حذرت منذ مطلع هذا العام في عدة مقالات منذ مطلع العام وبعد تشكيل نتنياهو الذي يهرب إلى الأمام، بالتصعيد والتطبيع.
أزمات الشرق الأوسط تتصدر أجندة بايدن، ومحاباته لإسرائيل تغرقه في رمالها المتحركة، ومخاطر تداعيات اليهودية الدينية، بعد قرار حكومة نتنياهو السادسة، والأكثر تطرفا وفاشية في تاريخ كيان الاحتلال بتفجير حرب سادسة مع قطاع غزة وانتفاضة ثالثة في القدس والضفة الغربية، ولم يفوت جنون حكومته والقمع المتواصل للمسجد الأقصى وباحاته، وخاصة في شهر رمضان واقتحامات قطعان المستوطنين واقتحامات نابلس وجنين وغيرها، والاعتداءات المتواصلة والمتكررة على غزة، وآخرها ما جرى في الأسبوع الماضي من العودة لسياسة الاغتيالات لقيادات سرايا القدس الذراع العسكرية للجهاد الإسلامي، وما أعقبها من استنزاف باغتيال 6 قيادات ميدانية من الصف الأول لسرايا القدس ونساء وأطفال، وارتفاع عدد الشهداء في عملية السهم الواقي إسرائيليا، و«ثأر الأحرار»-على غزة، باستهداف مبان سكنية وحصار وعقاب جماعي بإغلاق المعابر، ووقف إمدادات الغذاء والدواء والفيول لمولدات الكهرباء وسفر المرضى لتلقي العلاج في القدس والضفة والداخل
الفلسطيني المحتل.
والملفت ككل مرة-لا تنديد وشجب، ووصف العدوان بجرائم حرب من الدول العربية المطبعة وغيرها، والقوى الصغرى والكبرى وأمريكا وأوروبا والأمم المتحدة، ما يشجع الاحتلال على المضي في تصعيده وعدوانه. وشن حرب إسرائيل السادسة على غزة منذ عام 2008. وعملية الفرقان إلى معركة «ثأر الأحرار» بشن سرايا القدس رشقات صاروخية أمطرت مستوطنات غلاف وجوار غزة إلى ضواحي تل أبيب، كبرى مدن الاحتلال ومركز المال والأعمال ومقر وزارة الدفاع، مما يربك حياة نصف الإسرائيليين.
يفجر جنون تطرف حكومة نتنياهو السادسة، حربا سادسة وحتى إقليمية وحرب جبهات، وشهدنا تجليات ذلك منذ الأيام الماضية، مدفوعا بتفعيل جنون فاشية التطرف. ومن يتابع سلوك وتصريحات وتباهي نتنياهو وزمرته الحاكمة، يشهد مزيجا من التطرف والفوقية وسوء تقدير الموقف والحسابات الخاطئة.
تؤكد إسرائيل قصف مئات الأهداف في غزة المحاصرة، ومع ذلك، المقاومة تقصف عمق كيان الاحتلال المحتل بحوالي 1100 صاروخ من قطاع غزة في أربعة أيام من الحرب، وصلت لمشارف تل أبيب والقدس وبيت لحم ومستوطنات غلاف غزة. وفي تفاوت كبير، سقط 33 شهيدا، بينهم 10 أطفال، وحوالي 150 جريحا فلسطينيا، مقابل مقتل إسرائيلي في ضواحي تل أبيب وجرح العشرات.
لكن تبقى المفارقة باختلال حسابات وسوء تقدير حكومة أقصى اليمين المتطرفة الخاطئة، بتوقع أن تكون العملية محدودة وقصيرة الأمد، فتم تحييد حركة حماس، وكذلك حرب الساحات والجبهات عن المشاركة بعدم فتح جبهة واستهداف الاحتلال من جنوب لبنان، لكنه سقط في فخ سوء التقدير بتحويل نصف الشعب الإسرائيلي لضحايا القلق والترقب والارتباك واللجوء للملاجئ ،وتعطل الحياة الطبيعية للإسرائيليين الذين صوتوا لليمين ليستعيدوا الأمن والاستقرار الذي لم يحققه ائتلاف بنيت-لابيد. والمفارقة، لا يعيش الإسرائيليون الأمن والاستقرار الموعود من حكومة نتنياهو، ويتذمرون وهم غاضبون في ملاجئهم، حتى بعض وزرائهم لجؤوا للملاجئ ولاحقتهم صواريخ المقاومة.
