ليست أكثر من "صدفة"، عندما قمت بالتذكير بمنصب رئيس
الجمهورية، الذي أدخل على الدستور في تعديلات 2019، وإلى الآن لم يتم شغله، فيتم
الإعلان عن النية في تعيين
نائب بعد بدء الولاية الجديدة للجنرال (في غرة أبريل)!
فلم يكن أحد ضربه على يده لإدخال هذا التعديل؛ والنص على تعيين نائب
أو أكثر، ضمن هذه التعديلات، والحال كذلك فإن مرور حوالي ثلاث سنوات دون إعمال هذا
النص، ينفي فكرة التطوع بإقراره، لولا أن الأمر بدا غير مريح لمن حرص على أن تشمل
التعديلات هذا الاختيار، ولو كان جوازياً، فأي خيار ولو كان "عظماً في
قفة" لا يكفي لاطمئنان الحاكم!
فعندما اختار جمال عبد الناصر، أنور السادات نائباً له كان اختياراً
لـ "عظم في قفة"، فقد كان يبدو أنه الأضعف شخصية من بين أعضاء مجلس
قيادة الثورة، وإن كان هذا راجع إلى أن السادات كان "مكاراً"، شعاره
"اربط الحمار حيث يريد صاحبه"، ويرجع صديقه الصدوق محمود جامع في
مذكراته ذلك، إلى أن السادات كان له
رأي في مناسبتين على غير هوى ناصر، فلما وجد
غضبه، أيقن بضرورة أن يوفر رأيه لنفسه، فاطمأن له عبد الناصر ورأى فيه شخصاً
ضعيفاً ومسلياً، ومن هنا كان يطمئن للسهر عنده في منزله، وكان السادات يتمسكن حتى
يتمكن، وقد ضمن بذلك عدم عدول عبد الناصر في قرار تعيينه حتى وفاته، وكان قد عين
نواباً آخرين لم يكن أولهم حسين الشافعي، عزلهم سريعاً!
وعندما اختار السادات، حسني مبارك في أبريل 1975 نائباً لرئيس
الجمهورية، في تأسيسه لشرعية جديدة، هو صاحبها، وهي شرعية نصر أكتوبر 1973، حرص
على اختيار الأضعف في غرفة عمليات الحرب، ولم يكن أعلاهم وضعاً، فقد كان هناك سعد
الدين الشاذلي ومحمد عبد الغني الجمسي، لكن مبارك لم يكن يهش أو ينش، وسقف طموحه
كان في حدود
رئاسة شركة
مصر للطيران، أو سفيراً في المملكة المتحدة، وكان في
أحلامه هذه لا يخرج عن الاهتمام بالبدلات التي يجنيها شاغل هذين المنصبين!
فاتح شهية:
لكن مهما كان تواضع طموح من يقع الاختيار عليه، فيبدو بالتجربة أن
الترقي الوظيفي يصبح بالنسبة لهذه الشخصيات بمثابة "فاتح شهية"، وإذا
كان الرئيسان عبد الناصر والسادات لم يضارا بما وقر في قلبي النائبين السادات
ومبارك، فإن الأوضاع كانت مختلفة لما عليه الحال الآن، فلم تكن شرعيتهما محل طعن
ولم يكن عزلهما مطروحاً على جدول الأعمال، وحتى المظاهرات التي خرجت في العهدين،
لم تشكك في هذه الشرعية ولم تدعو لإسقاطهما، فهي فقط من أجل مطالب، ولهذا كان من
الخطأ الجسيم، البناء على أن مظاهرات الخبز في سنة 1977 لم تسقط السادات، لبعث
الطمأنينة في قلب مبارك، فهو قياس فاسد، لأن مظاهرات الخبز لم ترفع شعار
"ارحل"!
لقد كان السيسي محظوظاً بدستور الإخوان، لأنه لم ينص على منصب نائب الرئيس، بعد تجربة النائب المستشار محمود مكي، وهنا لم تجد لجنة الخمسين بعد الانقلاب العسكري دافعاً لاستحداث هذا النص من العدم، مع أنه كان مطلبا للمعارضة في عهد مبارك، ربما لنكون أمام بديل آمن، إذا خرج السر الإلهي، فلم يكن هناك من يتوقع أن يعزل الرئيس بثورة!
والأوضاع الآن مختلفة، فلا يمكن لأحد القول إن السلطة قد استتبت
للجنرال، وهو يعيش في هاجس الإخوان بعد عشر سنوات من الحكم المنفرد، ويكلف الدولة
في كل عام أموالاً طائلة لصناعة الدراما التي تشوه صورتهم وتغتالهم معنوياً، ولا
يمكن أن يكون هذا التعسف لمطاردة لافتة، ومصادرة وثائق مصري في الخارج، والانزعاج
من فيديو أو تغريدة، لنظام يشعر بأنه استوى على مقعده الرئاسي ودانت له الدنيا.
ومن هنا يكون للتردد في شغل موقع النائب منطقه، ولعل التردد كان منذ
بداية كتابة النص، فالموقع محاط بسياج يحد من حرية الحركة والنمو، فمنصب نائب
الرئيس محاط بقيود تجعل من العبث أن يفكر في القيام بأي حركة غدر، لأنه لن يستفيد
منها، ويكون استمرار الحال هو الأفضل له، فلا يجوز له إذا تولى الرئاسة في حال خلو
موقع الرئيس أن يدعو لتعديل الدستور، أو أن يحل البرلمان، أو يترشح لموقع رئيس
الجمهورية، أو يقيل الحكومة!
