ما زالت أصداء الهجوم الذي نفذه جندي مصري السبت على الحدود المصرية مع
دولة الاحتلال، يلقى أصداء واسعة في الإعلام الإسرائيلي، خاصة بعد تحقيقات إسرائيلية كشفت أن الهجوم مدبر ومعد له جيدا، رغم نفي القاهرة هذه المعلومات، وإصرارها على ربط العملية باشتباكات مع مهربين للمخدرات.
والسبت، قتل ثلاثة جنود إسرائيليين وأصيب ضابط في هجوم مسلح نفذه جندي مصري بعد أن عبر الحدود بين دولة الاحتلال ومصر من جهة معبر العوجا وأطلق النار باتجاه جنود الاحتلال، قبل أن يستشهد في اشتباك.
نتنياهو يطلب تعاون مصر
وطالب رئيس وزراء الاحتلال الأحد، مصر، بالتعاون في تحقيق مشترك، واصفا الهجوم بـ"الإرهابي".
وقال
نتنياهو لمجلس الوزراء حول الهجوم :"بعثت إسرائيل برسالة واضحة للحكومة المصرية. نتوقع أن يكون التحقيق المشترك شاملا ومفصلا".
وأضاف "سنحدّث إجراءات وأساليب العمليات وأيضا الإجراءات الرامية إلى الحد من عمليات التهريب إلى الحد الأدنى ولضمان عدم تكرار مثل هذه الهجمات الإرهابية المأساوية".
غموض مصري
وكان الجيش المصري أعلن روايته لما حدث على الحدود وقال في تصريح صحفي، للمتحدث باسم الجيش إن "أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود الدولية قام بمطاردة عناصر تهريب المخدرات، وأثناء المطاردة قام فرد الأمن بإختراق حاجز التأمين وتبادل إطلاق النيران ما أدى إلى وفاة ثلاثة أفراد من عناصر التأمين الإسرائيلية وإصابة اثنين آخرين، بالإضافة إلى وفاة فرد التأمين المصري أثناء تبادل إطلاق النيران".
ويصر الجيش المصري على هذه الرواية حتى الآن، ولم يقدم أي تفاصيل حول هوية
الجندي المصري الذي استشهد في الهجوم، رغم إعلان الاحتلال جملة من التفاصيل حول العملية، فضلا عن نشره هوية جنوده الثلاثة القتلى وأماكن سكنهم.
تفاصيل جديدة
ونشرت إذاعة جيش الاحتلال الأحد نتائج جديدة للتحقيقات التي يجريها بشأن العملية التي نفذت السبت على الحدود وأسفرت عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين وإصابة ضابط، مؤكدا أن العملية مدبرة وخطيرة ولا ترتبط بحوادث تهريب المخدرات.
وقالت الإذاعة، إن التحقيق الذي أجراه الجيش أظهر تفاصيل جديدة حول العملية على الحدود المصرية، وإن الجندي المصري خطط للهجوم مسبقا بدافع قومي.
وفي التفاصيل قال الاحتلال إن منفذ الهجوم مشى مسافة خمسة كيلومترات من موقعه داخل الحدود المصرية، ومن ثم تسلق أحد المرتفعات الصخرية ووصل إلى السياج، وقام بقطع القفل الذي تغلق به فتحة السياج بواسطة معدات قطع عسكرية، ودخل إلى الجانب الآخر من الحدود واقترب من موقع الجنود وفتح النار عليهم.
ولفت الاحتلال إلى أن الجندي المصري يعرف المنطقة جيدا وتمكن من الوصول إلى تلك النقطة وخطط لمسار التسلل وعرف موقع الجنود الذي يبعد حوالي 150 مترا عن باب الطوارئ في السياج.
وحول موعد التسلل والاشتباك، قال الجيش إن إطلاق النار الأول وقع بعد السادسة صباحًا، في حين كان آخر اتصال بالجنود بعد الساعة الرابعة فجرا، وحين وصلت مجموعة أخرى من الجنود يقودها ضابط لتغيير المناوبة قبل الساعة التاسعة، اكتشفوا جثث جنود الاحتلال وتأكدوا من وجود حدث، وفي ذلك الوقت، كان الجندي المصري ينصب كمينا جديدا لجنود الاحتلال على عمق كيلو ونصف داخل الحدود، خلف صخور كبيرة في المنطقة، وحين وصلت الوحدة التابعة للاحتلال اشتبك معهم، فقتل ضابطا وأصاب آخر، في حين قضى شهيدا عقب إصابته جراء الاشتباك.
