مقالات مختارة

الصفعات والنكبات تحاصر نتنياهو وتحالفه المتطرف

تتراكم الضربات الموجعة على حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو وزمرة المتطرفين الذين يظهرون عنصريتهم برفضهم أي حق للفلسطينيين- جيتي
تشهد إسرائيل منذ شنها حرب الإبادة على غزة سلسلة من الانتكاسات والنكبات المتتالية، التي بمجملها هزت كيان الاحتلال وهدمت ما بنته آلته العسكرية والسياسية والإعلامية في العقل الجماعي العالمي، على مدى ثلاثة أرباع القرن، بتقديم نفسها ضحية الهولوكوست، وشعب الله المختار، وضحية العرب، والديمقراطية الوحيدة في صحراء العالم العربي، والجيش الأكثر أخلاقية!! كل ذلك تهاوى وسقط منذ طوفان الأقصى، والرد الانتقامي الصهيوني الذي فضح وعرّى وكشف زيف تلك الادعاءات لنظام الآبارتهايد (الفصل العنصري).

كذلك سقطت سردية أن الاحتلال والتنكيل والقتل والإبادة وسرقة الأراضي حدثت في 7 تشرين الأول/أكتوبر مع طوفان الأقصى، ليكتشف العالم أن سبب طوفان الأقصى هو الاحتلال وحق المقاومة لشعب تحت الاحتلال كما يكفله القانون الدولي، ومعه حصانة إسرائيل.

كما تآكلت وأُهينت هيبة وقوة ردع إسرائيل. وللمرة الأول،ى قصفت إيران بشكل صادم ليل 13-14 أبريل/نيسان بـ 300 مسيّرة وصواريخ باليستية ومجنحة، مواقع عسكرية إسرائيلية ردا انتقاميا على اغتيال إسرائيل بغارة جوية قياديين في الحرس الثوري الإيراني في قنصلية إيران في دمشق مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي!

لكن في المقابل، ولحسابات حكومة الاحتلال الكارثية المتطرفة بعد عام ونصف، تزداد نكبات إسرائيل. وتتحول إلى كيان ينسف سردية ما روجت له إسرائيل على مدى ثلاثة أرباع القرن بكونها، كما يبالغون بشكل كاذب، «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط»، وواحة الغرب الديمقراطي في صحراء القحط الديمقراطي في المنطقة.

 وتعاني من صراع وانقسام مجتمعي ومظاهرات صاخبة رفضا لخطط نتنياهو وتحالف أقصى اليمين المتطرف، ليقيد ويحجم الصلاحيات القضائية في قرارات الحكومة وعزل رئيس الوزراء، لينقذ جلده من محاكمات جنائية، ما دفع حتى الرئيس جو بايدن بتوجيه انتقادات ناعمة لخطوات النيل من السلطة القضائية، إضافة إلى الاستمرار في حرب عبثية انتقامية (السيوف الحديدية)؛ ردا على عملية طوفان الأقصى التي فضحت وعرّت جرائم حرب الإبادة، التي يشنها جيش الاحتلال ضد المدنيين العزل في غزة للشهر الثامن، ويرتكب مجازر حرب إبادة وحرب جرائم ضد الإنسانية. كما اتهمت في كانون الأول/ ديسمبر الماضي محكمة العدل الدولية في الدعوى التي رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في لاهاي، وانضمت لها عدة دول في مقاضاة إسرائيل، وعادت مجددا الأسبوع الماضي جنوب أفريقيا لتقاضي إسرائيل بسبب حربها واجتياحها البري لرفح، وحصارها وتنكيلها بالمدنيين واتباع سياسة التجويع وخرق معاهدة كامب ديفيد والاستمرار بالقتل الممنهج، الأمر الذي أودى بحياة أكثر من 36 ألف بينهم 15 ألف طفل وآلاف تحت الأنقاض وركام منازلهم، و70٪ من الضحايا والشهداء من النساء والأطفال، وحوالي 80 ألف مصاب، ومليوني نازح ولاجئ ومشرد ومحاصر.

