من المهمّ جدا في سياق المذبحة المفتوحة
اليوم تبيّن الخط الذي انتهجته أذرع الدعاية والتضليل العربية في توصيفها وتقييمها
لصمود
المقاومة في الأرض المحتلة. لن نتحدث هنا عن المعركة الكبيرة التي تخوضها
منصات إعلامية عالمية ووكالات أنباء دولية وجماعات ضغط عملاقة من أجل التغطية على
حرب الإبادة وشيطنة حركة المقاومة. بل نبحث في الأسس والخلفيات التي تقف وراء
إمعان النظام العربي في تشويه فعل الصمود أمام وحشية المحتل.
ليس هذا الخطاب وليد اليوم لكنه يندرج داخل
نفس الإطار الذي رسم صورة المقاومة العربية والإسلامية للاحتلال منذ أن وطئت أرضَ
العرب أقدامُ عساكر المحتل. هذا الدعم المعنوي الكبير الذي يحظى به جيش
الاحتلال
من داخل المنطقة العربية نفسها هو مكسب لا يُقدّر بثمن لأنه يكشف وحدة المصير بين
الاستبداد العربي من جهة والمحتل الصهيوني من جهة ثانية.
كيف رسم الخطاب الرسمي العربي صورة المقاومة
في غزة؟ وما هو المنطق الداخلي الذي استند عليه في شيطنة المقاومة وضرب صورتها في
الوعي الشعبي القاعدي؟ وما هي خلفيات هذا الاصطفاف مع المحتل ضد أصحاب الأرض في
فلسطين؟
خطيئة المقاومة
منذ بدء عملية طوفان الأقصى انطلقت منصات
عربية معلومة تابعة لمحور الانقلابات خاصة في السعودية ومصر والإمارات والبحرين في
توصيف عملية التحرير بأنها مغامرة غير محسوبة العواقب. انطلقت قناة العربية وسكاي
نيوز وكل القنوات المصرية تقريبا في تقديم معزوفة واحدة أخذت اتجاها تصاعديا بداية
من يوم السابع من أكتوبر وصولا إلى اليوم.
كان التركيز الأساسي يتمثل في محاولة تحقيق
هدف مركزي وهو منع التعاطف مع المقاومة بالقدر الممكن. أي أن الغاية الأساسية من
هذه الحملات الإعلامية والمنابر واللقاءات والتغطيات إنما تهدف إلى فصل الوعي
القاعدي الشعبي عن بريق نجاح المقاومة والصمود أمام الآلة العسكرية للمحتل وحلفائه.
تهمة الإرهاب هي أنجع ما يمكن أن تتهم به المقاومة لأنه المصطلح الأقرب إلى السردية العالمية والذي دُمرت بواسطته حواضر إسلامية مثل العراق وأفغانستان وسوريا. وهي نفس التهمة التي بررت الانقلاب على ثورات الشعوب وفتحت الباب أمام حمامات الدم في ليبيا وسوريا ومصر.
المقاومة الفلسطينية مقاومة حقيقية أمام
محتل دموي مسنود بالحلف الأطلسي والاستبداد العربي في آن وهو ما يجعل منه ساحة
حقيقية للدروس يصعب تزييفها. ليست المقاومة في غزة صناعة مخابراتية عربية كما هو
الأمر مع الجماعات الجهادية التي صنعت هنا وهناك لتبرير التدخل الغربي في العراق
وأفغانستان وليبيا وسوريا والسودان وبقية الحواضر المشتعلة.
المقاومة في الأرض المحتلة امتداد تاريخي
أصيل ثابت ينطلق من الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في تحرير أرضه من المحتل. لكن
الارتباط الوثيق بين المشروع الصهيوني وأنظمة الاستبداد العربي يحاول بقدر قوته
شيطنة المقاومة وتقويض الأسس التي تقوم عليها لتجعل من الاحتلال أمرا واقعا
فتُصيّرَ القبول به والتعايش معه قاعدة لا شذوذا عن القاعدة.
حماس الإرهابية
خمس تهم أساسية ارتكز عليها المنطق الداخلي
في الخطاب العربي لشيطنة المقاومة وتشويهها وكل تهمة منها تسحب وراءها خلفية
سياسية خاصة تخدم أهداف المشروع الصهيوني.
تهمة الإرهاب هي أنجع ما يمكن أن تتهم به
المقاومة لأنه المصطلح الأقرب إلى السردية العالمية والذي دُمرت بواسطته حواضر
إسلامية مثل العراق وأفغانستان وسوريا. وهي نفس التهمة التي بررت الانقلاب على
ثورات الشعوب وفتحت الباب أمام حمامات الدم في ليبيا وسوريا ومصر.