وقالت إذاعة جيش الاحتلال إن سلاح الجندي المصري وهو من نوع كلاشينكوف عثر عليه إلى جواره، وعثر أيضا على مصحف وسكين و6 مخازن من الرصاص (يحتوي المخزن على 30 رصاصة).
وقالت وسائل إعللام إسرائيلية، إن الجنود الثلاثة الذي قتلوا برصاص الجندي المصري هم: الرقيب أول أوري يتسحاك إيلوز، والرقيب أول أوهاد دهان، والرقيب ليا بن نون.
إخفاق أمني
وكشفت العملية عن إخفاقات أمنية عسكرية للاحتلال جعلت الجبهة الجنوبية تعود إلى الواجهة مجددا بعد سنوات طويلة من الهدوء الأمني، الأمر الذي دفع أوساطا إسرائيلية إلى اعتبار ما حصل في هذه العملية خطأ جسيما، في ظل وجود جدار حدودي كلف مليارات الشواكل لمنع المتسللين من دخول الأراضي المحتلة.
أريئيل كهانا المحلل السياسي لصحيفة
إسرائيل اليوم، زعم أن "الدرس المستفاد من
عملية الحدود المصرية يتمثل في أنه رغم التعاون الأمني والسياسي بين القاهرة وتل أبيب، فإن كراهية الشعب المصري لإسرائيل لا تزال كما هي، رغم أن اتفاقية السلام مستقرة. وبعد 45 عامًا من اتفاقيات كامب ديفيد، لا يبدو أن السلام مع مصر محل تساؤل، ورغم الاختلافات في رواية الطرفين عن العملية، فسيكون مدهشا للغاية أن يتبين أنها تعكس منعطفًا في السياسة المصرية".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "هذه العملية ليست الأولى من نوعها، وربما ليست الأخيرة، ورغم أن الجندي المصري ربما تصرف بمفرده، فإن الدرس الأول المستخلص من هذه الحادثة غير العادية، أن وجود اتفاقيات سلام لا يعني تراجع العداء تجاهنا، لا في مصر ولا أي مكان آخر، وهذا يعلمنا أننا لا نستطيع أن نكتفي بما حققناه، حتى عندما يكون هناك إطار اتفاق يعمل على استقرار البيئة الاستراتيجية. بعبارة أخرى، أنه لن يتم ضمان أمن إسرائيل إلا من خلال قوتها الأمنية، وليس الاتفاقات السياسية".
الهدوء على الحدود الجنوبية مخادع
يوآف ليمور المحلل العسكري بصحيفة
إسرائيل اليوم، أكد أن "عملية إطلاق النار على الحدود أكدت أن هذه المنطقة خادعة؛ ظاهريًا هي حدود هادئة، لكنها في الواقع ساحة معركة معقدة، حيث تعيش تهديدات عديدة في وقت واحد. صحيح أن هناك بالفعل كيانًا صديقًا على الجانب الآخر من الحدود، لكن توجد في ما وراءه منظمات معادية نشطة قد تشن هجمات في أي لحظة، وبجانبها مجموعة عناصر تكسب رزقها من التهريب واستخدام العنف لنقل البضائع عبر الحدود".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "مجرد عبور الجندي المصري للحدود خطأ فادح، حيث إنه يوجد سياج بتكلفة المليارات لمنع المتسللين من دخول إسرائيل، وهو سياج بارتفاع 5- 7 أمتار بإجراءات تكنولوجية تمنع عبوره؛ وإذا علم الجيش أن هناك ثغرة في السياج، ولم يتم إغلاقه، أو مراقبته، فهذه مشكلة، أما إذا لم يعلم بها، فهذه مشكلة صعبة بنفس القدر".
