قال الكاتب والمؤرخ الإسرائيلي يوفال
نواه هراري في تعليقه على تصرفات الحكومة اليمينية المتطرفة في دولة
الاحتلال
بزعامة بنيامين
نتنياهو، إن قيام نظام دكتاتوري في إسرائيل ستكون له عواقب وخيمة
لن تقتصر على الإسرائيليين فقط.
وفي مقاله المنشور في صحيفة "
فاينانشال
تايمز"، قال الفيلسوف هراري إن الائتلاف الحكومي يقوده "متعصبون
دينيون مهدويون يعتنقون أيديولوجيا التفوق العنصري اليهودي".
وتابع بأن الأيديولوجيا التي تعتنقها
الحكومة تدعو إلى ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى إسرائيل، وتحلم في النهاية
بتدمير المسجد الأقصى وبناء معبد يهودي جديد على أنقاضه.
ولفت إلى أن أيديولوجيا التفوق العنصري
اليهودي ليست فكرة هامشية، إذ يمثلها ضمن الائتلاف الحاكم حزب القوة اليهودية وحزب
الصهيونية الدينية الذي يتزعمه سموتريتش الذي دعا مؤخراً إلى مسح مدينة فلسطينية
عن بكرة أبيها انتقاماً لمقتل اثنين من المستوطنين اليهود.
وأكد أن سموتريتش ومن على شاكلته باتوا
الآن يتحكمون بأقوى الآليات العسكرية في العالم، والتي تتوفر لديها ترسانة من
الأسلحة النووية ومن الأسلحة السيبرانية المتطورة.
وينظم نتنياهو منذ عقود الحملة تلو
الأخرى للحيلولة دون حصول إيران على السلاح النووي، محذراً العالم من مخاطر حيازة
نظام أصولي للقدرات النووية. والآن، ها هو نتنياهو يقيم نفس ذلك النظام بالضبط
داخل إسرائيل.
ولفت إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يشعل
الشرق الأوسط عن بكرة أبيه، وستكون لذلك تداعيات سوف يتجاوز صداها المنطقة بأسرها.
وسوف يكون غباء منقطع النظير لو أن إسرائيل أقدمت على شيء من ذلك، مؤكدا أنه لا
ينبغي التقليل من خطورة "الغباء البشري"، فهو واحد من أعتى القوى
وأكثرها دمارا في التاريخ، بحسب الكاتب.
وتاليا المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":
الديمقراطية الإسرائيلية تقاتل من أجل
البقاء على قيد الحياة
بينما تستهدف حكومة نتنياهو تحييد
المحكمة العليا، مستقبل البلاد على المحك
من أجل فهم الأحداث في إسرائيل، هناك
سؤال واحد فقط يحتاج المرء إلى طرحه. ما هي حدود سلطة الحكومة؟
تعتمد الديمقراطيات المتينة على منظومة
متكاملة من الضوابط والتوازنات. إلا أن إسرائيل لا يوجد فيها دستور، ولا حجرة عليا
في البرلمان، ولا كيان فيدراليا ولا أي قوة أخرى لها صلاحية مراقبة الحكومة فيما
عدا جهة واحدة – ألا وهي المحكمة العليا. تخطط حكومة نتنياهو هذا الاثنين لتمرير
أول تشريع في سلسلة من التشريعات التي من شأنها أن تحيد المحكمة العليا. فيما لو
تم لها ما تريد فلسوف تكتسب الحكومة سلطة لا حدود لها.
ولقد كشف أعضاء في الائتلاف الذي يقوده
نتنياهو عن نيتهم سن تشريعات وانتهاج سياسات للتمييز ضد العرب وضد النساء وضد
المثليين ومن على شاكلتهم وضد العلمانيين. وبمجرد إزاحة المحكمة العليا من الطريق فإنه لن يبقى ما يمنعهم، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن تقوم الحكومة بتزوير الانتخابات
القادمة، على سبيل المثال من خلال منع الأحزاب العربية من المشاركة – وهو إجراء
سبق أن اقترحه بعض أعضاء الائتلاف. سوف تستمر إسرائيل في تنظيم الانتخابات، ولكنها
سوف تتحول إلى مجرد طقوس سلطوية بدلاً من تنافس ديمقراطي حر.