سيكلف الفشل الاستراتيجي نتنياهو الكثير، وربما تصدع تحالفه الهش إذا تعثر بتحقيق الردع الاستراتيجي والمتبادل، برغم الكلفة الكبيرة بسقوط ضحايا مدنيين بأعداد كبيرة باستهداف مساكنهم، ما يعري وحشية الصهاينة، ويؤكد بشكل موثق ارتكاب آلة القتل الإسرائيلية
جرائم حرب بشكل متعمد، وفرض حصار مطبق وجماعي على القطاع.
والكلفة الكبيرة من تداعيات هذه العملية العسكرية «السهم الواقي» إسرائيليا و«ثأر الأحرار»-فلسطينيا، هي ضرب عقلية القلعة التي تعاني منها إسرائيل وشعبها، بأن العالم لديه موقف سلبي عن اليهود، ويعود ذلك للهولوكوست في التقاليد اليهودية.
كما تتعمق عقدة القلعة بكون إسرائيل المكون الشاذ نظاما وشعبا، وسط محيط عربي ومسلم من المحيط الأطلسي إلى البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي. ومع تعطل حياتهم الطبيعية لدولة صناعية تفاخر أن لديها أقوى جيوش المنطقة، وتحتكر السلاح النووي وإنتاج السلاح المتطور. لكنها تبقى في الذكرى الخامسة والسبعين لقيامها كيانا محتلا، كما بدأت مهددة بلا أمن مستدام، وتتعرض لقصف صاروخي من المقاومة في غزة برغم 17 عاما من حصارها!
والمفارقة بعد كل تلك السنوات، لا يزال
الاحتلال الإسرائيلي يعيش عقلية وواقع القلعة ويفتقد للأمن، برغم كونه كيانا مدججا بالسلاح والتفوق العسكري على جيوش العرب، ويرتكب جرائم حرب مدانة، في ظل صمت وانحياز دولي وعجز وصمت عربيين.
لكن الأكثر استفزازا، الانحياز الغربي المعروف – وعلى رأسهم نظام أمريكا المدافع والرافض حتى إدانة جرائم الاحتلال، بتكرار خطاب خشبي منحاز يرى بعين واحدة ويطالب بالتهدئة في مساواة الضحية مع إجرام الجلاد.، ويستفز الرأي العام ـ، بتأكيد الوقوف ودعم التزامهم بحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها ضد الاعتداءات الإرهابية العشوائية، وتتفق معه أوروبا، وهم يرون بعين واحدة.
في المقابل وكالعادة، تلجأ إسرائيل للوسطاء العرب بالتدخل مرة تلو الأخرى لوقف التصعيد، بعد دفع إسرائيل كلفة كبيرة بقصف تل أبيب وتوسيع عمليات الرد والثأر، لتكرر إسرائيل خرق التزاماتها باغتيالات وجولة حرب جديدة.
والمفارقة، انتخبت حكومة أقصى اليمين المتطرفة من عتاة الصهاينة وحتى «الصهيونية الدينية» على برنامج تحقيق الأمن وسحق اعتداءات الفلسطينيين، وانتقاد ضعف حكومة ائتلاف بنيت-لابيد لفشلها بتوفير الأمن، لتقع حكومة نتنياهو المتطرفة بفخ العجز والفشل والغرور والحسابات الخاطئة وغياب الأمن للإسرائيليين.
في المحصلة النهائية، يتكرر فشل عقلية القلعة في جميع حروب واعتداءات إسرائيل في حروب غير متناظرة لا تحقق الردع.
لن يهنأ نظام الاحتلال بالأمن والسلام، دون حل نهائي وقيام دولة فلسطين، يرافقه ضغط دولي وتجميد التطبيع، وتعرية ومحاسبة إسرائيل على جرائمها لردعها.
القدس العربي