ختمت مقال الأسبوع الماضي في "القدس العربي" تحت عنوان "أمريكا تخسر معركة كسب عقول وقلوب العرب"، مؤكدا أنه لم يعد كافيا ومقنعا لتحسين صورة ومكانة الولايات المتحدة، وخفض حجم الغضب والاستياء العربي ـ الإسلامي من
بايدن وإدارته معا، تأكيد أهمية حل الدولتين، الذي بقي وعلى ما يبدو سيبقى شعارا وسرابا، -خاصة بعد نتيجة تصويت الكنيست بقيادة اليمين المتطرف في حكومة
نتنياهو، على رفض قيام دولة فلسطينية بشكل أحادي بأغلبية ساحقة 99 صوتا من 120-، الأسبوع الماضي.
بالإضافة لتصريحات وزراء اليمين الديني المتطرف الرافضة بشكل مطلق لوقف الحرب على
غزة وقيام دولة فلسطينية، ما يتعارض مع رؤية بايدن وقيادات إدارته الذين يكررون هدفهم النهائي قيام دولة فلسطينية، وهو ما يؤكده الرئيس ووزير خارجيته ونائبته كاميلا هارس في مؤتمر ميونيخ للأمن الأخير، بعد عملية طوفان الأقصى، وتأكيدهم أن لا سلام دائم دون قيام دولة فلسطينية.
وحتى الطلب والتلويح بالاعتراف بعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، وعدم استخدام إدارة بايدن حق النقض الفيتو كورقة ضغط ومقايضة بوجه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة!!
في المقابل، يبقى التشدد الصهيوني برفض دولة قيام دولة فلسطينية، لإفشال وإحراج رؤية بايدن وإدارته. وهذا يؤكد ما أكرره باستمرار عن سراب ووهم حل الدولتين.
لم نسمع انتقادات من بايدن وأركان إدارته بعد تصويت الكنيست الإسرائيلي برفض قيام دولة فلسطينية!
واللافت، لم نسمع انتقادات من بايدن وأركان إدارته بعد تصويت الكنيست الإسرائيلي برفض قيام دولة فلسطينية، وتسابق وزراء اليمين الصهيوني بإطلاق تصريحات مستفزة ورافضه لحل الصراع!
إضافة لتطرف رؤية نتنياهو لليوم التالي، بعد هزيمة حماس، لمستقبل إدارة قطاع غزة ـ في حال نجح بهزيمة حماس وهذا مستحيل ـ، بتحييد غزة ونزع سلاح حماس والفصائل الفلسطينية وإدارتها بحكم ذاتي من موالين لإسرائيل، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية، في صفعة لواشنطن وللسلطة الفلسطينية وللجانب العربي حسب مبادرة السلام العربية.
كان لافتا موقف بلينكن بإعلانه إنهاء سياسة إدارة ترامب إلغاء صفة المستوطنات غير الشرعية! ووصفه قرارات حكومة نتنياهو بتوسيع الاستيطان بتعارضه مع القانون الدولي ويضعف أمن إسرائيل بدلا من تعزيزه، لمخالفة الاستيطان القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن واتفاقية جنيف الرابعة.
في سقوط أخلاقي آخر استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو للمرة الرابعة في مجلس الأمن مستفزة العالم
وفي سقوط أخلاقي آخر، وبرغم تصويت 13 دولة أعضاء من 15 في مجلس الأمن، مؤيدين مشروع قرار الجزائر لوقف فوري إنساني لإطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض الفيتو للمرة الرابعة في مجلس الأمن مستفزة العالم! ما مكّن روسيا والصين لتحاضرا وتنتقدا الموقف الأمريكي المخالف للقيم والقانون الدولي، رغم تجاوزات سلوكهما حقوق الإنسان، لتبدو أكثر إنسانية من إدارة بايدن.
كما لا تعارض إدارة بايدن منع حكومة نتنياهو اجتياح رفح، بشرط توفير ملاذ آمن للفلسطينيين المكدسين في رفح، بدلا من رفض استمرار حرب الإبادة، ما يجعلها شريكا كاملا بحرب الإبادة والمجاعة.
والصادم، استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو للمرة الرابعة، برغم حمامات المجازر وبرغم إبادة 30.000 و10.000 تحت الأنقاض 70.000 مصاب و2 مليون نازح ولاجئ يتضورون جوعا، واستخدام إسرائيل التجويع أداة في الحرب يرقى لجريمة حرب!! برر البيت الأبيض "الوقت غير مناسب" لوقف إطلاق النار في غزة!!
وكانت الولايات المتحدة طعنت ورفضت بجدوى تقديم جنوب أفريقيا شكوى ومرافعة تاريخية، متهمة إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة في حربها المستمرة على غزة، وذلك بتصريحات رسمية وانتقادات وتسخيف، والتقليل من جدوى الدعوى على لسان جون كيربي منسق الاتصالات في مجلس الأمن الوطني!!
في المقابل، كانت مرافعات الدول الأخرى وفريق دولة الكويت القانوني في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وخاصة السفير علي الظفيري، الذي ظهر متأثرا وهو يجفف دموعه من البكاء وبصوت متقطع، شارحا ومنتقدا خروقات وتجاوزات
الاحتلال الإسرائيلي.
بينما طالب ممثل الولايات المتحدة عدم إصدار حكم يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة: لأن إسرائيل تواجه مطالب أمنية حقيقي. في المقابل، يجب إقامة دولة فلسطينية تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل يؤدي للتوصل لسلام دائم في المنطقة!! مكررا الموقف الأمريكي للإدارات الأمريكية الذي يبقى شعارا!! لكنه أغفل الحقيقة المرة، أن الاصطفاف الأمريكي بلا شروط وبلا قيود يشجع إسرائيل وحكوماتها المتطرفة على نسف والقضاء على رؤية إدارة بايدن والإدارات السابقة بحل الدولتين وقيام دولة فلسطينية!!
من الواضح استمرار خسارة أمريكا معركة العقول والقلوب، واصطفافها إلى الجانب الخطأ من التاريخ. وبسبب مواقفها المنحازة، عادت المطالبات بضرورة إصلاح الأمم المتحدة، لتنهي أو تقنن احتكار استخدام حق الفيتو بشكل ظالم، وخاصة في الملفات والأزمات الإنسانية والاحتلال، كما فعلت أمريكا 40 مرة لحماية إسرائيل.
ولم تكتف بذلك، بل وبصورة سريالية مستفزة قدمت أمريكا مشروع قرار وقف إطلاق نار مؤقت عندما تسنح الفرصة.
ثم يكرر الأمريكيون تساؤلهم ببلاهة: لماذا نحن مكروهون في العالم؟
تبقى تصريحات بايدن المنتقدة باستحياء لسياسات نتنياهو، ووصفه قصف الجيش الإسرائيلي "العشوائي" "والحرب "بتجاوز الحدود"، وتسريب للخلافات مع نتنياهو عقيمة ودون جدوى، بالنظر لحجم كارثة ومأساة شعب غزة النازف والنازح، الذي بدأت تفتك به المجاعة والأمراض.
رفض إدارة بايدن ممارسة الواقعية السياسية والضغط لإنهاء بلطجة حرب وتطرف وعدوانية إسرائيل، يكرس الواقع المأساوي، ويفقد واشنطن مصداقيتها، ومعه خسارة دورها القيادي والأخلاقي كوسيط، ومعه خسارتها عقول وقلوب العرب والمسلمين.
القدس العربي