نشرت مجلة "
فورين بوليسي" مقالا للكاتبة الفلسطينية الأمريكية ياسمين الشيخ قالت فيه إن الشباب الأمريكي بات يميل أكثر لدعم القضية الفلسطينية، بفعل سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة، لا سيما التي تولاها غير مرة بنيامين
نتنياهو.
وذكّرت الشيخ بتصريح قبل نحو 22 عاما لنتنياهو لمجموعة من مستوطني عوفرا في الضفة الغربية المحتلة، حين قال: "أمريكا هي الشيء الذي تتحرك فيه بسهولة وتتحرك في الاتجاه الصحيح"، مشيرة إلى أن أمريكا تتحرك الآن في اتجاه لا يريده رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، فاستطلاعات الرأي الأمريكية خلال السنوات الماضية أظهرت دعما متزايدا وتعاطفا مع
الفلسطينيين وتراجعا لدعم "إسرائيل".
"وإسرائيل" كانت قضية يجمع عليها الحزبان في الكونغرس (الديمقراطي والجمهوري)، ولكنها أصبحت مرتبطة باليمين، وفي المقابل هناك صعود للتيار التقدمي في الحزب الديمقراطي مثل النائبة رشيدة طليب و
براميلا غايابال، اللتان عبرتا عن استعداد لنقد إسرائيل بشكل علني.
ورغم ردود الفعل التي لاقتها تصريحات غايابال مؤخرا وانتقدت فها دولة الاحتلال، فإن المزيد من الأمريكيين وأكثر من أي وقت مضى يؤيديون ما قالته غيابال، ففي استطلاع لمركز غالوب نشرت نتائجه في آذار/ مارس ودراسة من جامعة ميريلاند، كشفت عن
تعاطف الديمقراطيين مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وأن أكثر من خمس الديمقراطيين اليهود ينظرون إلى إسرائيل على أنها "دولة فصل على شكل الأبارتايد".
ووجد معهد الناخبين اليهود أن نسبة 35% من اليهود الأمريكيين يتفقون مع الرأي القائل بأن "معاملة إسرائيل للفلسطينيين لا تختلف عن العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية".
وشددت الكاتبة على أن كتاب الأعمدة والمحللين يرون أن حكومات نتنياهو المتتالية وعلى مدى العقود الثلاثة لعبت دورا مهما في خيبة أمل الأمريكيين.
ومنذ عام 1996 عمل نتنياهو كرئيس للوزراء لمدة زادت على الـ15 عاما وفي ثلاث دورات غير متتابعة، لكن أطول فترة له امتدت ما بين 2009 و2021، حيث إنه تصادم علنا مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، واليوم يقود نتنياهو أكثر التحالفات السياسية تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال.
ورأت الشيخ أنه من الخطأ ربط التحول في موقف الرأي العام لعلاقة نتنياهو المضطربة مع أوباما أو علاقة الغرام مع ترامب (الرئيس السابق). ففي الوقت الذي ساعد فيه وجود نتنياهو في الساحة العامة على بناء حالة استقطاب من النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني وبناء على الخطوط الحزبية، إلا أن البيانات تؤكد أن التراجع الثابت لدعم إسرائيل لا يمكن ربطه بشخص واحد.
ونظم غالوب استطلاعا في شهر شباط/ فبراير وكشف أن هناك عملية تحول تقدر بـ 11 نقطة في الحس العام وفي الأشهر الـ12 الماضية فقط. وهذا واضح لأن عودة نتنياهو إلى الحكم في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي تكشف عن فشل حكومة التغيير التي قادها نفتالي بينيت ويائير لابيد بالتداول، في تغيير المفاهيم العامة للناخبين الديمقراطيين الأمريكيين من إسرائيل.
وإلى جانب الاستقطاب المتزايد بناء على الخطوط الحزبية يتضح من الاستطلاعات المتعددة منذ 2021 أن هناك انقساما جيليا. ففي الوقت التي تظهر فيه استطلاعات مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية تعاطفا مع إسرائيل، فإن جيل ما بعد الألفية أظهر ميلا لدعم الفلسطينيين. ووجد استطلاع غالوب أن "جيل الألفية منقسم بالتساوي الآن"، وبنسبة 42% متعاطف مع الفلسطينيين ونسبة 40% مع الإسرائيليين.
وقالت الكاتبة، إن تراجع الدعم لإسرائيل وصل إلى الإنجيليين المسيحيين، حيث تراجع الدعم بين الجيل الشاب من الإنجيليين في الفترة ما بين 2018 و2021 من 69% إلى 33%. فالمسيحيون الشباب هم متنوعون عرقيا بشكل عام. وهم على وعي أكبر بشخصيات مثل ترامب الذي يختلف الكثيرون حول صفاته الأخلاقية. ولهذا فقد ابتعدوا عن آبائهم في المواقف المتعلقة بالهجرة والتغيرات المناخية، والمواقف من إسرائيل ليست استثناء.
ورأت الشيخ أن الاهتمام الدولي باستشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، على يد قوات الاحتلال العام الماضي وكذا حملة التهجير في حي الشيخ جراح بالقدس لعبت دورا كبيرا في تغيير المفاهيم وفي الولايات المتحدة، فمثلا نصف الديمقراطيين ممن هم تحت سن الـ 34 عاما لا يتفقون مع طريقة معالجة بايدن للحرب على غزة في 2021.
ولم يتوقف أعضاء الكونغرس من الديمقراطيين وعلى رأسهم السيناتور كريس فان هولين عن المطالبة بأسئلة في أعقاب قرار "إسرائيل" عدم محاكمة الجنود المتورطين في قتل أبو عاقلة. وفي حالة التمييز المنظم والتشريد الذي تدعمه حكومة الاحتلال ضد الفلسطينيين، فقد وجد الناشطون الأمريكيون السود فرصة للمقارنة بين حركة حياة السود مهمة والقضية الفلسطينية.
ويعكس هذا النهج المتقاطع وعيا متزايدا بالحياة تحت الاحتلال، وبخاصة بعد مقتل إياد حلاق الذي يعاني من مرض التوحد على يد قوات الاحتلال وحدث هذا في الأسبوع الذي مات فيه جورج فلويد خنقا على يد شرطي أمريكي، وفق الكاتبة.
وباتت المنظمات التقدمية داخل المجتمع اليهودي الأمريكي، مثل جويش فويس وحي ستريت وكذا المنظمات اليسارية مثل الديمقراطيين الاشتراكيين لأمريكا تعبر عن مواقف أكثر حدة من إسرائيل، وبالتالي زيادة الضغوط على حالة الإجماع داخل الحزب الديمقراطي وتدفع بعضا من المعتدلين الديمقراطيين مثل بيتي ماككولام وأندريه كارسون نحو نهج استباقي.
ومع استمرار الاحتلال والضم الفعلي تحت رعاية وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فإن النقد لدور إسرائيل في النزاع سيزداد حدة ومدى. وبخاصة في ظل التدهور في العلاقات بين الحكومة المتطرفة ويهود الشتات، وليس من المرجح التراجع عن هذه الأعمال بدون ضغط من واشنطن والمجتمع الدولي.