تزايد الحديث والدعوات في الأوساط
الإسرائيلية عن عملية ضم
الضفة الغربية بشكل رسمي إلى السيادة الإسرائيلية، وذلك تزامنا مع العودة المرتقبة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأيض، بعدما كانت ولايته الأولى حافلة بالمواقف غير المسبوقة الداعمة للاحتلال والاستيطان.
ولعل أبرز هذه الدعوات والتصريحات كانت من وزير المالية الإسرائيلي والوزير في وزارة الحرب بتسلئيل سموتريتش، بإعطاء تعليماته لإدارة
الاستيطان والإدارة المدنية للبدء بإعداد البنية التحتية اللازمة لتطبيق السيادة على الضفة الغربية.
وقال سموتريتش في منشور عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقا)، إن "2025 سيكون عام السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة"، وهو الاسم اليهودي التوراتي الذي يطلق على الضفة الغربية.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تأكيده بمحادثات مغلقة ضرورة إعادة قضية ضم الضفة الغربية لجدول أعمال حكومته عند تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مهامه في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل.
بدورها، دعت وزيرة الاستيطان الإسرائيلية أوريت ستروك، الخميس، إلى استمرار احتلال قطاع غزة لـ"فترة طويلة جدا"، إضافة إلى ضم الضفة الغربية المحتلة، قائلة إنها "تستمد التشجيع لدفع ضم الضفة من فريق الإدارة الأمريكية المقبلة الذي أعلن عنه حتى الآن الرئيس المنتخب دونالد ترامب"، في إشارة إلى دعمهم للمشروع الصهيوني.
ولفتت إلى "الأشخاص الذين تم اختيارهم بالفعل مثل وزير الخارجية (ماركو روبيو)، والسفير (الأمريكي لدى إسرائيل مايك هاكاب)، ووزير الدفاع (بيت هيغسيث)، نرى هؤلاء الأشخاص ونسمع مواقفهم، لذلك من الواضح أن هذه مواقف أكثر انسجاما ليس فقط مع الحكومة الإسرائيلية، ولكن مع غالبية الشعب الإسرائيلي".
وأكدت "مكتبي يعمل بأقصى سرعة تمهيدا لتطبيق السيادة"، وعن مصير
الفلسطينيين في الضفة، قالت ستروك: "لا أريد أن أرسم شيئا دقيقا حاليا، يجب أن يتمتع جميع الناس بحقوق الإنسان، لكن الحق القومي في الأراضي سيكون ملكا لشعب إسرائيل فقط".
وزادت: "يمكنهم كبشر بالطبع البقاء على الأرض، وسيتعين علينا أيضا، إذا أردنا أن نكون دولة يهودية في نظري على الأقل، منحهم حقوقا كاملة كبشر، لكن الحقوق الفردية الكاملة وليس الحقوق القومية، الحقوق القومية في هذه الأرض يتمتع بها الشعب اليهودي فقط".
ولم تكن خطط ضم الضفة الغربية جديدة أو وليدة أحداث حرب الإبادة المستمرة ضد قطاع غزة منذ أكثر من 13 شهرا، بل إنها كانت موجودة بالفعل، وعملت عليها "إسرائيل" منذ عام 2020 خلال الولاية الرئاسية الأولى لترامب كجزء مما تسمى بـ"صفقة القرن".
وتتضمن هذه الخطط خرائط مُفصّلة وأوامر توسيع المستوطنات وصياغة لقرار حكومي، بينما يُبدي قادة اليمين الإسرائيلي تفاؤلا بأن عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستفسح الطريق أمام ضم الضفة الغربية.
ما هو الضم؟
مصطلح يعني الضم فوق القانون أو الضم والفرض الذي يستحضر صورا من العصر الاستعماري حيث كانت الدول تقاتل من أجل "غنائم الحرب". ومع ذلك، فقد استمر الضم في العصر الحديث، ولعل أبرز صوره ضم إندونيسيا لتيمور الشرقية عام 1975، و ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وبالطبع ضم "إسرائيل" عام 1980 لشرق القدس ومرتفعات الجولان، وإعلان نتنياهو في 2019 عن ضم وادي الأردن.
والضم هو عندما تعلن جهة أو دولة أن قطعة أرض خارج حدودها هي جزء يتبع لها وخاضع للدولة، غالبًا ما يتم ذلك بعد احتلال عسكري وسواء أراد الناس الذين يعيشون هناك ذلك أم لا، والقانون الدولي واضح إلى حد ما بشأن الضم، فهو غير قانوني.
ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر فعليا على معظم الضفة الغربية المحتلة منذ عام 1967 ويفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات، وعمل طوال سنوات على تعميق هذه السيطرة، بضغط الفلسطينيين في الضفة في "جيوب حضرية" وسيطر أمنية يوفرها جدار الفصل العنصري.
