نشرت مجلة "
فورين بوليسي"، مقالا للزميل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية والأستاذ بجامعة جورجتاون، دانييل بايمان، قال فيه إنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل وحماس وصمد، فإن الحياة الطبيعية لن تعود إلى
غزة في أي وقت قريب.
وأضاف في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنه "بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون هناك، فإن الخطر الأكبر الذي يواجهونه على المدى الطويل قد لا يكون
حماس أو إسرائيل، بل قد يكون الافتقار إلى أي حكومة. وقد تنضم غزة ما بعد الحرب إلى صفوف ليبيا والصومال واليمن وغيرها من الدول التي تعاني من صراع منخفض المستوى.. وأزمات إنسانية تلو الأخرى. وتميل مثل هذه الدول إلى إنتاج موجات من اللاجئين اليائسين ويمكن أن تؤدي إلى المزيد من العنف".
وذكر الكاتب أنه "في تاريخ غزة الحديث، حكمت أنظمة مختلفة في القطاع، ونادرا ما فعلت ذلك لصالح سكانه. بعد انتهاء الوجود الاستعماري البريطاني في عام 1948 ونشوء إسرائيل تقدمت القوات المصرية إلى غزة كجزء من هجومها على إسرائيل، وحافظت على سيطرتها على المنطقة في اتفاقية الهدنة لعام 1949 بين مصر وإسرائيل. وفي السنوات التالية، سعت مصر إلى قمع واستغلال النشاط
الفلسطيني والإسلام السياسي. وكانت الغارات الفلسطينية عبر الحدود أداة ضد إسرائيل، لكن كان يمكنها أن تخلق دوامة تصعيدية. وفي خمسينيات القرن الماضي، ساهمت الغارات المتكررة عبر الحدود في اتخاذ إسرائيل القرار بخوض الحرب ضد مصر في عام 1956".
ولفت إلى أنه "عندما استولت إسرائيل على السلطة بعد غزو غزة عام 1967، فإنها كانت تخشى أيضا النشاط الفلسطيني، رغم أنها كانت أكثر تساهلا من مصر في السماح للإسلام السياسي بالتطور. وفي ظل الحكم الإسرائيلي، تحسن اقتصاد غزة، ولكن القطاع ظل يخضع لحكم سيئ، حيث أصبحت إسرائيل أقل اهتماما برفاهية الفلسطينيين وأكثر قلقا بشأن دعمهم للقومية الفلسطينية".
تولت السلطة الوطنية الفلسطينية، حكم غزة وأجزاء من الضفة الغربية كجزء من اتفاقيات أوسلو، وتولت السيطرة عليها في عام 1994 تحت قيادة ياسر عرفات. ورغم أن غزة كانت في النهاية تحت الحكم الفلسطيني، إلا أن القادة الفلسطينيين كانوا في المقام الأول من الشتات، وليس من غزة، وركزت السلطة الفلسطينية أكثر على الضفة الغربية. ومرة أخرى، ظلت غزة مهملة، وفقا للتقرير.
وقال الكاتب إن "إسرائيل أعادت احتلال غزة أثناء الانتفاضة الثانية، التي بدأت في عام 2000، ثم انسحبت في عام 2005. ورغم أن الحملة التي شنتها إسرائيل ضد حماس أضعفت قدراتها، إلا أنها فازت بالانتخابات البرلمانية في عام 2006 ثم استولت على السلطة في غزة في عام 2007. وأخيرا، كانت منظمة مقرها غزة تدير غزة. وفي بعض النواحي، تحسنت حياة الفلسطينيين في القطاع، على الرغم من أيديولوجية حماس القمعية. فقد شنت حملة على الجريمة، وسحقت أمراء الحرب المحليين، وقدمت الخدمات الصحية والتعليمية، وكانت أقل فسادا من السلطة الفلسطينية".
و"في الوقت نفسه، رفضت إسرائيل وجزء كبير من المجتمع الدولي شرعية حماس. وواصلت الحركة شن هجمات متفرقة على إسرائيل، وفرضت الحكومات الإسرائيلية قيودا شديدة على التنمية الاقتصادية في غزة وشاركت بانتظام في حملات عسكرية مدمرة في القطاع. وحاولت إسرائيل تحقيق التوازن بين ذلك وبين تقديم تنازلات اقتصادية محدودة لغزة، مثل إصدار المزيد من تصاريح العمل وتقديم حقوق أكبر لصيد الأسماك، والسماح بملايين الدولارات من المساعدات القطرية بالذهاب إلى غزة إذا أوقفت حماس الهجمات العسكرية - وهي سياسة اعتقدت إسرائيل أنها ناجحة. حتى بددت هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 هذا الوهم"، بحسب التقرير.
واعتبر الكاتب أنه "مهما كانت المكاسب المحدودة التي حققها الفلسطينيون في غزة في ظل حكم حماس، فقد تحطمت بسبب الرد العسكري الإسرائيلي على الهجمات التي ارتكبتها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وقد أدت الحملة الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 30 ألف فلسطيني وتشريد 1.9 مليون شخص، أي 85% من سكان القطاع. وبحلول أواخر كانون الثاني/ يناير، كان أكثر من نصف المباني في غزة قد تضرر أو دمر بالكامل. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن غزة ستحتاج إلى عقود من الزمن للتعافي بتكلفة عشرات المليارات من الدولارات، وهي أموال قد لا يتم توفيرها أبدا. ويحذر مسؤولو الأمم المتحدة من أن المجاعة والمرض سوف يجتاحان القطاع قريبا".
