نشرت صحيفة "
الغارديان" مقالا للصحفي البريطاني أوين جونز، أعلن فيه إلغاء عضويته بحزب العمال، مشيرا إلى أنه كان لأسلافه علاقة معقدة بحزب العمال، ولكن كان بإمكانهم أن يشيروا إلى سياسات (ساهموا في تغييرها) غيرت حياة الناس، وأنه لا يستطيع أن يقول الشيء نفسه في عام 2024.
وانتقد الصحفي البريطاني، موقف زعيم
حزب العمال،
كير ستارمر، من الحرب الإسرائيلية الدموية المتواصلة على قطاع
غزة للشهر السادس على التوالي، مشددا على أن "العدوان على غزة هو الجريمة الكبرى في عصرنا".
وفيما يلي ترجمة "عربي21" للمقال كاملا:
من الصعب فصل حزب العمال عن إحساسي بذاتي. نشأت في ستوكبورت، وبدوت، إلى حد ما مثل [الممثل] ماكولاي كولكين، ولكن بذوق سيئ في الملابس... وبدا لي أن حزب العمال له مكان ما في حياتي. كان جدي الأكبر، الذي كان يعمل في السكك الحديدية، والذي تم الخصم من أجره في الإضراب العام منذ ما يقرب من قرن من الزمان، عضوا عن حزب العمال في المجلس المحلي. وكذلك كانت جدتي؛ كان إنجازها الذي تفتخر به هو، منع ملاك العقارات من طرد العائلات المستأجرة خلال أعياد الميلاد. التقى والداي في اجتماع عمالي في الهواء الطلق خارج توتنغ بيك في الستينيات. اشترت لي والدتي عضوية في حزب العمال كهدية لعيد ميلادي الخامس عشر. في عهد كل زعيم من زعماء حزب العمال طوال 21 عاما من حياتي، كنت أؤيد مرشحي الحزب على المستوى المحلي والوطني والأوروبي، وقمت بحملات انتخابية لصالحهم.
ومع ذلك، بعد فترة كارثية فريدة من نوعها، استمرت 14 عاما من حكم حزب المحافظين، وبينما يبدو حزب العمال مستعدا لاستعادة الحكم بأغلبية ساحقة، قمت للتو بإرسال بريد إلكتروني إلى الحزب لإلغاء عضويتي. ومن المفهوم أن يسعى منتقدو الملتزمين إلى الربط بين الأمرين: لقد تخلى حزب العمال عما يجعله غير قابل للانتخاب، ويشتكي هذا قديس فيلم هوم ألون صاحب الأفكار غير القابلة للانتخابات.
لكن قراري لا يستند إلى الرغبة في رؤية حزب العمال إلى الأبد في البرية. لقد كان الوصول إليه عملية تدريجية ومؤلمة لإدراك أن الحزب لن يفعل حتى الحد الأدنى لتحسين حياة الناس، أو معالجة الأزمات التي قادت
بريطانيا إلى الكارثة، وأنه سيشن في الواقع، حربا على أي شخص يريد أن يفعل ذلك ــ ما يجعل أي شخص لديه سياسة على يسار بيتر ماندلسون، يشعر وكأنه منبوذ يعيش في الوقت الضائع. نعم، كانت علاقات أقاربي متضاربة مع الحزب، وكثيرا ما كانوا يشعرون بالإحباط بسبب عدم تطرفه الكافي، لكنهم يستطيعون دائما الإشارة إلى السياسات التي غيرت حياة الناس الذين تأسس حزب العمال ليمثلهم، من دولة الرفاهية إلى الحد الأدنى للأجور وخدمة الصحة الوطنية، حيث عملت جدتي طوال حياتها.
كانت فرضية محاولة كير ستارمر لقيادة الحزب في عام 2020، هي أن السياسات الشعبية مثل فرض الضرائب على الأغنياء للاستثمار في الخدمات العامة، وإلغاء الرسوم الدراسية وتعزيز الملكية العامة ليست مسؤولة عن هزيمة الحزب في الانتخابات عام 2019. أعلن ستارمر أن بيان جيريمي كوربين الانتخابي لعام 2017 كان "الوثيقة التأسيسية" للحزب، التي تتمحور حول مثل هذه الالتزامات ويُنسب إليه الفضل في أكبر زيادة في حصة الحزب من الأصوات منذ عام 1945، حتى لو لم يكن ذلك كافيا للفوز بعد عامين من الهزيمة الساحقة. وقال ستارمر لأعضاء حزب العمال الممزقين: "جيريمي كوربين جعل من حزبنا حزبا مناهضا للتقشف، وكان على حق في القيام بذلك". ورغم أنني لم أصوت لصالحه، فإن خطابه أعطى الأمل للآراء المتنوعة التي آمن بها أسلافي. وردا على ذلك، كتبت عمودا بعنوان: "ستارمر قادر على النجاح، وهو يستحق دعمنا".