وجاء في تقرير سابق لصحيفة "
الغارديان" أن "السياح الأجانب الذين يزورون إسرائيل في رحلات بالحافلات إلى البحر الميت عبر الأراضي الفلسطينية دون أن يدركوا أنهم غادروا البلاد، وغالبًا ما تعرض لافتات الطرق في الضفة الغربية اللغة العبرية وتتجاهل المجتمعات الفلسطينية في كثير من الأحيان، وتشير بدلا من ذلك إلى المستوطنات الإسرائيلية، والعديد من المصانع ومحطات الوقود والمحلات التجارية التي يديرها الإسرائيليون".
أهمية التوقيت
ترى العديد من الأوساط الإسرائيلية أن رئاسة ترامب الأولى وحتى عودة للمنصب مرة أخرى بعد خسارة انتخابات عام 2020 فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر لتنفيذ تدابير كانت تعتبر منذ فترة طويلة من المحرمات في واشنطن.
وفي ولايته الأولى خفض ترامب المساعدات للفلسطينيين، وقطع العلاقات الدبلوماسية وأعلن مدينة القدس عاصمة لـ"إسرائيل" وأغلق مقار منظمة التحرير في واشنطن وغيرها من الإجراءات في مخالفة لعقود من السياسة الخارجية الأمريكية.
وفي نهاية عهده، سمح الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما لمجلس الأمن الدولي بتمرير قرار حمر رقم 2334 يقضي بوقف كل أنشطة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وكان ذلك للمرة الأولى منذ 1979 التي لم تستخدم الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" ضد قرار يدين "إسرائيل".
من الواضح أنه إذا أعلنت "إسرائيل" رسميا تنفيذ الضم، فإن هذا سيجعل من الصعب التخلي عن الضفة في أي اتفاق مستقبلي، وهو ما يقضي على فكرة "حل الدولتين"، التي تبناها حتى ترامب ضمن صفقة القرن بإقامة دولة فلسطينية على 70 بالمئة من مساحة الضفة الغربية مع قطاع غزة.
ما الذي يجب معرفته؟
وقالت منظم العفو الدولية "أمنستي" إن "الضم" والاستيلاء على الأراضي بالقوة وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي، وبالتالي، فإنه لا يمكن أن يكون له أي تأثير على الوضع القانوني للأراضي، التي تظل محتلة بحكم القانون.
وفي سياق الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعني "الضم" توسيع نطاق القانون الإسرائيلي ليشمل المناطق المعترف بها على أنها محتلة ومعاملتها كجزء من أراضي "إسرائيل".
وأضافت في
تقرير سابق لها إن القانون الدولي واضح تماما في هذه المسألة غير القانونية، واستمرار "إسرائيل" في اتباع هذه السياسة يوضح بشكل أكبر تجاهلها الساخر للقانون الدولي، مؤكدة أن مثل هذه السياسات لا تغير الوضع القانوني للأراضي وسكانها بموجب القانون الدولي باعتبارها محتلة ولا تزيل مسؤوليات "إسرائيل" كقوة محتلة بموجب القانون الإنساني الدولي، بل تشير إلى الحاجة الطويلة الأمد للمجتمع الدولي لوضع حد للإفلات من العقاب على انتهاكات القانون الدولي.
وأوضحت أن "ضم" الأراضي في الضفة الغربية سيؤدي إلى تفاقم عقود من الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين وتهدف إلى حرمانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة من حماية القانون الإنساني الدولي.
وأشارت إلى أن مثل هذه الخطوة من جانب "إسرائيل" من شأنها أيضا أن تنتهك ميثاق الأمم المتحدة والمعايير الآمرة للقانون الدولي والالتزامات بموجب القانون الإنساني الدولي.
وأوضحت أنه "بموجب القانون الإسرائيلي المحلي، فإن التحركات نحو المزيد من ضم الأراضي الفلسطينية تعني استمرار التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، كما أن هذا من شأنه أن يعزز سياسات التمييز المؤسسي وانتهاكات حقوق الإنسان الجماعية التي يواجهها الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة للاحتلال، بما في ذلك الحرمان الممنهج من الحقوق المدنية والسياسية للفلسطينيين، فضلاً عن انتهاكات حقوق أخرى مثل حرية التنقل والمساواة وعدم التمييز".
وشددت على أن "سياسة إسرائيل المتمثلة في توطين مدنييها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتشريد السكان الفلسطينيين المحليين لا تزال تتعارض مع القواعد الأساسية للقانون الإنساني الدولي، إذ تنص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه لا يجوز للقوة المحتلة أن ترحل أو تنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، كما أنها تحظر النقل القسري الفردي أو الجماعي، وكذلك ترحيل الأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة".
وأشارت المنظمة إلى أنه قد يكون للضم آثار خطيرة أخرى تعمق انتهاكات الحق في السكن اللائق، باعتبار أنها تضع الأفراد والمجتمعات، وخاصة المجتمعات في القرى التي لا تعترف بها "إسرائيل"، في خطر الطرد أو استهداف هدم المنازل، وخاصة إذا كانت تقع ضمن أي منطقة "مضمومة".
وشرحت أن ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية من شأنه أيضا أن يحد من حرية الفلسطينيين في الحركة، وترتبط العديد من القيود القائمة مباشرة بالمستوطنات، بما في ذلك القيود التي تهدف إلى حماية المستوطنات والحفاظ على "المناطق العازلة".