السَّلْسِلةُ: وهي دائرة من حديد ونحوه من الجواهر،
وسَلاسِلُ البَرْق: ما تَسَلْسَل منه في السحاب، واحدته سِلْسِلة، وكذلك سَلاسِل
الرَّمْل..
أستعير اسمها للحكاية المصورة في صندوق الدنيا، والحال إن نجا المرء من الاعتقال ورسف السلاسل الحديدية وقع في هوى السلسلة الدرامية. جاء في محكم التنزيل عن المأتي كتابه بشماله: ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه. قال كعب الأحبار مفسراً: كل حلقة منها قدر حديد الدنيا. وقال معلق تلفزيوني: إنها سلسلة من ثلاثين حلقة يتعاون على صناعتها المئين من الصنّاع، كل حلقة مدتها خمس وأربعون دقيقة. قال معلّق آخر متأولاً: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَ المشاهدون، والمشاهد يسلسل من غير سلسلة مرئية، وقد تحلُّ كرشته محل كرة الحديد التي تربط بسلسلة السجين.
يُحبس المشاهد في سلاسل عدة وليس سلسلة واحدة، فوقته مسفوك. ذكرت أسباب ارتفاع نسبة المصابين بمرض السكر والسمنة عموماً، وعُزيت إلى الرز الذي يؤخذ عن طريق الفم، ولم يذكر الرز الذي يؤخذ عن طريق البصر. أما النصر، فمرض آخر كنّي عنه بالنكسة مرة، وكني بأسماء أخرى مثل حرب تشرين التحريرية، وسواها. وصعد جار كاتب سطور هذا المقال على سطح منزله وأطلق وابلاً من الرصاص احتفالاً بأول رسالة رأفت الهجان عندما كان جاسوساً على العدو، وهي قصة متخيلة وملفقة، وإن المسلسل كان مخدرا بصريا ووجدانيا.
أما سبب تسمية معركة ذات السلاسل باسمها، فقيل لكثرة من سلسل بها من الفرسان، وقيل إنها ماء بأرض جذام. وقد أعلن المعارضون السوريون النصر على النظام أو الشماتة به ودحروه، لكثرة المشاهدين المسلسلين بالقيود الدرامية المشوّقة في مسلسل معروض يعرّض بالرئيس وأخيه رمزاً، وعلى الجهة المقابلة تباهى الموالون بمسلسل سوري نال استحساناً من النقاد، قام فيه ممثل وسيم ومشهور مقام البطل، بلهجة طائفة الرئيس، بالثورة على العثمانيين، فمسلسل بمسلسل، والمشاهد أظلم، والدراما سجال.
يعلم القارئ أنَّ شهر رمضان شهر التقوى والنصر، وأنه شهر الملاحم والجهاد والمعارك الدرامية والبطولات التلفزيونية، وفيه فتح الممثلون والنجوم القلوب على مصارعيها، وله أسلم المشاهدون بحسن التمثيل. وأذكر قبل ربع قرن أنَّ القائد الهمام الذي دوّخ الفرس والروم، حفيد ابن الوهاج، وهو شخصية متخيلة تباهى أنه في معركة "نهاية رجل شجاع" التي دارت بين الحق والباطل، "عبط" نجمة المسلسل خمساً وعشرين عبطة، وانتصر فيها على "أخلاق المجتمع المتخلف" الذي لا يعانق النساء في الشوارع، فالمعركة منذ نشوء السينما وابنها التلفزيون لم تكن مع الفرس ولا مع الروم، إنما هي مع "المجتمع" وأخلاقه الجاهلية، ولن تجد مسلسلا ينقد النظام السياسي الوطني أو العربي أو حتى الغربي إلا رمزاً، فمرضنا في المجتمع المتخلف وليس في السياسة الشريفة!
قرأت مقالاً لناقد سوري معروف يندد فيه بكتّاب الدراما الشامية الذين أساؤوا إلى أخلاق أهل الشام ويغيرون على تقاليد الحارة الشامية ليلا، ووصفهم بالغباء والتفاهة، والحال أنهم أذكياء وشطّار وعيارون، وإنهم يقصدون ذلك إما طلبا للمشاهد الذي لا يرتوي للمحرمات، وإما امتثالا لأوامر المنتجين الحيتان، فكما ضاعت الشام في الواقع والحقيقة كذلك تضيع الشام في الدراما المتخيلة، وهو غزو مقصود على الشام لتدمير أخلاقه كما دمّر اقتصاده.