وإن كانت هناك ثغرة لم يتم الانتباه لها مع هذا "التحوط"،
وهي أنه في حالة التوافق مع القوى السياسية، فإن طلب تعديل الدستور إن كان من سلطة
رئيس الدولة فهو من حق خمس أعضاء البرلمان، ومن تحايل على نصوص واضحة وعدل الدستور
في 2019، حيث لا اجتهاد مع النص، أعطى الفرصة لمن يجتهد مع نصوص تحتمل التأويل!
ولا أعتقد أن من بشر بتعيين نائب للرئيس قال هذا من باب التخمين أو
التوقع، لأنه إذا خاب توقعه سيفتح الباب للتذكير بهذا النص الميت في الدستور،
ولماذا لم يتم تفعيله؟، كما أن هذه ليست المساحة التي يتم السماح فيها لمقربين من
النظام بإعلان التوقعات، لأن في ذلك تطاول على مقام الرئاسة!
عدم التوفيق:
وفي اعتقادي أن النص على موقع نائب الرئيس، إنما هو عدم توفيق، تماما
كما أن الإقدام على شغله أيضاً هو بسبب عدم التوفيق أيضاً، وسيكون قراراً له ما
بعده ولو كان النائب مدنياً، مثل مصطفى مدبولي، الذي يتصرف على أنه جمهور يطالب
بخفض الأسعار، وكأنه ليس رئيساً للحكومة، فالموقع هو ما يفتح الشهية، للحلم
المشروع فيما هو أعلى، ولو وقع العطاء على متوف بالإسناد المباشر، فالدنيا حلوة
خضرة!
لقد كان السيسي محظوظاً بدستور الإخوان، لأنه لم ينص على منصب نائب
الرئيس، بعد تجربة النائب المستشار محمود مكي، وهنا لم تجد لجنة الخمسين بعد
الانقلاب العسكري دافعاً لاستحداث هذا النص من العدم، مع أنه كان مطلبا للمعارضة
في عهد مبارك، ربما لنكون أمام بديل آمن، إذا خرج السر الإلهي، فلم يكن هناك من
يتوقع أن يعزل الرئيس بثورة!
إن الدستور يبدو يقظاً لهذا فإعلان خلو الموقع للاستقالة، أو الوفاة، أو العجز الدائم، بيد أغلبية مجلس النواب (م 160)، لكن في لحظة ما لن يكون البرلمان هو البرلمان بطبيعته الحالية، ولن يكون النائب أيضاً بذات الطبيعة، فالأحداث تغير النفوس، وتغير البوصلة، فلا أحد يمكنه أن يقبل تحمل مصير غيره، في يوم يقول فيه المرء: نفسي نفسي!
وعندما لا يقوم الجنرال بتقبيل دستور 2014 ظهراً ووجهاً لعدم وجود نص
يختص بنائب الرئيس، ويضع هذا النص بنفسه، فإنه عدم التوفيق، وعندما يقدم على شغل
هذا الموقع مع أن الدستور جعله يدخل في باب الجواز، لا الوجوب، فإنه استمرار لعدم
التوفيق أيضاً، مالم يكن مدفوعاً بذلك الآن من جانب أطراف خارجية!
وإن كنت أعتقد أن التقليل من حجم المخاطر يكون بالابتعاد عن النائب
العسكري التي تسهل له رتبته انتقال السلطة اليه، وأن يُستغل البراح في النص
الدستوري بتعيين أكثر من نائب، (نائباً أو أكثر بحسب المادة 150 من الدستور)، وأن
يكون لهم الاختصاص في القيام بأعمال رئيس الجمهورية، إذا ما قام مانع مؤقت يحول
دون مباشرته لسلطاته، على أن يكون قرارهم بالإجماع، وهنا يكون قد تم تفريغ الموقع
من معناه، اللهم إذا كانت هناك ثمة مطالب خارجية بضرورة وجود نائب، أو ضغوطا تمارس
عليه، ولم يتصل علمنا بها!
ذلك بأنه إذا تبين بالفعل وجود ضغوطاً خارجية فسيكون الأمر مختلف،
وهم يرونه يقضي على كل بديل محتمل، فإذا حدث فراغ في الموقع لأي سبب، يصيروا في
حيص بيص، سواء بالنسبة للإقليم الذي دفع الكثير فمن يحافظ على مكتسباته إذا ترك
الأمر للمجهول، أو الغرب وهو يغدق بالأموال عبر مؤسساته للحفاظ على الدولة
المصرية، ولن يكون سعيدا إذا ذهبت للمجهول، مع التطورات الجديدة على صعيد القضية
الفلسطينية؛ بين المقاومة وإسرائيل!
فماذا لو جدت في الأمور أمور، وتم حمل الجنرال على نقل صلاحياته
لنائبه، وماذا لو لم يكن أمام النائب من سبيل إلا أن يعلن العجز الدائم عن القيام
بالعمل، لتكرار تجربة بن علي والحبيب بورقيبة، وهي التجربة التي تكررت مع بن علي
نفسه من قبل رجليه، الوزير الأول ورئيس مجلس النواب، بضغط الثورة!
إن الدستور يبدو يقظاً لهذا فإعلان خلو الموقع للاستقالة، أو الوفاة،
أو العجز الدائم، بيد أغلبية مجلس النواب (م 160)، لكن في لحظة ما لن يكون
البرلمان هو البرلمان بطبيعته الحالية، ولن يكون النائب أيضاً بذات الطبيعة،
فالأحداث تغير النفوس، وتغير البوصلة، فلا أحد يمكنه أن يقبل تحمل مصير غيره، في
يوم يقول فيه المرء: نفسي نفسي!
لها ما بعدها!