وقال إن "بعض المساعدات تصل بالفعل، لكن معظمها لا يذهب إلى الأشخاص الأكثر احتياجا. لقد اندمجت حماس مع السكان، وذهب جزء كبير من الإدارة اليومية في غزة، بما في ذلك الشرطة، مع استمرار إسرائيل في استهداف ما تعتبره البنية التحتية لحماس في غزة. وتقوم العصابات الإجرامية الآن بانتظام بسرقة قوافل المساعدات غير المحمية، وتبيع ما تسرقه لسكان غزة اليائسين".
وأضاف أنه "رغم أن وقف إطلاق النار من شأنه أن يخفف بعض المعاناة، إلا أنه لا يحل السؤال السياسي الأكثر أهمية: من سيحكم غزة؟ ومن المفهوم أن إسرائيل لا تريد عودة نظام حماس الذي قتل نحو 1200 من مواطنيها إلى السلطة، وتتعهد بتدمير حماس. ومع ذلك، فإن جميع المتنافسين الآخرين على السلطة ضعفاء، بما في ذلك السلطة الفلسطينية".
وذكر الكاتب أنه "يتعين على أي حكومة غير تابعة لحماس أن تقلق بشأن مجموعتين من الجهات الفاعلة المسلحة. ومن المرجح أن تستمر إسرائيل في عمليات محدودة على الأقل ضد فلول حماس، واغتيال قادتها، ومحاولة منع الجماعة من إعادة توحيد صفوفها. ومن جانبها، قد تهاجم حماس أي حكومة مؤقتة من أجل ضمان تفوقها السياسي، ويصدق هذا بشكل خاص إذا تعاونت تلك الحكومة مع إسرائيل على الصعيد الأمني".
أما بالنسبة لاقتصاد غزة، فحتى المساعدات الضخمة لن تتمكن من استعادة الظروف التي كانت قائمة قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، رغم أنها كانت هشة.
ولفت الكاتب إلى أنه "على الرغم من أن التقارير الأولية التي زعمت أن الفلسطينيين من غزة الذين عملوا في إسرائيل ساعدوا منفذي 7 تشرين الأول/ أكتوبر تبدو خاطئة، إلا أن الشكوك تجاه الفلسطينيين بين الإسرائيليين ستظل مرتفعة. وقد اتهمت إسرائيل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) - التي قدمت لعقود من الزمن التعليم والرعاية الصحية والغذاء وغيرها من الخدمات في غزة - بالاختراق من قبل حماس. وعلى نطاق أوسع، أدت هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر إلى تشويه نهج العصا والجزرة الذي تتبعه إسرائيل والذي يتمثل في تقديم تنازلات اقتصادية محدودة مدعومة بالتهديد باستخدام القوة لتشجيع حماس على الاعتدال. سوف يشهد المستقبل القليل من الجزر والمزيد من العصي".
وعلى الرغم من أن المساعدات الخارجية ضرورية للبقاء اليومي في غزة، إلا أنها تأتي أيضا بمخاطرها طويلة المدى بالنسبة لأي حكومة في القطاع. فالمساعدات المقدمة من الخارج قد تخلف تأثيرا مفسدا، ما يجعل أي حكومة أقل عرضة للمساءلة أمام شعبها، ولن يكون لدى الفلسطينيين العاديين في غزة أي وسيلة لمنع المسؤولين من اختلاس المساعدات وإساءة استخدام سلطتهم.
ويفرض هذا المزيج من الفوضى والحرمان والصراع مخاطر طويلة الأمد، ليس فقط على الفلسطينيين، بل وأيضا على إسرائيل وبقية دول المنطقة. وسوف يحاول العديد من سكان غزة المغادرة إذا استطاعوا، مع كون مصر المجاورة هي الوجهة الأكثر ترجيحا، إذا سمحت القاهرة بذلك. وتشكل هذه الظروف أيضا مغذيات طبيعية للجماعات العنيفة، التي تستطيع بسهولة تجنيد الشباب الذين يحتاجون إلى الراتب ويشعرون بالمرارة تجاه إسرائيل والمجتمع الدولي بسبب الدور الذي يلعبونه في الظروف اليائسة التي تعيشها غزة، بحسب التقرير.
وقال الكاتب إن "نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس لن تكون إلا بمثابة نهاية فصل في كتاب معاناة الفلسطينيين: الفصل التالي قد يكون عن فترة ما بعد الحرب الفوضوية. في كثير من الأحيان، تركز السياسة الأمريكية والدولية في المنطقة على وقف إطلاق النار أو بدء المفاوضات، وليس على تخفيف معاناة الناس العاديين بشكل كافٍ".
وأضاف أنه "من أجل الحد من خطر فشل الدولة على المدى الطويل، فإنه يتعين على الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي وغيرهم من الأطراف التي تأمل في التوصل إلى حل للصراع أن تركز على من سيحكم غزة وكيف سيتم فرض حكم ذلك الكيان على المدى الطويل".