نشرت صحيفة "لوموند" تقريرا، تناول الوضع السياسي في
باكستان بعد الانتخابات الأخيرة وفوز حزب
عمران خان؛ حيث أشار إلى أن الفوز لم يضمن للحزب القدرة على تشكيل الحكومة بمفرده، وقدم توقعات لمسار الأحداث السياسية المحتملة في ضوء هذه الظروف، بما في ذلك احتمالات تشكيل حكومة ائتلافية أو إجراء انتخابات مبكرة.
وقالت الصحيفة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إن نتائج الانتخابات تأخرت أكثر من أربع وعشرين ساعة، مما أثار شبهات التزوير، واحتل حزب عمران خان، حركة الإنصاف الباكستانية، المركز الأول في الانتخابات التشريعية التي جرت في 8 شباط/فبراير، بفارق عشرين مقعدا عن أقرب منافسيه، في تحدّ لجميع التوقعات، رغم الجهود المشتركة التي يبذلها الجيش وخصومه لإسقاط أهليته، وتعكس هذه النتيجة غير المتوقعة، التي تم الاستهانة بها بلا شك، الشعبية الهائلة التي يتمتع بها رئيس الوزراء السابق، الممنوع من المنافسة، والمسجون منذ 5 آب/أغسطس 2023 في سجن أديالا، لكن جزءا كبيرا من السكان يعشقونه، ولا سيما الشباب، الذين يمثلون ما يقرب من نصف الناخبين.
وفي الأشهر الأخيرة، ظلت حركة إنصاف الباكستانية وزعيمها في موقف قتالي، مستخدمين قوة شبكات التواصل الاجتماعي للتحايل على الرقابة والعقبات، وتمكن الحزب من تقديم مرشحين في جميع الدوائر الانتخابية، وبث فريقه صباح السبت مقطع فيديو تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي يحيي فيه عمران خان انتصار أنصاره.
وأشارت الصحيفة إلى أن المناورات القضائية والشرطية ضد بطل العالم السابق في لعبة الكريكيت أدت إلى نتائج عكسية، واصطف الناخبون في مراكز الاقتراع، رغم مناخ الخوف الذي أججته عدة هجمات وقعت في اليوم السابق للانتخابات، وفي يوم الانتخابات، أوقفت السلطات خدمة الهاتف المحمول، ومنعت المواطنين من تحديد مواقع مراكز الاقتراع الخاصة بهم.
إن النصر الانتخابي الذي حققه حزب حركة الإنصاف الباكستانية لا يعني العودة إلى السلطة؛ لأن الحزب الفائز لا بد وأن يجد حلفاء حتى يحكم، والحركة ليس لديها أي حلفاء، كما أن الحركة الممنوعة من التنافس كحزب اضطرت إلى تقديم مرشحين مستقلين، أي إنها لن يكون لديها القدرة، مثل الأحزاب الأخرى، على الاستفادة من حصص المقاعد المخصصة للأقليات، بما في ذلك 60 مقعدا للنساء.
سمعة سيئة
وأفادت الصحيفة أنه رغم هزيمة نواز شريف على يد عدوه اللدود، فإنه يستعد لولاية رابعة؛ حيث أعلن فوزه حتى قبل انتهاء العد، ولا يزال رئيس الوزراء السابق، الذي عاد مؤخرا بعد خمس سنوات من المنفى في لندن، هو المفضل لدى الجيش، ولكن على عكس حركة إنصاف، فقد قام بحشد موارد كبيرة للحملة؛ حيث كان يصل إلى اجتماعاته ويغادرها بطائرة هليكوبتر، لكن حملته كانت خافتة، وفقد أسد البنجاب قوته، ومن الواضح أن الباكستانيين رفضوا مرشح الجيش بسبب سمعته السيئة.
وكان نواز شريف يأمل في حكم البلاد بحزبه وحده، ليتمكن من إطلاق العنان لسيطرته لمدة خمس سنوات، ولكنه سيضطر إلى الدخول في ائتلاف والعديد من التنازلات، مع شريكه الرئيسي، بيلاوال بوتو، نجل بينظير، رئيسة الوزراء السابقة التي اغتيلت في عام 2007، وكلف شقيقه رئيس الوزراء السابق شهباز شريف بالتفاوض مع الأحزاب المختلفة لتشكيل تحالف، ومما لا شك فيه أنه سيحاول أيضا "شراء" مرشحي حزب حركة الإنصاف، من أجل توسيع أغلبيته وإعطاء مظهر كاذب بحكومة وحدة.
وأكدت الصحيفة أن الخاسر الأكبر في الانتخابات هو الجيش وقائده الجنرال عاصم منير بلا شك، الذي سعى في الظل إلى تدمير عمران خان، معتبرا إياه تهديدا كبيرا للمؤسسة العسكرية.
ويتهم رئيس الوزراء السابق كبار الضباط بالتآمر لإسقاطه في نيسان/أبريل 2022، من خلال التصويت على اقتراح بحجب الثقة عن البرلمان، ثم محاولة اغتياله، بينما لم يعد بإمكان الشباب الذين صوتوا بكثافة لصالح عمران خان، تحمل أغلال الجيش وثقل السلالتين الحاكمتين لعقود من الزمن، شريف وبوتو، لقد أصبحت الفجوة واسعة بين النخب والشباب.
وبحسب تصريح هاتفي لنواز شريف يوم الجمعة، فإنه لا يملك أغلبية كافية لتشكيل حكومة دون دعم الأحزاب الأخرى، داعيا حلفاءه للانضمام إلى التحالف حتى يتمكنوا من توحيد الجهود لإخراج باكستان من مشاكلها.
النصر المُصادَر
وأوضحت الصحيفة أن باكستان على حافة الهاوية، وتحتاج إلى حكومة مستقرة وشرعية لاتخاذ تدابير التعافي الضرورية والمؤلمة في مواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة.
ويتعين على الحكومة إجراء إصلاحين عاجلين طلبهما صندوق النقد الدولي من أجل الهروب من دائرة الديون الجهنمية، إصلاح ضريبي لحل مشكلة عدم تحصيل الضرائب التي تؤدي إلى استنزاف خزائن الدولة، واتساع العجز في قطاعات بأكملها مثل الزراعة والعقارات، وإصلاح سعر الطاقة؛ حيث تشتري الدولة بالدولار وتعيد البيع بالروبية، مع تعويض الدعم عن ارتفاع تكلفة الكهرباء والغاز. ومن الصعب فرض هذه التدابير في بلد يعاني فيه المواطنون والشركات من الفقر؛ بسبب عبء التضخم والبطالة والنمو البطيء الذي لا يتجاوز 2 بالمائة.
وأضافت الصحيفة أنه سيكون على رئيس الوزراء المستقبلي أيضا تأمين البلاد؛ التي أصبحت هدفا للهجمات شبه اليومية التي يشنها المتمردون البلوش، والجماعات الإسلامية، وحركة طالبان باكستان، وتنظيم الدولة الإسلامية في خيبر بختونخوا وبلوشستان.
ولكن القدر الأعظم من عدم اليقين، يكمن في موقف الناخبين الذين صوتوا لصالح بطلهم، والذين لا بد وأن يتذوقوا مرة أخرى رائحة النصر المصادَر. وذكرت صحيفة "دون" اليومية المستقلة في افتتاحيتها يوم السبت، أنه من الواضح الآن أن هناك غضبا كبيرا ضد تدخل المؤسسة العسكرية العلني والمستمر في الشؤون المدنية.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)