"خطيرة وغير مألوفة والنتائج وخيمة"
علق قادة بارزون من جيش الاحتلال على العملية واعتبروها خطيرة وغير مألوفة.
رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو قال إن العملية على الحدود المصرية "أمر خطير وغير مألوف وسيتم التحقيق فيه بشكل كامل"، مشيدا بقيام قوات الاحتلال بقتل الجندي المصري، وفق ما نقله موقع "i24" الإسرائيلي.
أما رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ فقال: "يا له من يوم سبت حزين، لقد أصابنا الفزع بنبأ مقتل جنود الجيش الإسرائيلي عند الحدود المصرية، لا توجد كلمات لوصف الألم والخسارة... سنواصل الدفاع عن الحدود بعزم".
بدوره، أكد وزير الأمن يوآف غالانت، أن عملية الحدود المصرية "انتهت بنتائج وخيمة"، وقال: "يؤلمني موت الجنود الثلاثة في الحادث الذي وقع على الحدود المصرية".
وأضاف: "لقد أجريت تقييما للوضع مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، وسوف يحقق في الحادث كما يجب، كلنا ثقة بجنود وقادة الجيش الذين يواصلون تنفيذ مهامهم بعزم ومثابرة"، وفق قوله.
من جهته، قال رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي: "نحن نحقق في الحادث بشكل شامل ومعمق بالتعاون مع الجيش المصري، وسنستخلص العبر اللازمة، وسيتم فحص التحقيق بدقة فائقة"، مضيفا أن "هذه حادثة خطيرة على الحدود المصرية".
وعقب العملية غير العادية، أجرى هاليفي، تقييما للوضع في لواء "باران" الإقليمي، وسيحقق في سلسلة الأحداث على مدار اليوم مع قائد القيادة الجنوبية اللواء أليعازر توليدانو، قائد الفرقة "80"، اللواء إيتسيك كوهين، وقائد لواء "تيفيل" اللواء إيفي دفرين.
وفي تعليقه على العملية، شدد وزير الأمن الإسرائيلي السابق وأحد أبرز قادة المعارضة لدى الاحتلال، الجنرال بيني غانتس، على "ضرورة التعاون الأمني والاستراتيجي مع مصر لكلا الطرفين والمنطقة بأسرها، في هذا الوقت العصيب"، منبها في تغريدة في صفحته على "تويتر" على أهمية استخلاص الدروس والعبر.
أكثر من 400 عملية تهريب سنويا
من جهته، قال يوآف زيتون المراسل العسكري لصحيفة
يديعوت أحرونوت، إن "العملية أعادت لأذهان الاحتلال ما يسمى فناءه الخلفي على طول الحدود مع مصر، بين رفح وإيلات، وقد تمت إحاطته في العقد الماضي بسياج جديد وهائل مع العديد من أجهزة المراقبة التي تكلف مليارات الشواقل لوقف عمليات التهريب المعقدة والخطيرة إلى أعماق النقب.. وعمليات التهريب تجني أربعة مليارات شيكل سنويا، بمتوسط 400 عملية تهريب مخدرات ناجحة كل عام في المتوسط، ما يعني التهريب يوميا، وأحيانًا مرتين في اليوم".
وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21" أنه "في العامين الماضيين، طورت القيادة الجنوبية للجيش والشرطة من أساليبها القتالية الجديدة في الميدان، ونقل العديد من الجنود إلى القوات السرية، بما في ذلك إنشاء جهاز مشترك جديد بمساعدة جهاز الأمن العام-الشاباك، وعشرات الطائرات بدون طيار، والمركبات الصغيرة والسريعة لمواكبة التضاريس، ما أسفر عن انخفاض التهريب، عقب حشد مروحيات القوات الجوية ووسائل المراقبة من الدبابات، وتخفيف الجيش لتعليمات فتح النار، وسماحه بإطلاقها قرب الحدود الغربية".
وأوضح أن "ما زاد من قلق الاحتلال تزود مجموعات التهريب بوسائل رؤية ليلية متطورة ورشاشات وبنادق، ولذلك فإنه يسمع إطلاق نار متقطع كل صباح تقريباً من سيناء يمرّ عرضيا".