الكتاب: "أمريكا: رحلة الوداع - "قداس للحلم
الأمريكي"- استطلاعات كيركوس"
الكاتب: كريس هيدجيز، مؤلف "الحرب هي القوة التي تعطينا معنى"
ترجمة : حسين صلاح الدين
الناشر: دار الرضا للنشر سوريا- دمشق، الطبعة الأولى- حزيران 2021
(488 صفحة من القطع الكبير)
الهيرووين المشكلة المميتة
يتطرق الكاتب في الفصل الثاني إلى موضوع المخدرات المنتشرة في
المجتمع الأمريكي بصورة كبيرة جدًّا،إ~ذْ تعتبر الجرعات الأفيونية المفرطة السبب
الرئيسي للموت في أمريكا لأولئك الذين تقل أعمارهم عن الخمسين عاماً؛ لقد مات تسعة
وخمسون ألف نسمة في عام 2016 من الجرعات المفرطة أي 161 شخصاً في اليوم الواحد؛
وتستهلك الولايات المتحدة 80% من الأفيون العالمي، وتوجد هنالك 300 مليون وصفة
طبية خطية، ويصرف سنوياً 24 مليارا دولار على مسكنات الألم؛ وتشكل الولايات
المتحدة وكندا وأوروبا الغربية 95% من الاستهلاك العالمي للأفيون، وتستهلك الولايات
المتحدة 83% من الأوكسي كودون العالمي و99% من الأفيون الخاص، هايدر وكودون، وهو
مسكن آلام قوي يوفر المكون الأفيوني في فيكودين (Vicodin) ولورتاب (Lortab)؛
وتكمل البلاد هذا الإدمان "القانوني" بأكثر من 100 مليار دولار سنوياً
على الماريجوانا والكوكائين والميتامفيتاين والهيروئين المحظورة.
ويتناول الكاتب في هذا السياق دور الإطباء عديمي الضمير، الذين
يصرفون أوكسي كونتين (أوكسي كودون) وهو في وصفته الجوهرية هيروثين كسكر نبات في
"معامل الحبوب" متنكرين كعيادات للآلام؛ وقد تكاثرت معامل الحبوب هذه في
جميع أنحاء الولايات المتحدة في أواخر التسعينيات بعد أن طرحت بيردو فارما (Purdue Pharma) العقار في 1996؛ وغالباً ما يتقاضى الأطباء 200 أو 250 دولاراً نقداً
لقاء الزيارات، وكانت الزيارات تدوم لبضع دقائق بحيث يتاح الوقت لكتابة وصفات
أفيونية جديدة.
وقد أصبح الكثير من الأطباء أثرياء جداً فقد خلقوا أمة من
المدمنين، وحينما يصبح المدمنون مدمنين على أوكسي كونتين ينتقلون بكل سهولة إلى
هيروئين أرخص سعراً إلى حد كبير ويُباع في الشوارع، لا سيما وأن الكثيرين منهم
كانوا يمضغون الأقراص أو يسحقونها ليستنشقوها أو يحقنوها للحصول على تخدير عالٍ من
الهيروئين؛ وقد انطلق حوالي 80% من مستعملي الهيروئين بمواد أفيونية بوصفات طبية؛
كما أن شركات التأمين التي لم ترد أن تعوض على المعالجة الطويلة في معالجة الألم
كانت تدفع ثمن الحبوب.
يقول الكاتب كريس هيدجيز:"وقد تم تدفّق المخدر من قبل جحافل من
الباعة النشيطين المرسلين إلى مكاتب الأطباء والمؤتمرات الطبية ومن قبل بيردو (Purdue)،
وهي مصنع للأفيون في كونيكيتكوت تملكها أسرة ساكلر (Sackler)؛
وإن بيردو (Purdue) وشريكها، مخابر أبوت (Abbot Laboratories) نشروا أكذوبة مفادها أن أقل من واحد بالمئة من
المستعملين قد أصبحوا مدمنين؛ وكانت تصدر للأطباء الذين غالباً ما كانت تقدم لهم
الهدايا أو يُدعَون لموائد فخمة كوبونات لقاء وصفات طبية مجانية لمرة واحدة لأوكسي
كونتين.
