رسالة محافظ
ليبيا المركزي الموجهة إلى مجلس النواب أضافت بعدا آخر
إلى الخلاف حول إدارة إيرادات الدولة وأوجه صرفها، كما أنها كشفت عن مزيد من
التسييس للأزمة
الاقتصادية في البلاد.
تحدث محافظ المصرف المركزي الليبي في رسالته إلى مجلس النواب عن
الوضع المالي والاقتصادي المختل بسبب ما اعتبره زيادة مفرطة في الإنفاق العام خلال
السنوات الماضية، وقدر المحافظ العجز في موازنة العام 2024م بنحو 12 مليار دولار،
وأن ذلك سيكون على حساب الاستدامة المالية والاستقرار النقدي، مطالبا مجلس النواب
بفرض ضريبة على بيع العملات الأجنبية بنحو 27% وذلك لجني قرابة الـ12 مليار دينار
ليبي خلال العام 2024م، توجه لسداد بعض الدين العام وتنفيذ مشروعات تنموية.
يوجد، ماليا واقتصاديا، ما يبرر للمحافظ موقفه، ذلك أن النفقات
العامة تضاعفت مرات خلال العقد المنصرم، فالمرتبات التي كانت في حدود الـ19 مليار
دينار العام 2014م بلغت نحو 65 مليار دينار العام 2023م، والدعم بمختلف إشكاله
الذي لم يتخط الـ12 مليارا العام 2013م تجاوز الـ60 مليار دينار العام 2023م، ولا مؤشر
على كبح جماح هذا االارتفاع المقلق في الإنفاق العام، والمتوقع مزيد من الارتفاع
خلال السنوات القادمة، وهذا يراكم الضغوط على الاحتياطي النقدي ويهدد بالفعل
الاستدامة المالية.
غير أن اضطرابا لحق بيانات المصرف المركزي كان أساسا لتوجيه انتقادات
لسياساته، خاصة القيود التي فرضها على بيع العملات الأجنبية، ومطالبته البرلمان
بفرض ضريبة على بيعها للأغراض الشخصية والاعتمادات المستندية.
بيان المصرف المركزي للإيرادات والنفقات خلال العام 2023م أكد أن
العجز بالدولار بلغ نحو 10 مليارات، وأن العجز بالدولار المتوقع نهاية العام 2024م
سيصل إلى 12 مليارا. بالمقابل، فإن البيانات التي تضمنتها النشرة الاقتصادية التي
تصدر شهريا عن المصرف المركزي تشير إلى أن العجز لم يتجاوز الملياري دولار العام
2023م، وأن فائضا بلغ أكثر من 6 مليارات دولار قد تحقق العام 2012م.
اختار المحافظ أن يتجه إلى البرلمان لفرض ضريبة وكان قد تعاون مع المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني في فرض رسوم على بيع العملات الأجنبية بلغت 183% العام 2018م، ومضت الأمور بشكل طبيعي، ولأن المحافظ لم يكشف عن دواعي قانونية أو إدارية لإدارة ظهره للرئاسي والحكومة واتجاهه للبرلمان، فإن الدافع قد يكون سياسيا.
هذا الارتباك في البيانات المالية للدولة فتح الباب أمام التكنهات من
أن أسبابا غير اقتصادية ولا مالية قد تكون خلف اتجاه المصرف المركزي في فرضه قيودا على بيع العملات الأجنبية ومطالبة مجلس النواب بفرض ضريبة على بيعها.
اختار المحافظ أن يتجه إلى البرلمان لفرض ضريبة وكان قد تعاون مع
المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني في فرض رسوم على بيع العملات الأجنبية بلغت
183% العام 2018م، ومضت الأمور بشكل طبيعي، ولأن المحافظ لم يكشف عن دواعي قانونية
أو إدارية لإدارة ظهره للرئاسي والحكومة واتجاهه للبرلمان، فإن الدافع قد يكون
سياسيا.
حكومة الوحدة الوطنية عرف عنها الهدر والإنفاق غير المخطط له على
أساس علمي، وقد تساهل المصرف المركزي معها في السنتين الأوليين بعد تشكلها، ويرصد
مراقبون تحولا في موقف المصرف من حكومة الوحدة بعد تقاربه مع مجلس النواب وتسييله
أموال للحكومة المكلفة من قبله والتي يترأسها أسامة حماد، وقد يكون الإنفاق
المزدوج (تسييل أموال للحكومتين في الغرب والشرق) أحد دوافع المصرف المركزي
لزيادة الإيرادات العامة من خلال فرض رسوم على بيع الدولار.
ولا ننسى أن هذا التغير في العلاقات بين الأجسام السيادية وما ترتب
عنه من إجراءات ألقت بظلالها على الاقتصاد وعلى سعر صرف العملات الأجنبية في السوق
الموازية يأتي في أثناء زخم الدفع باتجاه إحداث تغيير حكومي يحركه مجلس النواب
وأنصاره.
ولأن السياسة تأخذ حيزا في توجيه خيارات الأطراف المختلفة، ولأنها
عامل أساسي من عوامل التأثير على الاقتصاد، فقد تحركت أطراف محلية وخارجية على خط
النزاع الجديد، فبعض الأطراف النافذة على الأرض تخوفت من تطور العلاقة بين المركزي
ومجلس النواب والحكومة التابعة، وفي تدخل المبعوث الأمريكي الخاص لليبيا ومحاولته
تفكيك الخلاف بين الحكومة والمصرف ما يشير إلى قلق من أن يتطور الوضع بشكل يعمق من
الأزمة السياسية والاقتصادية بل احتمال الانزلاق إلى مواجهات مسلحة.