نشرت مجلة "
ناشيونال إنترست" الأمريكية، تقريرا تحدثت فيه عن التحديات المحتملة التي قد يواجهها الرئيس الأمريكي جو
بايدن في ظل النمو
الاقتصادي الحالي الذي ينذر بأزمة مصرفية.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه كانت هناك بعض الأخبار الجيدة وبعض الأخبار السيئة هذا الأسبوع حول الاقتصاد الأمريكي. والخبر السار أن الاقتصاد يواصل خلق فرص العمل بوتيرة مرضية للغاية دون إعاقة جهود خفض التضخم. أما الخبر السيئ فهو أن التوتّرات بدأت تظهر بشكل واضح في النظام المالي نتيجة للمشاكل الخطيرة التي يعاني منها قطاع العقارات التجارية. وتهدد هذه الضغوط حاليا بتقويض التعافي الاقتصادي قبل نهاية السنة.
من بين الخصائص الأكثر إثارة للدهشة في الاقتصاد الأمريكي اليوم محاولات خلق مواطن شغل مستمرة بوتيرة قوية تبلغ حوالي 300 ألف وظيفة شهريًا. ويحدث هذا دون منع التضخم من مواصلة الانخفاض الذي يستهدفه بنك الاحتياطي الفيدرالي بنسبة اثنين بالمئة. كما أن الحفاظ على معدّل بطالة منخفض في فترة ما بعد الحرب لا يؤدي إلى تسارع غير مبرر في تضخم الأجور. وهذا يتناقض بشكل ملحوظ مع ما توقّعه معظم الخبراء الاقتصاديين، وفقا للتقرير.
ذكرت المجلة أن الإجماع في بداية السنة الماضية كان أن الاقتصاد يجب أن يدخل في حالة من الركود حتى ينخفض التضخم. والآن بعد أن أصبح من الواضح أن هذا لم يحدث، فقد بدأ الخبراء الاقتصاديون بالانخراط في قدر كبير من البحث عن موطن الخلل في نماذجهم الاقتصادية.
في مقابل الأخبار الجيدة لسوق العمل، أصدر بنك مجتمع نيويورك (وهو بنك إقليمي بقيمة 100 مليار دولار) و"أوزورا" (وهو بنك ياباني يتعامل بشكل كبير مع القروض العقارية التجارية الأمريكية) و"جوليوس باير" (وهو بنك سويسري), هذا الأسبوع تقارير أرباح كئيبة. ومن المشؤوم أنهم فعلوا ذلك بسبب مشاكل خطيرة في القروض العقارية التجارية.
وبحسب المجلة، فإن ذلك أدى إلى زيادة فرص حدوث جولة أخرى من أزمة البنوك الإقليمية التي يمكن أن تعرقل الانتعاش الاقتصادي. ويَصدُق هذا بشكل خاص إذا اضطر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعةً خوفًا من أن تؤدي سوق العمل القوية للغاية إلى عكس بعض التقدم المثير للإعجاب في خفض التضخم حتى الآن، على الأقل جزئيا.
في شهر آذار/ مارس من السنة الماضية، اهتزت الأسواق بسبب إفلاس بنك وادي السليكون وبنك "فيرست ريبابليك". وكانت تلك الإخفاقات ثاني وثالث أكبر حالات فشل للبنوك الأمريكية على الإطلاق. وقد تطلب الأمر تدخلاً واسع النطاق من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي لمنع مشاكل البنوك الإقليمية من التحول إلى أزمة مصرفية قطاعية.
وأوضحت المجلة أن العامل الرئيسي الذي أدى إلى هذه الإخفاقات هو الخسائر الضخمة التي سجلتها البنوك على محافظ سنداتها نتيجة للارتفاع الذي أحدثه بنك الاحتياطي الفيدرالي في أسعار الفائدة طويلة الأجل. وتشير التقديرات إلى أن الخسائر المرتبطة بالسندات من حيث سعر السوق بالنسبة للنظام المصرفي ككل تبلغ حوالي 600 مليار دولار.
وذكرت أنه بالإضافة إلى استمرار معاناتها من الأضرار التي تفرضها أسعار الفائدة المرتفعة على محافظ سنداتها، فإن البنوك تتعرض لضربة شديدة بسبب تدهور القروض العقارية التجارية. وتتدهور هذه القروض بسبب ارتفاع معدلات الشغور في المكاتب حيث سمح أرباب العمل لجزء كبير من القوى العاملة بالعمل على الأقل لجزء من الأسبوع من المنزل. وتشير التقديرات إلى أن معدل الشواغر في المكاتب الوطنية بلغ مستوى قياسيا يقترب من 20 بالمئة، بينما في نيويورك وحدها، أصبحت حاليا مساحات مكتبية تعادل 30 مبنى في "إمباير ستيت" شاغرة. ومع استمرار انتهاء صلاحية عقود الإيجار، فإن من المحتم أن ترتفع معدلات الشواغر هذه.
ووفقا للتقرير، فإن معدلات الشغور القياسية تنعكس الآن في انخفاض أسعار العقارات التجارية بنحو 16 بالمئة منذ آذار/ مارس 2022. وفي الوقت نفسه، يتوقع مورغان ستانلي أن تنخفض أسعار العقارات التجارية بنحو 40 بالمئة عن ذروتها قبل جائحة كوفيد. وهذا بدوره من شأنه أن يؤدي إلى موجة من التخلف عن سداد القروض العقارية التجارية حيث سيجد مطورو العقارات صعوبة في تجديد مبلغ الـ500 مليار دولار المستحق هذه السنة بأسعار فائدة أعلى.
وذكرت المجلة أنه إذا كان ارتفاع معدلات التخلف عن سداد القروض العقارية التجارية يمثل مشكلة بالنسبة للنظام المصرفي ككل، فهو يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للبنوك الإقليمية. وبالنسبة لهذه البنوك، فإنه يمثل الإقراض العقاري التجاري حوالي 20 بالمئة من إجمالي محفظة القروض الخاصة بها. وهذه البنوك ليست في وضع يسمح لها برصد مخصصات كبيرة لخسائر القروض العقارية التجارية في وقت لا تزال تخسر فيه الودائع وحيث تتكبد خسائر فادحة في محافظ سنداتها.
وتؤكد دراسة حديثة أجراها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية حجم الأزمة المصرفية الإقليمية المحتملة. وتشير تقديراته إلى أنه إذا ظلت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية، فإن موجة من التخلف عن سداد القروض العقارية التجارية يمكن أن تؤدي إلى إفلاس ما يصل إلى 385 بنكا إقليميا. ويشير كل هذا إلى أن الرئيس بايدن سيتمنى لو أن الانتخابات الرئاسية أجريت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 وليس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. ولكان حينها قادرا على إدارة حملة انتخابية ناجحة على أساس اقتصاد قوي بدلا من اقتصاد يعاني من ضغوط النظام المالي المتعلقة بالملكية التجارية، بحسب التقرير.