وكان هذا تكتيكاً عاماً للحصول على مرضى مدمنين للمخدرات؛ وقد صرفت
شركة بيردو (Purdue) ملايين الدولارات وهي تنقل بالطائرات
ممارسي المهن الطبية للمنتجعات؛ "وهناك" كما يكتب سام كوينونز (Sam Quinones) في "أرض الأحلام" الحكايا الحقيقية لوباء أمريكا الأفيوني (Dreamland: The True Tale of Amerca’s Opioid Epidenic) قدمت لهم الشركة عشاءات ونزهات الغولف
ومعالجات في المنتجعات الصحية بينما كانت ترسلهم لندوات حول قضايا طبية يقودها
مختصون كانت الشركة تقترحهم في أغلب الأحيان؛ وقد بلغت مبيعات أوكسي كونتين ثلاثة
مليارات دولار سنوياً، وقد تعرضت شركة بيردو (Purdue) بالفعل في عام
2007 لاتهامات بالغش بالعلامات التجارية أدت إلى حكم بـ600 مليون دولار ضد الشركة
في ذلك الحين ثم الدمار.
انخفضت مبيعات أوكسي كونتين في الولايات المتحدة بنسبة 40% منذ عام
2010 إلى جانب وعي عام بخصائص إدمانية للعقار؛ ورداً من جانب شركة بيردو (Purdue) على انخفاض المبيعات تقوم الآن ببناء أسواق دولية من خلال نفس
الدعاية والتكتيكات الخادعة تماماً كما فعل صناع التبغ في الولايات المتحدة عندما
تراجعت سوقها الأمريكية(ص119)..
في الفصل الرابع يتعرض
الكاتب إلى موضوع السادية وصناعة الحرب التي هي مثل صناعة الدعارة تغذي اليأس
والفقر وانعدام الأمل وهي تصيب حياة الكثيرين من الفتيان، لا سيما الفتيان من
الرجال والنساء الملونين؛ وفي عالم مغلق الأبواب وفيه قليل من الفرص يظهر الجيش (Military) كما تظهر الدعارة بأنه يعرض مخرجاً؛ والذين يقومون بتجنيد المجندين
العسكريين هم أكثر بقليل من المتاجرين بالبشر وهم يرتدون لباساً موحداً، فهم
يستهدفون الضعفاء ويقدمون وعوداً لا يتم الوفاء بها عادة ويدفعون مبالغ نقدية
لليائسين؛ وحالما تقع فريستهم (Prey) في الفخ يقومون، كما يقوم جميع
القوادين والمتاجرين، بإدخالهم في حياة لا تشبه بأي حال من الأحوال الفانتازيا (Fantasy) التي كانوا يروجون لها".
يصبح المقاتلون المسلحون في الحرب والذي يسلمون شخصيتهم الفردية
وعادة طاقتهم من أجل اختيار اخلاقي جزءاً من قطيع من القتلة المتوحشين؛ ويرجع
الجنس في زمن الحرب إلى وظيفته البيولوجية الفجة، ويشار إليه في إيقاعات لحن عسكري (Marching Cadences) وحديث بذيء (Ribald) صغير كالغائط؛
فالتصوير الإباحي والدعارة والاغتصاب واسعة الانتشار (Ubiquitous) في
مناطق الحرب، ففي الحرب ينتفي التعاطف والرحمة والحب وتصبح الكائنات البشرية،
وخاصة النساء، أهدافاً للاستغلال والقتل.
يتعرض الكاتب إلى موضوع السادية وصناعة الحرب التي هي مثل صناعة الدعارة تغذي اليأس والفقر وانعدام الأمل وهي تصيب حياة الكثيرين من الفتيان، لا سيما الفتيان من الرجال والنساء الملونين
يقول الكاتب كريس هيدجيز: "يعتبر العنف وسلعنة الكائنات البشرية
من أجل الربح التعابير الجوهرية للرأسمالية العالمية؛ وإن سادة الشركات لدينا
قوادون، ونحن جميعاً نُهَان ويُحَط من قدرنا ويتم إفقارنا وجعلنا لا حول لنا ولا
قوة لخدمة المطالب القاسية والفاسقة (Lascivious) لنخبة الشركات؛ وعندما يتعبون منا،
وعندما لا نعود مفيدين نُعمَل؛ وإذا قبلت الولايات المتحدة الدعارة على أنها
قانونية ومسموح بها في مجتمع مدني، كما فعلت ألمانيا، فإننا سنتخذ خطوة أكثر
جماعية نحو المزرعة العالمية التي يبنيها الأقوياء؛ وإن النضال ضد الدعارة هو نضال
ضد رأسمالية شركات عديمة الإنسانية والتي تبدأ ولكن لن تنتهي بإخضاع الفتيات
والنساء الفقيرات.