ومع ذلك، وبعد مرور خمس سنوات، أصبح حزب العمال بيئة معادية لأي شخص يؤمن بالسياسات ذاتها، التي اعتمد عليها ستارمر لتأمين القيادة. من المؤكد أن محاولة توني بلير للقيادة لم تتضمن تدمير العراق، لكنه لم يتظاهر بأنه نسخة أكثر دهاء من توني بن أيضا. ويقول المدافعون عن ستارمر: "لقد تغيرت الظروف". من الغريب إذن، وفقا لمارغريت هودج، أن أحد حلفاء ستارمر دفعها للاعتقاد خلال انتخابات القيادة بأنه كان "يكذب" من أجل الحصول على الوظيفة. ومن الغريب أيضا أن ستارمر، خلال تلك الحملة نفسها، أخبر أندرو نيل أن تأميم المرافق سيظهر في بيان حزب العمال، لكنه قال بعد 18 شهرا: "لم ألتزم أبدا بالتأميم".
آه، ترف كاتب عمود في صحيفة الغارديان، يكون الرد المتوقع، حيث يطالب الفئات الأكثر ضعفا بدفع ثمن مبادئه النبيلة. ومع ذلك، ضع في اعتبارك أن إنهاء سقف إعانة الطفلين من شأنه أن ينتشل 250 ألف طفل من الفقر، ويقلل من آثار الفقر على 850 ألف آخرين، لكن ستارمر أيد الإبقاء عليه على أي حال. لماذا؟ ليبدو صارما، على الأرجح. على من؟ على أطفال فقراء، مثل أولئك الذين نشأت معهم في ستوكبورت؟ وهذا هو نفس حزب العمال الذي استبعد إعادة تحديد سقف لمكافآت المصرفيين، أو فرض ضريبة على الثروة. والتزم حزب العمال نفسه بالقواعد المالية لحزب المحافظين، التي حبست البلاد في سياسات التقشف الكئيبة، التي أدت إلى انهيار الخدمات العامة وانخفاض غير مسبوق في مستويات المعيشة. وهو نفس حزب العمال الذي أبطل سياسته الرئيسية المميزة، وهي صندوق الاستثمار الأخضر بقيمة 28 مليار جنيه إسترليني سنويا، ليس لأنه تعرض لضغوط، ولكن لأنه كان يخشى أن يتعرض لضغوط.
يجادل البعض بأن حزب العمال يقوم بعمل كلارك كينت، وسيكشف النقاب عن سوبرمان التقدمي المخفي عند توليه الحكم. ومع ذلك، فإن هذه القواعد المالية تجعل هذا النهج مستحيلا، حتى لو تجاهلت ميل حكومات حزب العمال إلى أن تصبح أكثر يمينية في السلطة.
فالعدوان على غزة، وهو الجريمة الكبرى في عصرنا، يضيف الانحطاط الأخلاقي إلى كومة الكذب والفراغ. وعندما أعلن ستارمر أن لإسرائيل الحق في قطع الطاقة والمياه عن المدنيين الفلسطينيين، فقد فعل ذلك كمحامي حقوق الإنسان يفهم اتفاقيات جنيف. وبعد أن سمح لوزراء حكومة الظل بالدفاع عنه، ادعى أنه "لم يكن من وجهة نظري قط أن لإسرائيل الحق في قطع المياه والغذاء والوقود والأدوية". لدينا جميعا خطوط حمراء سياسية: خطي هو دعم ما يمكن أن يرقى إلى مستوى جرائم حرب ضد المدنيين الأبرياء، ومن بينهم الأطفال الصغار والرضع، ثم تشكيك الجمهور بشأن القيام بذلك.
