الموجهة إليهم.
ويكتفي الكرملين بالتصريح بأنها اتهامات خطيرة ولا يمكنه التعليق أكثر لأن الأجهزة الخاصة تتولى الأمر.
ومعظم المعتقلين من كبار السن، توفي منهم ثلاثة حتى الآن، أحدهم نُقل من سريره في المستشفى الذي كان يعالج فيه من مراحل متأخرة للسرطان وتوفي بعد ذلك بوقت قصير.
فلاديمير لابيغين
بدأت حملة الاعتقالات قبل بضع سنوات باعتقال فلاديمير لابيغين، الذي يبلغ حاليا 83 عاما، وسُجن في عام 2016 وأطلق سراحه بشروط بعد أربع سنوات.
عمل لابيغين على مدار 46 عاما لدى معهد الأبحاث الرئيسي التابع لوكالة الفضاء الروسية. وأُدين بسبب حزمة برمجيات لحسابات الديناميكا الهوائية أرسلها إلى جهة اتصال صينية، وقال إنه أرسل نسخة تجريبية كجزء من مناقشات تتعلق بإمكانية بيع الحزمة الكاملة نيابة عن المعهد.
بيد أنه يؤكد أن النسخة التي شاركها لا تحتوي على أي معلومات سريّة، بل مجرد مثال "استُخدم مرارا في منشورات علنية".
ويؤكد لابيغين أن جميع
العلماء، الذين اعتُقلوا بسبب معرفتهم بتكنولوجيا تجاوز سرعة الصوت، لا علاقة لهم بتطوير الأسلحة.
فلاديسلاف غالكين
فلاديسلاف غالكين هو أكاديمي يبلغ من العمر 68 عاما، داهمت السلطات الروسية منزله في تومسك جنوب روسيا في نيسان/ أبريل 2023.
وبحسب قريب لغالكين فإن رجالا مسلحين ملثمين بأقنعة سوداء داهموا المنزل في الساعة الرابعة فجرا، وفتشوا الخزائن وصادروا أبحاثا علمية.
وتقول تاتيانا، زوجة غالكين، إنها أخبرت أحفادهما، الذين كانوا يحبون لعب الشطرنج معه، أن جدهم في رحلة عمل، وأضافت أن جهاز الأمن الروسي منعها من التحدث بشأن القضية.
فاليري زفيجينتسيف
وبعد فترة وجيزة من اعتقال فلاديسلاف غالكين جرى حبسه احتياطيا بعد مثوله أمام المحكمة في نفس اليوم الذي مثل فيه عالم آخر، هو فاليري زفيجينتسيف، الذي شارك معه في إعداد الكثير من الأبحاث.
ونقلت وكالة الروسية الرسمية للأنباء عن مصدر، قوله إن اعتقال زفيجينتسيف كان بسبب مقال نشرته مجلة إيرانية في عام 2021.
وذُكر اسم غالكين وزفيجينتسيف في المقال الذي نشرته مجلة علمية وتناول آليات سحب الهواء للطائرات عالية السرعة.
وفي صيف عام 2022، اعتقل جهاز الأمن اثنين من زملاء زفيجينتسيف، من نفس المعهد الذي كان يعمل فيه، وهما مديره والرئيس السابق لمختبر متخصص في ديناميكا الهواء فائقة السرعة.
وكتب باحثون من معهد الميكانيكا النظرية والتطبيقية رسالة مفتوحة لدعم زملائهم الثلاثة المعتقلين. وأكدت الرسالة، التي حُذفت من الموقع الإلكتروني للمعهد، على أنهم معروفون بالنتائج العلمية الرائعة وظلوا مخلصين لمصالح بلادهم.
ديمتري كولكر
ديمتري كولكر، عالم متخصص في معهد فيزياء الليزر في سيبيريا. اعتقلته السلطات الروسية في عام 2022 أثناء وجوده في المستشفى الذي كان يُعالج فيه من إصابته المزمنة بسرطان البنكرياس.
وقالت عائلته إن التهم الموجهة إليه استندت إلى محاضرات ألقاها في الصين، بيد أن محتوى المحاضرات مُوافَق عليه من قبل جهاز الأمن، كما أن أحد الضباط سافر معه. وتوفي كولكر بعد يومين من اعتقاله عن عمر ناهز الـ54 عاما.
التهمة.. سرعة الصوت
ويشير مصطلح "تجاوز سرعة الصوت" إلى
الصواريخ التي تنطلق بسرعات عالية للغاية وتستطيع تغيير اتجاهها في الجو، ومراوغة الدفاعات الجوية.
وتقول روسيا إنها استخدمت نوعين من الصواريخ في حربها على أوكرانيا، وهما صاروخ "كينغال" الذي يمكن إطلاقه من طائرة، وصاروخ "كروز زيركون".
وعلى الرغم من ذلك فإن كييف تقول إن قواتها أسقطت بعض صواريخ "كينغال"، ما يثير شكوكا بشأن قدراتها.
وبحسب المحامي يفغيني سميرنوف، في منظمة "فرست ديفيجن"، وهي منظمة روسية لحقوق الإنسان والقانون: "سرعة الصوت أصبحت موضوعا يُزج بسببه الآن الناس في السجن".
ودافع سميرنوف عن علماء وآخرين متهمين بالخيانة أمام المحكمة قبل أن ينتقل من روسيا إلى براغ في عام 2021، خوفا من تداعيات ما يؤديه من عمل.
ويقول إنه لم يكن لأي من العلماء المعتقلين أي علاقة بقطاع الدفاع، لكنهم كانوا يدرسون مسائل علمية مثل كيفية تشوه المعادن بسبب سرعات تتجاوز سرعة الصوت أو رصد أي آثار عن حدوث خلل.
ويضيف: "لا يتعلق الأمر بصنع صاروخ، بل بدراسة عمليات فيزيائية"، ويشير إلى أن النتائج يمكن أن يستخدمها لاحقا مطورو الأسلحة.
وهذا ما أكده زميل لأحد العلماء المعتقلين، طلب عدم ذكر اسمه قائلا: "يوجد صراع داخل النظام". ولا يزال من المتوقع أن ينشر العلماء أبحاثهم على المستوى الدولي وأن يتعاونوا مع زملائهم الأجانب، "في ذات الوقت، يعتبر جهاز الأمن الروسي أن التواصل مع العلماء الأجانب والكتابة في المجلات الأجنبية يعد خيانة للوطن الأم".