ليس الفقر منشطاً جنسيا (Aphrosidiac)؛ فأولئك اللواتي يبعن أجسادهن من أجل الجنس
إنما يفعلن ذلك من اليأس، وغالباً ما ينتهين بإصابات جسدية إلى جانب تشكيلة من
الأمراض والحالات الطبية ويعانين من صدمة عاطفية قاسية؛ ذلك أن بيع جسدك من أجل
الجنس ليس اختياراً، بل هو عمل العبودية الاقتصادية"(ص 215)..
جماعات الكراهية.. اليمين المتطرف
وفي سياق تحليله لأمراض المجتمع الأمريكي، يتطرق الكاتب في الفصل
الخامس إلى جماعات الكراهية ـ واليمين المتطرف الأمريكي: "يمثل روف العلاقة
التكافلية والمميتة بين اليمين البديل (Alt+right) وما يسمى الضوء البديل (حركة سياسية
يمينية أيضاً)؛ تؤطر حركة "الضوء البديل" الممثلة من قبل أشخاص مثل
ميلويانوبولوس حجمها حول حماية "الحضارة الغربية" و"الثقافة
الغربية" اللتين تتعرضان للهجوم من العولمة التي تسعى إلى تآكل القيم
"التقليدية"، وتتصل حركة "الضوء البديل" من العنصرية المكشوفة
ومعاداة السامية لليمين البديل وإن كانتا تعتنقان الإسلاموفوبيا شديد التطرف (Rabid Islamophobia) (رهاب
الإسلام المتطرف) وشيطنة (Demonization) المهاجرين، تسيطر آراء حركة الضوء
البديل على مواقع إلكترونية مثل (Prison Planet أو Breitbart) التي لديها ملايين القراء؛ وتعطي
اللهجة اللطيفة لحركة الضوء البديل العنصرية والتعصب الأعمى موطئ قدم وقبولاً في
التيار العام، لا سيما مع انتخاب ترامب؛ وهي جذابة للرجال البيض الساخطين أمثال
رؤف الذي يعاني غالباً من إحباط اقتصادي واجتماعي جنسي، إذ إنهم يعتقدون بأنهم
"ضحايا منسيون" لانعدام التصنيع؛ ويسعون لإيجاد روح رفاقية (Comradeship) ومعنى، وربما، وهذا هو الأكثر أهمية، يتوقون لقضية تسمح لهم، أولاً
على الانترنت ومن ثم فيما بعد في أعمال العنف العنصري للتنفيس عن غضبهم وليصبحوا
محاربين ممسوحين ذاتياً في حرب صليبية نبيلة؛ ويعمل أشخاص الضوء البديل كقنوات
ترمي الاتباع الساخطين في أذرع اليمين البديل الأشد تطرفاً، ويبدو أن زيادة صغيرة
في جرائم الكراهية تؤيد هذه النظرية؛ فقد ارتفعت جرائم الكراهية في شيكاغو 20% في
عام 2016 و24% في مدينة نيويورك و50% في فيلادلفيا و62% في واشنطن العاصمة وذلك
حسب تحليل وتوقع جرائم الكراهية المنشورين من قبل مركز دراسات الكراهية والتطرف.