يتباهى أعضاء الحكومة علانية بما لديهم
من نوايا، ويقولون إنهم أما وقد فازوا في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة فإن ذلك
يعني أن بإمكانهم عمل ما يحلو لهم. مثلها مثل القوى السلطوية الأخرى، لا تفهم
الحكومة الإسرائيلية ماذا تعني الديمقراطية. تظن أنها دكتاتورية الأغلبية، وأن من
يفوزون بالانتخابات الديمقراطية يمنحون سلطة غير محدودة.
تحدثت خلال الشهور الأخيرة مع أنصار
نتنياهو، فوجدتهم أن يؤمنون تماماً بأن أي قيود تحد من صلاحيات الحكومة المنتخبة
فهي إجراءات غير ديمقراطية. ويقولون: "ماذا تعني حينما تقول إننا لا يمكننا
انتزاع حريات الناس الأساسية؟ لكننا فزنا في الانتخابات. وهذا يعني أن بإمكاننا أن
نفعل كل ما نريد." في الواقع، الديمقراطية تعني الحرية والمساواة للجميع.
فالديمقراطية نظام يضمن لجميع الناس حريات معينة، لا يحق حتى للأغلبية حرمانهم
منها.
إن قيام نظام دكتاتوري في إسرائيل
ستكون له عواقب وخيمة، وليس فقط بالنسبة للمواطنين الإسرائيليين. يقود الائتلاف
الحاكم متعصبين دينيين مهدويين يعتنقون أيديولوجيا التفوق العنصري اليهودي. وهي
أيديولوجيا تدعو إلى ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى إسرائيل بدون منح
الفلسطينيين حق المواطنة، وتحلم في النهاية بتدمير مجمع المسجد الأقصى – أحد أقدس
الأماكن الدينية عند المسلمين – وبناء معبد يهودي جديد على أنقاضه.
وأيديولوجيا التفوق العنصري اليهودي
ليست فكرة هامشية، إذ يمثلها ضمن الائتلاف الحاكم حزب القوة اليهودية وحزب
الصهيونية الدينية، وهذه الأخيرة يتزعمها بتسالئيل سموتريتش الذي دعا مؤخراً إلى
مسح مدينة فلسطينية عن بكرة أبيها انتقاماً لمقتل اثنين من المستوطنين اليهود.
سموتريتش ومن على شاكلته باتوا الآن
يتحكمون بأقوى الآليات العسكرية في العالم، والتي تتوفر لديها ترسانة من الأسلحة
النووية ومن الأسلحة السيبرانية المتطورة. منذ عقود ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
ينظم الحملة تلو الأخرى للحيلولة دون حصول إيران على السلاح النووي، محذراً العالم
من مخاطر حيازة نظام أصولي للقدرات النووية. والآن، ها هو نتنياهو يقيم نفس ذلك
النظام بالضبط داخل إسرائيل. يمكن لهذا الأمر أن يشعل الشرق الأوسط عن بكرة أبيه،
وستكون لذلك تداعيات سوف يتجاوز صداها المنطقة بأسرها. سوف يكون غباء منقطع النظير
لو أن إسرائيل أقدمت على شيء من ذلك، ولكن كما تعلمنا من غزو روسيا لأوكرانيا فإنه لا
ينبغي علينا التقليل من خطورة الغباء البشري، فهو واحد من أعتى القوى وأكثرها
دماراً في التاريخ.
