كشف الرئيس الأمريكي جو بايدن في مطلع مارس 2024 عن خطط لإنشاء الجيش
الأمريكي ميناء على ساحل
غزة يتيح توزيع نحو مليوني وجبة يوميا بعد أن تسبب
العدوان الدائر منذ أكثر من 5 أشهر في واحدة من أسوأ مجاعات التاريخ الحديث.
فكرة
الممر المائي ليست جديدة وتم طرحها أكثر من مرة خلال العشر
سنوات الماضية وفي كل مرة عطلتها إسرائيل.
بعد العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014 وخنق القطاع بالحصار لسنوات
طويلة ظهرت فكرة إنشاء ممر مائي بين غزة وقبرص وكانت مصر وسيطة في تلك الفكرة التي
كانت تقوم على اتفاق هدنة لمدة 10 سنوات وأن يعاد تشغيل ميناء غزة لتخفيف الوضع
داخل القطاع، خاصة وأن مساحة الميناء تمتد على طول 323 مترا كما يوجد في غزة مرفأ
صغير للصيادين بقطر 400 متر وعمق المياه 5 أمتار ويبلغ طول قناة مدخل الميناء ما
يقرب من 700 متر ما جعل القطاع مؤهلا آنذاك لتشغيل الميناء وإنشاء ممر مائي لكن
إسرائيل عطلت الفكرة ورفضت المشروع.
بعدها بأربع سنوات، تكرر الأمر في 2018 بمبادرة قطرية هذه المرة
هدفها كان كسر الحصار وإدخال المساعدات وتفعيل ميناء غزة وذلك بالتنسيق بين
إسرائيل ومصر وقطر لكن إسرائيل رفضت المبادرة أيضا.
ولكن يبدو أن الأمر مختلف تماما هذه المرة.
في 1 نوفمبر 2023 أعلن رئيس قبرص الرومية نيكوس خريستودوليدس في
مؤتمر للمساعدات الإنسانية عقد في العاصمة الفرنسية باريس فكرة إقامة ممر بحري
لنقل المساعدات إلى غزة من جزيرة قبرص.. بموجب الاقتراح القبرصي ستخضع البضائع
للتفتيش الأمني وذلك في ميناء لارنكا القبرصي قبل نقلها إلى غزة حيث يقع على بعد
370 كيلومترا من غزة وذلك الممر المائي سيمرر المساعدات من قبرص إلى غزة
مباشرة وليس عبر مصر (معبر رفح) أو دولة
الاحتلال المجاورتين.
عقب هذا الإعلان القبرصي تهافت قادة الغرب على تأييد الفكرة مباشرة،
في 5 نوفمبر 2023 زار وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" قبرص من
أجل هذا المقترح، ودعم الفكرة وأكد تأييد واشنطن لها، عقبه مباشرة موافقة الاتحاد
الأوروبي على إنشاء الممر المائي وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تأييده
للمشروع، كما رحب توني بلير (رئيس الوزراء البريطاني الأسبق) بالفكرة أيضا.
في 19 ديسمبر أعلنت الخارجية الإسرائيلية على غير العادة أن تل أبيب
تبحث مع قبرص "تشغيل" ممر بحري بين الأخيرة وغزة، وفي اليوم التالي في
20 ديسمبر أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين تأييد فتح ممر بحري بين قبرص
وغزة وقال كوهين: "إن الممر سيخضع لتفتيش أمني تنسقه إسرائيل" وشكر
الوزير الإسرائيلي قبرص على ما أطلق عليه "المبادرة الهامة".
بالنسبة لغزة وأهلها يعد هذا الممر المائي المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية، فالهدف الرئيسي أن تتحول غزة إلى ضفة غربية جديدة محكومة بالكامل من قبل إسرائيل وخاضعة لشروط الاحتلال برا وبحرا وجوا.
في اجتماعه يوم 27 ديسمبر 2023، أعلن مجلس الوزراء
الفلسطيني رفض فكرة الممر المائي بين إسرائيل وقبرص وذكر
المجلس أن هذا الممر ينطوي على مخاطر ديموغرافية تفرضها المخططات الإسرائيلية
وطالب مجلس الوزراء بإدخال المساعدات عبر المعابر الحدودية الطبيعية لأن هذا
الممر المائي يعتبر كارثة على الشعب الفلسطيني.
استمر العمل في هذا الممر المائي بعد ذلك، في 1 يناير 2024 أجرت قبرص
اختبارا لآلية فحص للشحنات عن طريق الممر المقترح بعد إرسال 87 طنا من المساعدات
البريطانية عن طريق هذا الممر.
في 12 مارس قالت صحيفة "إسرائيل اليوم" إن جهاز الأمن
العام (الشاباك) يقوم حاليا بإنشاء نظام تفتيش شامل لمحتويات الشحنات للتأكد من
أنها لا تحتوي على أسلحة يمكن أن تستخدمها حركة حماس وأوضحت "إسرائيل
اليوم" أنه يجري حاليًا إنشاء الرصيف الجديد على الساحل الشمالي لقطاع غزة
حتى يتمكن من استقبال السفن وقالت إنه بعد الانتهاء من التفتيش سيتم نقل الشحنات
إلى سفينة قادرة على الرسو في المياه الضحلة بساحل غزة.