الاستعداد للانهيار في أمريكا.. النخب الحاكمة والرأسمالية
ألقى الحزب الديمقراطي الملامة في هزيمة انتخابات عام 2016 على
التدخل الروسي في الانتخابات والرسائل الإلكترونية المسربة لمدير حملة هيلاري
كلينتون جون بوديستا (John Podesta) وقرار مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي
جيمس كومي (James Comy) قبل التصويت بقليل لإرسال رسالة إلى
الكونغرس تتعلق بمخدم إيميلات هيلاري كلينتون الخاصة؛ وقد رفض الحزب الإقرار
بالسبب الجوهر لهزيمته وهو التخلي عن العمال والإقلاع عن التصنيع والحروب في الشرق
الأوسط والتفاوت الاجتماعي الشاسع، وقد عمل خطاب الحزب بشأن الاهتمام بالطبقة
العاملة والوسطى لمدة ثلاثة عقود من الزمن؛ غير أنه خسر المصداقية بين أولئك الذين
خانهم؛ وإن الفكرة القائلة بأن عشرات الألوف أو مئات الألوف من مؤيدي كلينتون قد
قرؤوا إيميلات بوديستا وحوّلوا أصواتهم لترامب، أو أنهم تأرجحوا من خلال إعلان
كومي للتخلي عن كلينتون فكرة سخيفة؛ وإن الفشل في مواجهة الواقع ينذر بالخطر ليس
فقط للحزب الديمقراطية بل للديمقراطية الأمريكية.
إن التوعك الذي يصيب الأمريكيين توعك عام، فقد تم فصل مئات الملايين
من الناس من خلال الحداثة عن التقاليد والمعتقدات والطقوس وكذلك البنى المجتمعية
التي أبقتهم متجذرين؛ لقد نُحُّوا جانباً على نحو عدائي من قبل الرأسمالية
العالمية على أنهم فائضون عن الحاجة؛ وقد ولَّد هذا الأمر غضباً طائفياً ضد العالم
التكنوقراطي الذي يدينهم؛ ويتم التعبير عن هذا الغضب بأشكال عديدة ـ الأصالة
الوطنية (Nativism) والفاشية الجديدة والجهادية
واليمين المسيحي وميليشيات اليمين البديل وعنف "أنتيفا" الفوضوي؛ وينبغ
الاستياء من نفس الآبار العميقة لليأس؛ ويفاقم هذا اليأس العنصرية والتعصب الأعمى
ورهاب الأجانب ويسمم الخطاب المدني ويمجد الذكورية المفرطة والعنف والشوفينية
(التعصب القومي ـ المترجم)، ويعد بالعودة إلى الماضي الأسطوري.
في نقده للنخب الحاكمة، ونخب الشركات الرأسمالية العملاقة، يقول كريس
هيدجيز: "إن نخب الشركات، بدلاً من أن يقبلوا المسؤولية عن الفوضى العالمية
يحددون الصدام على أنه صدام بين الحضارة الغربية والبلطجية العنصريين وبرابرة
العصور الوسطى، وهم يرون في الوطنيين المتطرفين والفوضويين والأصوليين الدينيين
والجهاديين لا عقلانية مربكة يمكن إخمادها بالقوة فقط، ومع ذلك لا بد لهم من أن
يستوعبوا أن المحرومين من حقوقهم لا يكرهونهم بسبب قيمهم، بل يكرهونهم بسبب
ازدواجيتهم وجشعهم واستخدامهم للعنف الصناعي العشوائي (Indiscriminate) ونفاقهم.
إن التوعك الذي يصيب الأمريكيين توعك عام، فقد تم فصل مئات الملايين من الناس من خلال الحداثة عن التقاليد والمعتقدات والطقوس وكذلك البنى المجتمعية التي أبقتهم متجذرين؛ لقد نُحُّوا جانباً على نحو عدائي من قبل الرأسمالية العالمية على أنهم فائضون عن الحاجة؛ وقد ولَّد هذا الأمر غضباً طائفياً ضد العالم التكنوقراطي الذي يدينهم
وبقدر ما تُهاجَم النخب الحاكمة بقدر ما تتراجع أيضاً إلى ماضٍ مثالي
وتمجيد الذات والجهل المتعمد، وهكذا، وبنفس الأمكنة (في الغرب) حيث نشأت الحداثة
العلمانية (بفتح حرف العين) بأفكار كانت قائمة عالمياً حينئذ ـ الفردية (مقابل
أهمية العلاقات الاجتماعية) وعبادة الكفاءة والانتفاع (مقابل خلق الشرف)، وتطبيع
المصلحة الذاتية ـ الشعب عاد للظهور من جديد كمحفز للتضامن والعمل ضد الأعداء
الحقيقيين والمتخيلين".