تتراكم الضربات الموجعة على حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو وزمرة المتطرفين، الذين يظهرون عنصريتهم برفضهم أي حق للفلسطينيين.


ولم يعد، حسب المنظمات الدولية، أي مكان آمن في غزة النازفة وتحولت لمقبرة الأطفال. والمؤلم أن قيادات الرئيس بايدن، ووزير خارجيته، ومستشار الأمن الوطني الذين يزورن المنطقة كل شهر، لا يرون في حرب إسرائيل الممنهجة حرب إبادة!
بل شحذوا سيوفهم لمهاجمة وتوبيخ وحتى تهديد كريم خان، المدعي العام لمحكمة الجنائية الدولية الذي وجه ضربة قاسية لغطرسة نتنياهو ووزير دفاعه غالانت بارتكاب حرب إبادة وحرب ضد البشرية.
تتراكم الضربات الموجعة على حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي بقيادة نتنياهو وزمرة المتطرفين، الذين يظهرون عنصريتهم برفضهم أي حق للفلسطينيين. وكان آخر طوفان الكوارث بإصدار كريم خان مدعي عام محكمة الجنائية الدولية توصية للمحكمة بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع (الحرب) غالانت وقادة حماس وإسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد ضيف، مع أن ما طرح على المحكمة ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وحرب إبادة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بالرد الانتقامي الإسرائيلي «السيوف الحديدية» المستمر للشهر الثامن.

واستمرت نكسات إسرائيل بإعلان النرويج وإسبانيا وإيرلندا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية يوم 28 الجاري. ويُتوقع اعتراف مزيد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين لتحقيق المساواة والسلام في المنطقة، بعدما تحولت حرب الصهاينة على غزة لحرب إبادة تجعل من الصعب دعمها والسكوت عنها؛ نظرا لحجم الغضب والمظاهرات المليونية في عواصم ومدن أوروبا وأمريكا، وانتفاضة الجامعات انطلاقا من الولايات المتحدة وصولا لأوروبا وأستراليا، في نجاح لحصاد معركة الوعي التي قادها الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ومقاومته.

كما شكل إصدار محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة عالمية من مؤسسات الأمم المتحدة، للمرة الأولى موقفا ضد إسرائيل بوقف عملية إسرائيل في رفح فورا، وفتح المعابر وإلزام إسرائيل بالسماح بدخول أي لجنة تحقيق وتقصي الحقائق حول ارتكاب جرائم حرب دون عوائق، وتقديم تقرير إلى محكمة العدل الدولية خلال شهر توضح الخطوات التي اتخذتها لتطبيق أمر المحكمة، وإطلاق سراح الأسرى فورا دون شروط، ما شكل ضربة موجعة.

سترفض إسرائيل قرارات (نظرا لسجلها في تحدي ورفض القرارات الدولية) مجلس الأمن ومحكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية، التي حذرتها بعدم ارتكاب ما يصل لحرب إبادة. وبالتنديد بتوصية كريم خان، تكون إسرائيل دولة مارقة، تتحدى مع أمريكا المجتمع الدولي ضمن النطاق الغربي – الأمريكي – الأوروبي؛ نظرا لاعتراف 146 دولة بدولة فلسطين، برغم تحدي واشنطن شبه الإجماع الدولي باستخدام الفيتو في مجلس الأمن بشكل متكرر ومنفرد.

يرى الكثيرون، وخاصة الأمريكيين، أن الحرب على غزة تحولت لحرب استنزاف تخدم مصالح نتنياهو لينجو بجلده من المحاكمة والسجن، بعد فشله بتحقيق أهداف غير واقعية بهزيمة حماس وإطلاق سراح الأسرى وتحويل غزة لمنطقة لا تهدد أمن إسرائيل، لكنه يستمر بمراكمة الصفعات والنكسات وبغطاء ودعم من الرعاة الغربيين.

وبذلك، تستمر أمريكا كعادتها بتحدي المجتمع الدولي بأسره لمصلحة إسرائيل وعلى حساب سمعتها. ومن ثم تواصل الولايات المتحدة فقدان الثقة، وتستمر بالاصطفاف ودعم الجلاد ضد الضحية.