جاءت إحاطة المبعوث الأممي في
ليبيا أمام مجلس الأمن الدولي مناقضة لما أعلنته لجنة "6+6" التابعة لمجلس
النواب والدولة الليبيين بشأن الانتهاء من إنجاز القوانين التي تعتبر أساسا لإجراء الانتخابات، وذلك بعد أن أكد
عبد الله باتيلي وجود خلافات جوهرية تحول دون إبرام اتفاق نهائي على هذه القوانين بين الطرفين.
ولاقت الإحاطة ردود فعل مختلفة من السياسيين الليبيين، ففي حين اعتبرها البعض واضحة وتعبر عن الواقع الليبي، وما وصلت إليه الأزمة الراهنة، قال آخرون إنها منحازة لطرف دون غيره، وإن باتيلي نفسه يقف ضد إنتاج قوانين انتخابية منذ البداية.
وقال باتيلي الاثنين، إن عدم توافق الأطراف الليبية بشأن القضايا الخلافية في أحكام القوانين المنظمة للعملية الانتخابية من شأنه يؤدي بالانتخابات إلى "طريق مسدود"، على غرار ما حدث عام 2021.
وأضاف المبعوث الأممي في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي الاثنين: "يتوجب على أصحاب القرار الرئيسيين في ليبيا، الوصول إلى اتفاق سياسي، فمن دون هذه الحلول التوافقية، من المرجح لهذه القضايا الخلافية أن تؤدي بالعملية الانتخابية إلى طريق مسدود، على غرار ما حدث سنة 2021، وأن تُفضي إلى مزيد من الاستقطاب وزعزعة الاستقرار".
وكان مقررا أن تنظّم ليبيا انتخابات رئاسية وتشريعية في كانون الأول/ديسمبر 2021، لكنها أرجئت حتى إشعار آخر؛ بسبب خلافات بشأن
القوانين الانتخابية.
وشدد رئيس البعثة الأممية في ليبيا على أن "معايير الترشح للانتخابات الرئاسية، وربط الانتخابات البرلمانية بالرئاسية، ومسألة تشكيل حكومة موحدة جديدة"، تعتبر موضع "خلاف كبير"، وتتطلب أولاً وقبل كل شيء "اتفاقاً سياسياً بين أبرز الفاعلين والمكونات الرئيسية المشكلة للطيف السياسي الليبي".
وأكد عبد الله باتيلي على أنه من دون الوصول إلى اتفاق، ستظل أحكام القوانين المتعلقة بالانتخابات "غير قابلة للتطبيق"، بل وقد تؤدي إلى "أزمة جديدة".
ونجحت لجنة "6+6" الليبية التي تضم ستة أعضاء من مجلس النواب وستة من المجلس الأعلى للدولة، في التوصل إلى توافق حول القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في السادس من حزيران/ يونيو، عقب مباحثات امتدت لأيام في بوزنيقة بالمملكة المغربية.
لكن لم تتم مراسم التوقيع على الاتفاق رسمياً، عكس ما كان مخططا له في البداية، بسبب عدم التوافق حول عدد من "النقاط الخلافية"، لا سيما الجدل المرتبط بترشيح مزدوجي الجنسية والعسكريين.
"الخلافات قائمة"
ومعلقا على إحاطة باتيلي، قال المتحدث باسم المبادرة الوطنية الليبية، محمد شوبار، إن المبعوث الأممي أكد أن الخلافات ما زالت قائمة بخصوص التوافق على القوانين الانتخابية، وهذه الخلافات تكمن في أربع نقاط جوهرية، هي: شروط الترشح لرئاسة الدولة، وإلزامية الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية مهما كانت نتائج الجولة الأولى، وارتباط إجراء الانتخابات البرلمانية بنجاح الانتخابات الرئاسية، وخلافات أخرى تتعلق بتشكيل حكومة جديدة موحدة قبل خوض الانتخابات؛ للتمهيد والإشراف عليها.
ولفت شوبار في حديث خاص لـ"عربي21" إلى الخطة السابقة التي أطلقها باتيلي، مشددا على أنها "أعطت فرصة لأطراف الصراع في ليبيا للتوافق على قوانين انتخابية ملائمة للتنفيذ، مستدركا: "لكننا نعلم أن الطبقة السياسية لا رغبة لها في إجراء أي انتخابات؛ خوفا من خسران مناصبهم وملاحقتهم قضائيا بسبب جرائم تتعلق بنهب المال العام، لذلك لا أعتقد أن المجتمع الدولي سيمنح فرصة جديدة للطبقة السياسية الحالية (..) ولن يكون بوسع مجلسي الدولة والنواب فعل أي شيء في حال اجتيازهم، كما حدث في السابق إبان تشكيل لجنة 75". وفق قوله.
ورأى السياسي الليبي أن "جدية المجتمع الدولي في تحقيق الاستقرار في ليبيا باتت جلية، والمحادثات الدولية غير المعلنة الآن هي حول كيفية مساعدة الليبيين في تشكيل قيادة وطنية قوية موحدة ومحايدة بوجوه جديدة، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2656 الخاص بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والحفاظ على عائدات النفط، والتمهيد والإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وذلك يتناغم مع مطالب الشعب الليبي".
من جهته، قال عضو مجلس الدولة محمد معزب، إن إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن كانت اعترافا منه بأن مباحثات لجنة 6+6 في بوزنيقة لن توصل للانتخابات.
وقال معزب في تصريحات لقناة "فبراير"، إن باتيلي كان واضحا بشأن استمرار النقاط الخلافية والمثيرة للجدل بين الأطراف السياسية منها مسألة السلطة التنفيذية.
وأشار إلى أن باتيلي اقترح إجراء اتفاق سياسي جديد لإنقاذ الانتخابات، ولا بد لنا أن نعرف مضمون الاتفاق وأدواته.
غضب من تصريحات باتيلي
في المقابل، لاقت إحاطة باتيلي حالة استنكار واتهامات بالتحيز لطرف دون آخر، حيث قالت عضو مجلس النواب أسماء الخوجة، إن إحاطة باتيلي شابها تحيز لأحد الأطراف المحلية، ومحاولة تغليبها على الآخرين.
واستهجنت الخوجة في تصريحات صحفية ما جاء في إحاطة "حول ادعائه بعدم التوافق بين النواب والدولة بشأن القوانين الانتخابية".
وأشارت في تصريحات صحفية إلى أن مجلسي النواب والدولة متفقان بشكل كامل على القوانين الانتخابية، وضرورة تشكيل حكومة موحدة قادرة على إجراء الانتخابات بكافة مدن ومناطق ليبيا.
أما عضو مجلس الدولة، أبو القاسم قزيط، فقال في حديث خاص لـ"عربي21"، إن باتيلي فقد مكانته كوسيط نزيه بين الأطراف الليبية، وإحاطته أمام مجلس الأمن منحازة.
وشدد على أن الأمم المتحدة وبعثتها الأممية تاريخها محاط بالشبهات، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "موقف باتيلي غريب ومُريب، ويقف ضد إنتاج قوانين انتخابية منذ البداية".
ورأى قزيط أن "ما توافق عليه النواب والدولة يجب أن يُنفذ في نهاية الأمر، والبعثة ليست سلطة عُليا حاكمة على الليبيين".
وأضاف: "إذا كانت القوانين الانتخابية محل توافق، فنحن الآن في حاجة إلى حكومة واحدة للذهاب إلى الانتخابات".