غير أن القومية، أكثر من أي وقت مضى، هي تعمية (Mystification) إن
لم تكن احتيالاً خطيراً بوعدها جعل البلد "عظيماً من جديد" وشيطنتها
"للآخر"؛ إنها تخفي الشروط الحقيقية والأصول الحقيقية للمعاناة حتى وهي
تسعى لتكرار بلسم مواجهة المثل العليا ضمن أفق دنيوي قاتم، وتبين عودتها السياسية
أن الامتعاض في هذه الحالة امتعاض الناس الذين يشعرون بأنهم تُرِكوا في الخلف من
قبل الاقتصاد المعولم أو تم تجاهلهم بازدراء من قبل أباطرتها الماكرين والمصفقين
في السياسة والأعمال ووسائل الإعلام ـ يظل ميتافيزيك تخلف العالم الحديث منذ أن
حدده أول مرة (جان جاك روسو)؛ ويمكن أن يكون تعبيره الأكثر تهديداً في عصر الفردية
الفوضى العنيفة للمحرومين من الحقوق الطبيعية والفائضين عن الحاجة"(ص 267)..
وعد أنصار العولمة أن يرفعوا العمال في جميع أنحاء الكوكب إلى الطبقة
الوسطى وأن يغرسوا القيم الديمقراطية والعقلانية العلمية؛ وكانوا يصرون على أن
التوترات الدينية والعرقية سوف يتم تخفيفها أو استئصالها، وسوف تخلق هذه السوق
العالمية مجتمع الأمم السلمي والمزدهر؛ وإن كل ما كان ينبغي أن نفعله هو إخراج
الحكومة من الطريق والركوع أمام مطالب السوق المدفوعة بمثابة الشكل النهائي للتقدم
والعقلانية.
والذي لم يُقَل لنا أبداً كان، أن اللعبة كانت مثبتة، وكنا محكومين
دائماً بالخسارة، وكانت مدننا خالية من التصنيع وانحدرنا إلى التآكل والانحلال،
وقد تدنت الأجور وأصبحت طبقتنا العاملة مفتقرة وأن الشهوة الشرهة للرأسماليين
والإمبرياليين لم تأخذ بالاعتبار أبداً "العوامل المعوقة" ، كمساحة
جغرافية محددة والموارد الطبيعية القابلة للاضمحلال والنظم البيئية الهشة.
اقتصاد الكازينوهات أو لعبة القمار
يتناول الكاتب في الفصل السادس المقامرة ، ذلك أنَّ الحياة في
الولايات المتحدة ما بعد الصناعة أصبحت الكازينوهات مشابهة لاقتصاد السفينة
الدوارة وصناعة خدمات أساسية تبيع الخبرات والأحلام؛ ومع انفجار الفقاعات الاقتصادية
فقد بدا اقتصاد الولايات المتحدة منذ بداية الألفية الجديدة بأنه اقتصاد كازينوهات
أكثر من أن يكون اقتصاد مصانع: إنه مكان تضع فيه نقودك وتشبك أصابعك، حيث يبدو
شراء منزل أو الادخار للتقاعد أو الحصول
على قرض طلبة أو البدء بعمل تجاري أو حتى قبول أي عمل، كمغامرة خطرة أكثر منه
رهانات مؤكدة؛ وفي مثل هذه الأزمنة المضطربة يبدو الجميع في أمريكا مقامرين حتى
عندما لا ينوون أن يكونوا كذلك..
