نشرت صحيفة ''
فاينانشال تايمز'' البريطانية مقالا تحدثت فيه عن الانتخابات العامة في
باكستان بعد انقلاب الجيش على
عمران خان والزج به في السجن وعودة نواز شريف من المنفى.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن الملصقات الملونة للمرشحين ورموز أحزابهم تنتشر في الأزقة والطرقات في مختلف أنحاء باكستان، في مشهد كرنفالي للانتخابات العامة في بلد يبلغ تعداد سكانه 240 مليون نسمة.
مع ذلك، فإنه يمكن القول إن أكثر الرموز شهرة على الإطلاق هو مضرب الكريكيت، الذي يمثل حزب عمران خان - اللاعب الفائز بكأس العالم الذي أصبح رئيسا للوزراء وأكثر قادة باكستان شعبية. ويراقب هذا الرجل البالغ من العمر 71 عامً الانتخابات من زنزانته في السجن، وهو ممنوع من المنافسة. وفي الأسبوع الماضي، صدرت بحقه ثلاثة أحكام بتهم الفساد وتسريب أسرار الدولة والزواج غير الشرعي، ما قد يؤدي إلى سجنه لأكثر من 10 سنوات.
يقول المرشحون المؤيدون لحزبه إنهم غير قادرين على القيام بحملة انتخابية علنية، وبدلاً من ذلك يعقدون اجتماعات سرية على أمل الحصول على نتيجة صادمة. واستفاد خان في السابق من الرعاية العسكرية، ولكن بعد خلافه مع الجيش أصبح أحد أكبر التحديات لسلطة الجيش منذ نهاية الديكتاتورية في سنة 2008، وحشد الآلاف من المؤيّدين المتحمّسين في جميع أنحاء باكستان في محاولة عالية المخاطر للوصول إلى السلطة.
والآن بعد أن أصبح في السجن، فإن من المقرر أن تؤدي الانتخابات إلى إعادة باكستان المسلحة نووياً إلى وضع قائم على حكم مدني-عسكري "مختلط". لهذا، يعتمد الجيش على أحزاب مثل الرابطة الإسلامية الباكستانية بزعامة نواز شريف الذي تولى رئاسة الوزراء ثلاث مرات، أو حزب الشعب الباكستاني الذي يرأسه بيلاوال بوتو زرداري نجل الزعيمة السابقة بناظير بوتو.
وأشارت الصحيفة إلى أن محاولة سحق خان الفريد من نوعه أثارت غضب الشباب والطبقات الوسطى والنخب التي اجتاحتها خطاباته، ما جعل العديد من المؤيدين يشعرون بأن الانتخابات ترقى إلى استيلاء عسكري مقنع.
وتشير البيانات الصادرة عن مؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي في باكستان إلى أن خان ظل حتى الشهر الماضي أكثر السياسيين الباكستانيين شعبية بنسبة تأييد بلغت 57 بالمئة. وقد نفى الجيش تدخله، وتعهدت حكومة تصريف الأعمال بإجراء انتخابات حرة ونزيهة. ولكن هذا الوقت حساس للغاية بالنسبة لعدم الاستقرار السياسي. كما أن الاقتصاد الباكستاني يعاني من أزمة، إذ بلغ معدل التضخم 30 في المائة في كانون الأول/ ديسمبر، وبالكاد تجنبت البلاد التخلف عن السداد في حزيران/ يونيو بفضل خطّة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بقيمة ثلاثة مليارات دولار أمريكي.
كما أن المكائد التي تسبق الانتخابات تهدد بخطر زعزعة مصداقية الحكومة المقبلة، ما يجعلها دون تفويض شعبي حقيقي في وقت يتعين عليها فيه تأمين اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي لتجنب التخلف عن سداد ديونها. كما أنها تهدد بزعزعة الثقة في الجيش، في الوقت الذي تكافح فيه باكستان تصاعد أعمال العنف التي يقوم بها المتشددون.
ونقلت الصحيفة عن مليحة لودهي، سفيرة باكستان السابقة لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، قولها: "إذا كانت الانتخابات تفتقد إلى النزاهة، فإن ذلك سوف يقوض شرعية هذه العملية ويدخل باكستان في حالة من عدم الاستقرار وحتى إلى اضطرابات".