قد تتساءل: أين هو امتناني لستارمر الذي حقق نصرا ساحقا لا مفر منه الآن؟ حسنا، إنه لم يجبر بوريس جونسون ورفاقه على انتهاك قواعدهم الخاصة بالوباء، أو تدمير هيئة الخدمات الصحية الوطنية، أو الإشراف على أسوأ تراجع في مستويات المعيشة في التاريخ. كما أنه لم يوصل ليز تروس إلى السلطة، التي تسببت تجربتها الاقتصادية المضطربة في انهيار الاقتصاد، وهي اللحظة التي انقلب فيها الناخبون على حزب المحافظين هذا إلى الأبد.
إن القوة المطلقة التي سيمنحها الفوز الساحق لحزب العمال، يجب أن تخيفك. فعندما استخدم حلفاء ستارمر استعارات معادية للسامية، حيث قال أحدهم مازحا عن "التهافت على الشيكل الفضي"، عندما فشل اثنان من رجال الأعمال اليهود في الحصول على مناصب في مجلس اللوردات، ووصف آخر متبرعا يهوديا من حزب المحافظين بأنه "سيد الدمية"، اعتُبر الاعتذار كافيا. وعندما قام شخص آخر بالاعتداء العنصري على صحفي، وتم تأييد شكوى التحرش الجنسي، تمت إعادته إلى منصبه بعد التحقيق.
قارن هذا مع ديان أبوت، أول نائبة بريطانية سوداء في البرلمان، التي تم إيقافها عن العمل بعد أن اعتذرت على الفور عن رسالة في مجلة الأوبزيرفر قالت فيها؛ إن الإيرلنديين واليهود والغجر لا يتعرضون للعنصرية "طوال حياتهم". تُركت لا تعرف مصيرها على مدى عشرة أشهر، ولا تزال بينما يحقق الحزب في الأمر، فقط لكي يستخدم حزب العمال الإساءات العنصرية الموجهة، إليها من قبل أحد المانحين من حزب المحافظين للحصول على رأس مال سياسي، في حين لا يزال يرفض إعادتها إلى منصبها.
زميلة يسارية أخرى، كيت أوسامور مرة أخرى، نائبة سوداء في البرلمان، تم إيقافها عن العمل بسبب وصفها الهجوم على غزة بأنه إبادة جماعية في اليوم الذي قدمت فيه محكمة العدل الدولية إسرائيل للمحاكمة، بتهمة الإبادة الجماعية المزعومة. يبدو إذن أن الحكم على المسائل المتعلقة بالعنصرية يتم على أساس ما إذا كان لها استخدام طائفي، وهي علامة أكيدة على الإفلاس الأخلاقي. أسلوب القيادة هذا فظ وهي في المعارضة. بأغلبية ساحقة، سيكون الأمر تقشعر له الأبدان.
ولهذا السبب، أعتقد أن أولئك الذين يؤمنون بالتغيير الحقيقي من نموذج المحافظين المفلس، يجب أن يصوتوا لصالح المرشحين الخضر أو المستقلين. وهناك مبادرة جديدة ــ نحن نستحق الأفضل ــ تعمل على جمع الأموال لدعم هؤلاء المرشحين، ويتم الحكم عليهم على أساس ما إذا كانوا يؤمنون، على سبيل المثال، بفرض الضرائب على الأثرياء من أجل الاستثمار، أو الملكية العامة، أو معارضة جرائم الحرب، حتى لو اختلفوا حول هذا أو ذاك. إن أولئك الذين يسعون إلى سياسات تحويلية أصبحوا الآن منقسمين، ولكن لا ينبغي لهم أن يكونوا كذلك. إن الفرضية التي تقوم عليها هذه المبادرة الجديدة بسيطة: إذا لم يتحد اليسار، فإن الضغط الوحيد على حزب العمال سيأتي من اليمين الذي يهاجم المهاجرين ويعبد الأغنياء.
إن فرصة المحافظين للفوز ضئيلة للغاية. ما يهم الآن، هو ما إذا كان أي شخص يريد إعادة توزيع الثروة والسلطة محروما من الصوت في إدارة ستارمر. وهذا بالتأكيد هو طموح مساعديه. وعندما تتسرب خيبة الأمل الحتمية من حكومة متجذرة في الخداع، وتفتقر إلى أي حلول لمشاكل بريطانيا، فإن اليمين المتطرف هو الذي سيستفيد.
لذا ودعني، بل وقل "بئس المصير"، ولكن قبل أن تفعل ذلك، اسأل نفسك: ما الذي تعتقد أنه سيحدث بعد ذلك؟