كان يوجد 900 كازينو تجاري في الولايات المتحدة في عام 2017، وذلك
حسب الاتحاد الأمريكي للعب القمار؛ تحقق الكازينوهات أكثر من 27 مليار دولار
سنوياً، ويشكل هذا ربحاً أكثر من صناعة الموسيقى (6.8 مليار دولار) وصناعة السينما
(10.7 مليار دولار) مجتمعين، وهو أكثر من 17.8 مليار دولار تحققها الهيئات الأربع
للرياضة في الولايات المتحدة؛ وتولّد ماكينات لعب القمار والبوكر عن طريق الفيديو
62% على الأقل من إيرادات الكازينوهات، وذلك حسب تقرير الاتحاد الأمريكي للعب
القمار في عام 2013؛ وتقبض الكازينوهات في أيوا وداكوتا الجنوبية ما يزيد عن 90%
من إيراداتها من ماكينات لعب القمار.
يقول الكاتب كريس هيدجيز: ى"خسر الأمريكيون في عام 2016 /116.9/
مليار دولار في لعب القمار؛ يوجد 404 كازينوهات قائمة في البلاد و500 كازينو
عشائري و327 غرفة بطاقات و54 مساراً للسباق و16089 جهازاً للعب موجودة في المتاجر
المفتوحة على الدوام ومحطات الوقود والحانات والمطارات وحتى الأسواق التجارية
الكبيرة؛ ويقدر أن البلاد تنفق ما يقرب من 400 مليار دولار سنوياً بالتراهن غير
المشروع على الألعاب الرياضية، وينفق الأمريكيون 70 مليار دولار أخرى – أو 300
دولار لكل شخص راشد في البلاد ـ على تذاكر اليانصيب، وتعتبر الضرائب المفروضة على
لعب القمار ـ حصّلت الدولة والحكومات المحلية 27.7 مليار دولار في عام 2015 ـ
حيوية للموازنات التي تعاني من انخفاض الإيرادات الضريبية، يكتب ديريك تومبسون في
ذي أتلانتيك: "لقد قدم يانصيب الدولة إيرادات أكثر من ضريبة دخل الدولة
المفروضة على الشركات في 11 من الـ43 ولاية حيث كان اليانصيب مشروعاً، بما في ذلك
ديلاوير ورود أيلاند وداكوتا الجنوبية، يشتري الثلث الأكثر فقراً من السكان نصف
جميع تذاكر اليانصيب"، وتستخدم هذه الضريبة الخفية لتغطية الضرائب التي لم
يعد يدفعها الأغنياء والشركات الكبيرة.
ويضيف الكاتب: "تخدم ماكينات لعب القمار، كما تخدم الألعاب على
الحواسيب والهواتف، التائقين للهرب من العالم الاستعبادي لأعمال غير مهذبة فتشل
المديونية والجمود الاجتماعي ونظاماً سياسياً مختلاً؛ إنها تشكل سلوكنا
والانفجارات المستمرة للتحفيز، إننا نصبح جرذاناً في علبة؛ نسحب العتلات على نحو
مسعور حتى نصبح مدمنين وفي النهاية نصبح مفتونين من الإلزام الذي يحركه
الأدرينالين فينا لتحقيق المكافآت العابرة والمنقطعة، وجد عالم نفس السلوك بي. إف.
سكينر أنه عندما لا يعرف الحمام والجرذان متى وكم سينالان من المكافأة فإنهما
يضغطان على العتلات أو الدواسات بشكل إلزامي؛ وقد استخدم سكيتر ماكينات لعب القمار
كتشبيه لتجاربه (ص 318).
إن مهندسي صناعة لعب القمار الأمريكية ماهرون بتشكيل الإدمان كمهارة
أكبر خمس منتجين للمنتجات الأفيونية في البلاد ـ شركة بيرد وفارما، وشركة جونسون
آند جونسون، وشركة إنسيس للمواد الصيدلانية، وشركة ميلان، وشركة ديبوميد ـ وتكرر
ماكينات لعب القمار، التي تشكل 85% من جميع إيرادات لعب القمار تأثيرات المواد
الأفيونية الدوائية.
كتب روجيه كيلوا عالم الاجتماع الفرنسي، بأن أمراض ثقافة ما تكون
مأسورة في الألعاب التي تولدها الثقافة، وقد سمحت الأشكال القديمة للعب القمار –
الورق أو البوكر – للاعب القمار أن يخاطر ويتخذ قرارات، وحتى، برأيه أو برأيها،
يحقق نوعاً من الفردية أو البطولة على طاولة لعب القمار؛ لقد كان ذلك طريقة
للارتفاع فوق وجود أحادي اللون كان طريقة لتأكيد هوية بديلة.