بالنسبة لغزة وأهلها يعد هذا الممر المائي المسمار الأخير في نعش
القضية الفلسطينية، فالهدف الرئيسي أن تتحول غزة إلى ضفة غربية جديدة محكومة
بالكامل من قبل إسرائيل وخاضعة لشروط الاحتلال برا وبحرا وجوا.
في وثيقة نشرها موقع ميدل ايست اي البريطاني الأسبوع الماضي أشارت
إلى تصريحات بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما يتعلق بالممر المائي
الجديد حين قال "لا يوجد عائق أمام خروج الفلسطينيين من قطاع غزة، باستثناء
عدم رغبة الدول الأخرى في استقبالهم".
الممر المائي الجديد بالنسبة لنتنياهو هو طوق النجاة لخطة التهجير
التي أعلنتها إسرائيل منذ اليوم الأول بعد السابع من أكتوبر، وإن تحرك نتنياهو في
عملية رفح البرية مع تدمير أو سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا يعني هذا خنق غزة
تماما وعزلها عن العالم ووضع شريان حياتها الوحيد في يد إسرائيل بمعنى أنه لا
إنسان ولا سفينة ولا بضائع ستدخل إلى القطاع إلا بإشراف وموافقة إسرائيلية كاملة
وبتنسيق أمريكي..
الدور المصري الواجب الآن هو رفض فكرة الممر المائي تماما والحيلولة دون قيام إسرائيل بعملية برية في رفح، وفتح المعبر مباشرة وإدخال المساعدات بريا والعمل على مساعدة أهل غزة على البقاء ورفض تهجيرهم إلى أي مكان برا أو بحرا.
من هنا يصبح وضع الفلسطينيين صعبا للغاية مع انعدام جميع منافذ
الحياة الباقية وقطع المساعدات فأصبح الحل الوحيد هو البحر من غزة إلى قبرص إلى أي
مكان آخر وهو بالتحديد ما يريده نتنياهو.
في مصر لن يختلف الوضع كثيرا..
سياسيا سيفقد الممر الميزة الاستراتيجية لمصر فيما يتعلق بالقضية
الفلسطينية وستصبح مصر كأي دولة أخرى بعيدة عن بؤرة الأحداث.
يوسي كوهين (رئيس الموساد السابق) أكد في الأسابيع الأولى لهذه الحرب
الدموية على ضرورة الانفكاك عن غزة اقتصاديا وإلغاء فكرة المعابر مع قطاع غزة بما
فيها معبر رفح المصري والاعتماد على الممر المائي ما يعني خروج مصر من المعادلة
تماما بل ستصبح في خطر داهم أمام حكومات اليمين المتطرف الإسرائيلي التي أعلن عدد
من وزرائها أكثر من مرة عن أطماعهم في سيناء وحلم دولة إسرائيل الكبرى من النيل
إلى الفرات.
اقتصاديا ستفقد مصر المصالح والتبادل التجاري مع قطاع غزة وستتضرر
مدن العريش والشيخ زويد اقتصاديا، وتكفي الإشارة هنا لتصريحات رئيس الغرف
التجارية المصري الأسبق محمد المصري في الثامن عشر من أكتوبر 2023 حيث قال إن
الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد أضرت بالتبادل التجاري الكبير بين مصر وفلسطين
والذي وصل إلى ما يقارب نصف مليار دولار في عام 2022 ـ 2023.
عسكريا ستتقلص بنود المعابر في اتفاقية كامب ديفيد وسيعاد النظر بشكل
كامل في المساعدات العسكرية الأمريكية التي يحصل عليها
الجيش المصري منذ توقيع تلك الاتفاقية عام 1979 وهو ما يهدد العلاقات الأمريكية
المصرية ويضع علامات استفهام كثيرة حول قيمة مصر استراتيجيا فيما يتعلق بحماية
المصالح الأمريكية في المنطقة وعلى رأسها أمن إسرائيل.
يوما ما سيرحل عبد الفتاح السيسي ونظامه عن السلطة في مصر وسيبدو
المشهد مخيفا على الأمن القومي المصري إن أغلق معبر رفح تماما وأصبحت حكومة يمينية
متطرفة على الحدود المصرية الفلسطينية وأصبح المنفذ الوحيد لأهل غزة عبر ممر مائي
تشرف عليه إسرائيل بمباركة أمريكية وأوروبية.
الدور المصري الواجب الآن هو رفض فكرة الممر المائي تماما والحيلولة
دون قيام إسرائيل بعملية برية في رفح، وفتح المعبر مباشرة وإدخال المساعدات بريا
والعمل على مساعدة أهل غزة على البقاء ورفض تهجيرهم إلى أي مكان برا أو بحرا.