ووفقا للصحيفة، فإن الانتخابات تمثل أيضا اختبارا لمدى فعالية "الحرب القانونية" أو ما إذا كانت هذه الحرب تجعل أهدافها أقوى. وتتأرجح باكستان منذ انفصالها عن الهند الخاضعة للحكم البريطاني في سنة 1947، بين الحكم العسكري وما يسمى بالنظام الهجين. ويجادل مؤيدو هذا النظام بأن الجيش حافظ على تماسك البلاد وسط سياسات مضطربة واقتصاد ضعيف وتهديدات من حركات التمرد وخصمها التاريخي، الهند.
ونقلت الصحيفة عن إليزابيث ثريلكيلد، وهي مسؤولة أمريكية سابقة في باكستان وزميلة بارزة في مركز ستيمسون للأبحاث، أن "الجيش لديه عقدة المنقذ. فهو يرى نفسه المؤسسة الأكثر كفاءة في باكستان، وأن السياسيين المدنيين فاسدون وكسالى. وكلما ازداد الوضع سوءًا، أصبحوا أكثر علانية".
وعلى الرغم من أن باكستان كانت شريكا رئيسيا لحلف الناتو خلال الحرب في أفغانستان، إلا أن عناصر داخل الأجهزة الأمنية قاموا برعاية المتشددين الإسلاميين، الذين أطلق بعضهم العنان للعنف المتطرف على الشعب الباكستاني نفسه.
وأوردت الصحيفة أن الجيش دائما ما يختار الفائزين في الانتخابات، بما في ذلك مرشّحه الحالي. كان خان، الذي أسس حزبه في سنة 1996، لاعبًا سياسيًا هامشيًا إلى أن بدأت رسالته ذات الطابع الديني والمناهضة للفساد في كسب تأييد الباكستانيين. وبعد أن ارتبط اسم رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف في تسريبات أوراق بنما سنة 2016 بثروة غير محسوبة في الخارج وسُجن ومُنع مدى الحياة من تولي منصبه، فقد صعد خان إلى رئاسة الوزراء في سنة 2018 في عملية يعتقد المحللون أن الجيش ساعده فيها.
لكن خان أيضًا لم يعد محبوبًا في نهاية المطاف، حيث تصادم مع الجيش بشأن التعيينات العسكرية وكافح من أجل إدارة الاقتصاد الباكستاني الذي يشهد ازدهارًا وكسادًا. وقد تمت إقالته من خلال تصويت بحجب الثقة في سنة 2022 واستخلافه بائتلاف من حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية، وبمجرد وصوله للمعارضة فإن خان انقلب على الجنرالات في تجمعات حاشدة، بل وورط أحد الضباط في محاولة فاشلة لاغتياله في وقت سابق من تلك السنة. وبعد أن قامت الحشود المؤيدة لحزب العمال الباكستاني بتخريب بعض المنشآت العسكرية في أيار/ مايو، فإن صبر الجيش نفد. وفي غضون أشهر كان خان في السجن بتهم الفساد، واعتُقل الآلاف من مؤيديه، وانسحب كبار قادة حزب العمال الباكستاني من الحزب بشكل جماعي، بحسب الصحيفة.
وذكر المقال أنه مع وجود خان في السجن، فإن الجيش شرع في تعزيز سيطرته. وفي حزيران/ يونيو، عيّنت الحكومة قائد الجيش منير في مجلس جديد لتشجيع الاستثمار، وهو دور لا يتولاه عادةً ضابط عسكري. وفي زيارة للولايات المتحدة في كانون الأول/ ديسمبر، لم يلتق منير بنظرائه في وزارة الدفاع فحسب، بل التقى أيضًا بوزير الخارجية أنتوني بلينكن في إشارة إلى المكان الذي تعتقد واشنطن أن القوة الحقيقية في باكستان تكمن فيه. فالجيش لديه مصالح مالية كبيرة خاصة به، حيث وصف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سنة 2021 شبكات الشركات العقارية بأنها "أكبر تكتل للكيانات التجارية في باكستان".
بحسب فاروق حميد خان، وهو عميد سابق في الجيش الباكستاني فإن "الجيش الباكستاني يريد الاستقرار حتى تتمكن باكستان من التركيز على إحياء الاقتصاد". ومن جهة أخرى، قال مسؤول حكومي سابق بصراحة: "الجيش قلق للغاية بشأن الاقتصاد''.