وذكر الناقد الشامي أنَّ الذين يمثلون الدراما الشامية كتّاب لا صلة لهم بالشام، وإنما هم غزاة وحطّابو ليل، فما هذه أخلاق أهل الشام. وكان يذكر مشهداً لداية وقحة وهي القابلة، عرّت ذات خدر من الشام أمام المشاهدين، واتهمتها بما لا يليق. والحال أن الشام قد غُزيت من الفرس والروم والمغول وسواهم من الغزاة والبزاة، وإن غزاة اليوم مثل غزاة الأمس، وإنهم يتابعون انتصارات الرجل الشجاع الذي ذكرنا في بداية المقال، والذي لم نرَ له نهاية ولشجاعته مثيلاً في الحروب حتى من ربيعة بن مكدم الذي ضرب العرب بشجاعته المثل.
ومن بطولات شهر الملاحم أني قرأت مقالاً لكاتب مصري دافع فيه عن أخطاء مسلسل رسالة الشافعي دفاع البواسل، وكان الممثل الذي مثّل شخصية الشافعي قد تمثّل بأشعار معاصرة لشاعر اسمه أحمد العرجي، وأشعار الشافعي شائعة في الدكاكين والمحال التجارية والباصات، لكنه وقع في تلك الهنة!
فليطب الشاعر نفسا أنّ صنّاع المسلسل اقتبسوا شعرا على البحور العربية، فليست أشعاراً لنزار قباني، ولا لأنسي الحاج، ولا لأميرة الشعر العربي عائشة السيفي التي استخرجتُ اسمها بسنارات البحث من غوغل؛ وكانت فازت أمس بجائزة إمارة الشعر العربي فجلست على عرش الخنساء!
وذكر الكاتب المدافع عن أخطاء مسلسل الشافعي أنّ فيلم طروادة الذي صوّر في هوليود المقدسة وقع في أخطاء مشابهة، حتى أنَّ ساعة براد بيت ظهرت في يده، وعليه يقاس. ويعلم القارئ أنّ طروادة حكاية أسطورية، أما الشافعي، فواحد من الأئمة الأربعة الذين يتعبد بمذهبهم المسلمون، وقال الكاتب: إنها الضرورة الدرامية التي تبيح المحظورات والخضروات، ولم نكن نعرف أنَّ الضرورة الدرامية تجيز الكذب والافتراء في مسلسل "ترجمة" وسيرة ركن الإسلام الرابع.
ومن ذلك أن قذفت أمواج الميديا ساعة على تلفزيون أوروبي لمذيع ناطق بالعربية يجري استبياناً بين جمهور الحلقة التلفزيونية في أوروبا، حول الإفطار العلني في رمضان والدفاع عنه، ولا أعرف دولة عربية تعاقب على الإفطار العلني، وكانت السعودية تزجر عليه وتعاقب في "أيام الجاهلية"، لكنها تابت وأنابت واهتدت مثل أخوات إسرائيل العربيات، وقد تجرى قريباً مسابقات أكل وطعام و"عبطة" في نهار رمضان! فما أكثر عطف الدول العربية على المرضى الذين يعانون من الجوع وأصوات المؤذنين، وكنت أحسب أن شهيتهم تقلٌّ في المرض وأن لهم طعاما خاصا، فكل الشكر للمذيع على اهتمامه بالمسلمين العبط وإنصافهم من حكوماتهم الظالمة التي تجوعهم لكنها ترأف بالمرضى في رمضان.
أيها السادة:
الأمر ليس بالسوء المذكور، فثمة صور إخبارية مبثوثة في أثناء الهدن بين معارك المسلسلات الطاحنة تبشّر بخير، فقد تبادلت الصحف ومواقع التواصل أنباء إقامة رئيس بلدية لندن زينة رمضان بنفسه في أحد شوارع لندن، وعدّوها نصرا للمسلمين العبط!
وسعد المشاهدون المثخنون بالمسلسلات بتولّي مسلم باكستاني رئاسة حكومة أسكتلندا، والملوك العرب الذين يدينون بدين غير الإسلام كثير على قول عبد الله النفيسي والصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين، لكنهم يحبون التواضع وصدقة السر.