مدينة أتلانتيك ومصير أمريكا الحضارية
ويتطرق الكاتب في هذا الفصل أيضا إلى دور ترامب في المقامرات و
الكازينيوهات في مدينة أتلانتيك ، إذ عين ترامب جوزيف فايكسل باوم وهو مجرم محكوم
عليه ثلاث مرات وكان مسجوناً بالفعل بسبب متاجرته بالماريجوانا والكوكائين، لإدارة
أسطوله من الطائرات المروحية؛ وقد كانت مصلحة المروحيات تنقل الأغنياء إلى ومن
كازينوهات ترامب؛ يحصل المقامرون الكبار في مدينة أتلانتيك على أن أي شيء يرغبون
به، بدءاً من الجنس وانتهاءً بالكوكائين، وربما كان وصول فايكسل باوم السهل
للمخدرات ميزة هامة، عندما كان فايكسل باوم ينتظر صدور الحكم عليه كتب ترامب إلى
القاضي يقول بأنه كان "مصدر ثقة للمجتمع"؛ وقد تلقى هذا المتاجر حكماً
بثلاث سنوات رغم أنه قضى فقط ثمانية عشر شهراً منها؛ وحكم على المهربين الذين كانوا يسلمون فعلاً
المخدرات لفايكسل باوم بعشرين عاماً؛ وانتقل فايكسل باوم إلى برج ترامب مع صديقته
عندما أطلق سراحه من السجن.
تم بناء كازينو ترامب المسرف ـ وافتتح في عام 1990 بجوقة من قبل
مايكل جاكسون ـ على نحو استثنائي في الإسراف جداً بـ820 مليون دولار في مديونية
غير مستدامة، بما في ذلك إصدار سندات غير مرغوب بها بمبلغ 675 مليون دولار بسعر
فائدة بلغ 14%، قال مارفين ب. روفمان، وهو محلل خاص للكازينوهات لدى مؤسسة
استثمارية في فيلاديلفيا تدعى "جاني مونتغومري سكوت" لوول ستريت جورنال
إن التاج سيحتاج إلى تحقيق 1.2 مليون دولار في اليوم الواحد لمواجهة مبالغ فائدته،
ولم يسبق لأي كازينو أبداً أن حقق ذلك المبلغ الكبير؛ لقد كان التاج محكوماً عليه
بالفشل منذ البداية، وقد اضطر ترامب في الحال أن يخدم أسعار الفائدة بمبلغ 95
مليون دولار سنوياً، وقد كان قادراً على الحصول على قروض جديدة لفترة من الزمن ومن
ثم أفلس؛ لقد كانت لحظة وجيزة وطائشة من التجاوز المجنون؛ إلا أنها كانت جيدة
لعلامته التجارية الضخمة حتى وإن أظهرت افتقاراً بشعاً للحس التجاري، اقترض ترامب
المال بأسعار فائدة عالية وكذب على المنظمين بشأن أسعار الفائدة؛ وقد قلب ترامب
الخسائر على الأسهم وحاملي السندات الذين تم استلابهم بأكثر من 1.5 مليار دولار،
وقد أفلس العديد من المتعهدين والموردين المحليين الذين لم يسدد لهم ترامب أبداً.
كتب رس بوتنر وتشارلز في باغلي في مقالة في نيويورك تايمز بعنوان: "كيف أفلس دونالد تراب كازينوهاته في مدينة أتلانتيك ولكنه ما زال يكسب
الملايين": "ولكن حتى وإن كانت شركاته تعمل على نحو ضعيف إلا أن ترامب
كان بحالة جيدة"، كان يدفع القليل من ماله الخاص ويحول ديونه الشخصية على
الكازينوهات ويجمع الملايين من الدولارات على شكل رواتب وإكراميات ومدفوعات أخرى؛
وكان عبء أعماله الفاشلة يسقط على المستثمرين وآخرين ممن كانوا يراهنون على فطنته
في الأعمال التجارية.
إقرأ أيضا: الحقائق المرعبة لحالة التدهور والتفكك في الإمبراطورية الأمريكية