ويبدو أيضا أن الجيش اختار مرشحًا مفضلًا قبل انتخابات الخميس. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، عاد نواز شريف إلى باكستان بعد أربع سنوات من المنفى الاختياري. وقد سمحت سلسلة من الأحكام القضائية بما في ذلك قرار المحكمة العليا بإلغاء الحظر المفروض على تولي منصب رئاسة الوزراء لنواز شريف بالترشح مرة أخرى، في ما وصفه المحللون بأنه "صفقة من وراء الكواليس". وقد طرح شريف، الذي شغل منصب رئيس الوزراء لأول مرة في التسعينيات، نفسه كمخضرم مؤهل للتعامل مع التحديات الاقتصادية في البلاد.
وأشارت الصحيفة إلى أن استطلاعات الرأي تتوقع أن يفوز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات بفضل وجوده في إقليم البنجاب، الذي يعتبر أكبر أقاليم باكستان من حيث عدد السكان، بينما يهيمن حزب الشعب الباكستاني على إقليم السند الأصغر. وفي الوقت نفسه، قامت مؤسسات مثل لجنة الانتخابات باتخاذ إجراءات صارمة ضد حزب العمال الكردستاني الإيراني، بما في ذلك منعه من استخدام رمزه الانتخابي.
ونقلت الصحيفة عن حسن عسكري ريزفي، مؤلف العديد من الكتب عن الجيش، أن "لجنة الانتخابات وحكومة تصريف الأعمال، بدعم من الجيش، تصعّب علانية على أي متعاطف مع حزب العمال الباكستاني إجراء حملته الانتخابية. ويكمن الخطر الأكبر من هذه التطورات في أن يُنظر إلى هذه الانتخابات على أنها أكثر الانتخابات غير العادلة في تاريخ باكستان".
من جهتها، أعربت هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع عن انزعاجها مما وصفته بـ "نمط من المضايقات" ضد الحزب.
وبحسب الصحيفة، أيا كان الفائز في الانتخابات فإنه سيواجه تحديات هائلة ذات انعكاسات عالمية محتملة. ومع اقتراب موعد انتهاء حزمة صندوق النقد الدولي في نيسان/ أبريل، يرى المحللون أن السلطات ستحتاج إلى العودة له مجددا للحصول على دعم فوري إن أرادت تجنب تخلف آخر عن السداد قد يصبح أحد أكبر الأعباء على هيكل إعادة تنظيم الديون العالمية منذ جائحة كوفيد-19. وتبلغ ديون باكستان الخارجية حوالي 100 مليار دولار أمريكي، وهي ديون تفوق ديون زامبيا وسريلانكا وغانا مجتمعة، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.
وأوضحت الصحيفة أن ذلك من المرجح أن يعني الموافقة على تدابير تقشفية مثل زيادة الضرائب والخصخصة لتعزيز الإيرادات الحكومية المنخفضة بشكل مزمن، وهي خيارات لا تحظى بشعبية وتتطلب تفويضًا انتخابيًا قويًا. ولم تنفذ باكستان سوى عدد قليل من حوالي عشرين برنامجًا من برامج صندوق النقد الدولي منذ خمسينيات القرن الماضي. ويرى المنتقدون أن الأحزاب التي من المرجح أن تقود الحكومة المقبلة غير مهيأة لهذه المهمة.
وذكرت الصحيفة أنه يجب على البلاد أن تتصدى لعودة ظهور العنف المتطرف، مع زيادة مقلقة في التشدد الإسلامي الممتد من أفغانستان التي تحكمها حركة طالبان. فقد قُتل أكثر من 1500 شخص في هجمات إرهابية في باكستان السنة الماضية، وذلك وفقًا لبوابة الإرهاب في جنوب آسيا، بزيادة قدرها 50 بالمائة عن سنة 2021. وبالنظر إلى هذه المخاطر، فقد لا يرغب الجيش في المخاطرة باحتمال حدوث اضطرابات مدنية من خلال الاستمرار في قمع حزب العمال الباكستاني. وقد يؤدي الظلم المفترض لسجن خان إلى تأجيج المزيد من الدعم العاطفي. وإذا استمر الزخم وراء خان، فقد تكون مسألة وقت قبل أن يضطر الجيش إلى عقد صفقة معه.