الأخبار السارة هي أن حركة مقاومة قوية
برزت خلال الشهور الأخيرة بهدف إنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية. يتظاهر مئات الآلاف
من الإسرائيليين، ممن يرفضون أيديولوجيا التفوق العنصري اليهودي ويتواصلون مع
التقاليد العريقة من التسامح اليهودي، احتجاجاً ومقاومة بكل الوسائل غير العنيفة
التي نعرفها. ومنذ الجمعة، أقدم ما يزيد على العشرة آلاف من احتياطيي الجيش – بما في
ذلك مئات الطيارين في سلاح الجو، وخبراء الحرب السيبرانية وقادة وحدات النخبة –
على الإعلان على الملأ بأنهم لن يخدموا الدكتاتورية، وأنهم لهذا السبب سوف يعلقون
خدماتهم إذا ما مضت الحكومة قدماً في مخططها لإعادة تشكيل النظام القضائي. وبحلول
الثلاثاء يتوقع أن يتعطل ولو جزئياً سلاح الجو الشهير، والذي يعتمد إلى حد كبير
على الاحتياط.
من أجل تقدير حجم هذه الخطوة، لا بد من
أن نتذكر أن الخدمة العسكرية واجب مقدس في نظر كثير من الإسرائيليين. ففي بلد خرج
من تحت رماد المحرقة، وواجه أخطاراً وجودية على مدى عقود، لطالما كان الجيش في
منأى عن التجاذبات والنزاعات السياسية. ولكن، لم يعد الأمر كذلك. فقد دعا رؤساء
الأركان السابقون للجيش وقادة سلاح الجو والأجهزة الأمنية السابقون، علانية الجنود
إلى التوقف عن الخدمة. يقول المحاربون القدامى الذين شاركوا في العديد من الحروب
الإسرائيلية إن هذا هو أهم نضال يخوضونه في حياتهم. تحاول حكومة نتنياهو توصيف ما
يجري بأنه انقلاب عسكري، ولكنه على العكس تماماً من ذلك. فالجنود الإسرائيليون لا
يحملون السلاح من أجل الإطاحة بالحكومة – بل هم يضعون أسلحتهم رافضين الخدمة.
ويقولون إن عقودهم مبرمة مع الديمقراطية الإسرائيلية، وحالما تنتهي صلاحية
الديمقراطية، فإن صلاحية عقودهم تنتهي كذلك.
وذلك الإحساس بأن العقد الاجتماعي قد
انصرم دفع الجامعات والنقابات العمالية وشركات التقنية العالية وغيرها من المؤسسات
التجارية الخاصة نحو التهديد بمزيد من الإضرابات فيما لو استمرت الحكومة في تغولها
المعادي للديمقراطية على السلطة. ويدرك الإسرائيليون مدى ما يجلبه ذلك من أضرار على
بلدنا. وبينما تباشر ما تسمى بالأمة الناشئة بالإغلاق، يسحب المستثمرون من كل أنحاء
العالم أموالهم. بل إن الضرر الداخلي أشد فداحة. فالخوف والكراهية باتا الآن
يهيمنان على العلاقات بين مختلف قطاعات المجتمع ويتفاقم الأمر مع تمزيق وثيقة
العقد الاجتماعي وتفتيتها. ويصف أعضاء الحكومة المتظاهرين وعناصر الاحتياطي في
الجيش بالخونة، ويطالبون باستخدام القوة لسحق المعارضة، حتى بات الإسرائيليون
يخشون من أننا بتنا قاب قوسين أو أدنى من الحرب الأهلية.
ولكن مئات الآلاف الذي يتظاهرون منا في
الشوارع لا يملكون خياراً آخر. فهو واجبنا تجاه ذاتنا، وتجاه التقاليد اليهودية
وتجاه الإنسانية. إنه الواجب الذي يحتم علينا أن نقف في وجه دكتاتورية تعتنق فكرة
التفوق العرقي اليهودي. نقف اليوم في الشوارع لأننا لا نملك أن نفعل سوى ذلك لو
أردنا فعلاً إنقاذ الديمقراطية الإسرائيلية.
يوفال نواه هراري
ذي فاينانشال تايمز