وسْم المقاومة الشرعية بالإرهاب يحوّلها من
فعل صمود شرعي إلى عمل إجرامي عالمي لا يختلف عن عمل فرق الموت الأخرى مثل القاعدة
أو داعش. هذا التوجه يهدف إلى تجريد المقاومة من بعدها الإنساني وتصويرها فعلا
همجيا عدوانيا متوحشا وهو ما يجعل هذا المنطق متطابقا مع السردية الصهيونية
الرسمية التي وصفت الفلسطينيين بأنهم " همج ووحوش دون البشر" مما يبرر
فعل الإبادة ضدهم.
أما التهمة الثانية فتتمثل في ربط حماس
وفصائل المقاومة بإيران بشكل يجعل منها امتدادا للمشروع الإيراني في المنطقة وهي
التهمة التي تحاول المنصات الخليجية وخاصة السعودية تثبيتها لتحقيقي هدفين
أساسيين. أما الهدف الأول فيعمل على فصل المقاومة عن الحاضنة الإسلامية السنيّة
والطعن في شرعيتها العقائدية باعتبارها حركة تسعي إلى تحرير المقدسات وعلى رأسها
المسجد الأقصى ومسرى رسول الله. ويظهر الهدف الثاني في تحريك النعرة الطائفية
ومحاولة الدول الخليجية خلق مسافة بينها وبين الفعل المقاوم في غزة.
ليس أشد إيلاما على شعب غزة اليوم من الخذلان والتواطؤ العربي الذي يحاصرهم برا وبحرا وجوا ويشارك في مأساتهم بل ويعمل ليل نهار على تشويه نضالهم وسلبهم كل شيء بما في ذلك الحق الإنساني المشروع في مقاومة المحتل.
يظهر الهدف الثالث في وسم المقاومة بالأخونة
وربطها بجماعة الإخوان المسلمين الذين هم العدوّ اللدود للنظام الرسمي بقيادة مصر
والسعودية والإمارات. فرغم التناقض الكبير بين هذه التهمة والتهمة السابقة إلا
أنها تهدف إلى ربط المقاومة الإسلامية في فلسطين بحركة المعارضة الأبرز للاستبداد
الرسمي العربي في دول الطوق. وهو الأمر الذي يوحد مرة أخرى بين هدف المشروع
الصهيوني وأهداف النظام الإقليمي من خلال توحيد عدوهما.
أما رابع الأهداف الذي يحرك منطق التشويه
العربي فيبرز في محاولة فصل المقاومة وحركة حماس عن القضية الفلسطينية والشعب
الفلسطيني عامة. هذا التوجّه يظهر جليا كذلك في الخطاب السياسي والإعلامي الغربي
الذي يتحاشى الحديث عن فلسطين والشعب الفلسطيني مركزا بشكل مكثف على حركة حماس دون
غيرها من فصائل المقاومة. الصراع ليس بين شعب وقوة احتلال بل هو بين دولة إسرائيل
وحركة إرهابية إخوانية إيرانية هي حركة حماس.
هذه هي تقريبا أهم الآليات التي حركتها
الأذرع الإعلامية العربية من أجل منع طوفان الأقصى من اكتساح وعي الشارع العربي
تجديدا لإيمان الإنسان بأن لا فعل بديلا عن فعل المقاومة المسلحة لتحرير الأرض.
فكما صور الإعلام قديما "عمر المختار" بأنه "زعيم العصاة " في
ليبيا كذلك يصور الإعلام المعاصر قادة المقاومة بأنهم عملاء إرهابيون دمروا بلادهم
وتسببوا في خرابها بدل الرضى بالاحتلال والإذلال ومصادرة الأرض والكرامة والحق في
الحرية.
ليس أشد إيلاما على شعب غزة اليوم من
الخذلان والتواطؤ العربي الذي يحاصرهم برا وبحرا وجوا ويشارك في مأساتهم بل ويعمل
ليل نهار على تشويه نضالهم وسلبهم كل شيء بما في ذلك الحق الإنساني المشروع في
مقاومة المحتل. وهي الخلاصة التي تؤكد مرة أخرى أنّه لا سبيل إلى تحرير الأرض
المحتلة قبل التحرر من الاستبداد العربي الذي هو أوثق حلفاء الاحتلال وأوفى حراسه
وأشدهم ضراوة وبطشا.