وإن كان فاز بالتزكية الحزبية، فلن يفوز مسلم بالانتخاب المباشر، وبثت صحف وتلفزيونات صورة له وهو يصلي في مكتبه إماماً بأهله، وصورة لزوجته بالزيّ الفلسطيني، فطار المشاهدون الصائمون المسلسلون بسلاسل الدراما من الفرح بالنصر والعزة والفخر، ونقلت الأخبار أنَّ القلب الشجاع "بريف هارت" ينوي تحرير أسكتلندا من البحر إلى البحر من الاحتلال البريطاني!
twitter.com/OmarImaromar
أستعير اسمها للحكاية المصورة في صندوق الدنيا، والحال إن نجا المرء من الاعتقال ورسف السلاسل الحديدية وقع في هوى السلسلة الدرامية. جاء في محكم التنزيل عن المأتي كتابه بشماله: ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه. قال كعب الأحبار مفسراً: كل حلقة منها قدر حديد الدنيا. وقال معلق تلفزيوني: إنها سلسلة من ثلاثين حلقة يتعاون على صناعتها المئين من الصنّاع، كل حلقة مدتها خمس وأربعون دقيقة. قال معلّق آخر متأولاً: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَ المشاهدون، والمشاهد يسلسل من غير سلسلة مرئية، وقد تحلُّ كرشته محل كرة الحديد التي تربط بسلسلة السجين.
يُحبس المشاهد في سلاسل عدة وليس سلسلة واحدة، فوقته مسفوك. ذكرت أسباب ارتفاع نسبة المصابين بمرض السكر والسمنة عموماً، وعُزيت إلى الرز الذي يؤخذ عن طريق الفم، ولم يذكر الرز الذي يؤخذ عن طريق البصر. أما النصر، فمرض آخر كنّي عنه بالنكسة مرة، وكني بأسماء أخرى مثل حرب تشرين التحريرية، وسواها. وصعد جار كاتب سطور هذا المقال على سطح منزله وأطلق وابلاً من الرصاص احتفالاً بأول رسالة رأفت الهجان عندما كان جاسوساً على العدو، وهي قصة متخيلة وملفقة، وإن المسلسل كان مخدرا بصريا ووجدانيا.
أما سبب تسمية معركة ذات السلاسل باسمها، فقيل لكثرة من سلسل بها من الفرسان، وقيل إنها ماء بأرض جذام. وقد أعلن المعارضون السوريون النصر على النظام أو الشماتة به ودحروه، لكثرة المشاهدين المسلسلين بالقيود الدرامية المشوّقة في مسلسل معروض يعرّض بالرئيس وأخيه رمزاً، وعلى الجهة المقابلة تباهى الموالون بمسلسل سوري نال استحساناً من النقاد، قام فيه ممثل وسيم ومشهور مقام البطل، بلهجة طائفة الرئيس، بالثورة على العثمانيين، فمسلسل بمسلسل، والمشاهد أظلم، والدراما سجال.
يعلم القارئ أنَّ شهر رمضان شهر التقوى والنصر، وأنه شهر الملاحم والجهاد والمعارك الدرامية والبطولات التلفزيونية، وفيه فتح الممثلون والنجوم القلوب على مصارعيها، وله أسلم المشاهدون بحسن التمثيل. وأذكر قبل ربع قرن أنَّ القائد الهمام الذي دوّخ الفرس والروم، حفيد ابن الوهاج، وهو شخصية متخيلة تباهى أنه في معركة "نهاية رجل شجاع" التي دارت بين الحق والباطل، "عبط" نجمة المسلسل خمساً وعشرين عبطة، وانتصر فيها على "أخلاق المجتمع المتخلف" الذي لا يعانق النساء في الشوارع، فالمعركة منذ نشوء السينما وابنها التلفزيون لم تكن مع الفرس ولا مع الروم، إنما هي مع "المجتمع" وأخلاقه الجاهلية، ولن تجد مسلسلا ينقد النظام السياسي الوطني أو العربي أو حتى الغربي إلا رمزاً، فمرضنا في المجتمع المتخلف وليس في السياسة الشريفة!
قرأت مقالاً لناقد سوري معروف يندد فيه بكتّاب الدراما الشامية الذين أساؤوا إلى أخلاق أهل الشام ويغيرون على تقاليد الحارة الشامية ليلا، ووصفهم بالغباء والتفاهة، والحال أنهم أذكياء وشطّار وعيارون، وإنهم يقصدون ذلك إما طلبا للمشاهد الذي لا يرتوي للمحرمات، وإما امتثالا لأوامر المنتجين الحيتان، فكما ضاعت الشام في الواقع والحقيقة كذلك تضيع الشام في الدراما المتخيلة، وهو غزو مقصود على الشام لتدمير أخلاقه كما دمّر اقتصاده.
وذكر الناقد الشامي أنَّ الذين يمثلون الدراما الشامية كتّاب لا صلة لهم بالشام، وإنما هم غزاة وحطّابو ليل، فما هذه أخلاق أهل الشام. وكان يذكر مشهداً لداية وقحة وهي القابلة، عرّت ذات خدر من الشام أمام المشاهدين، واتهمتها بما لا يليق. والحال أن الشام قد غُزيت من الفرس والروم والمغول وسواهم من الغزاة والبزاة، وإن غزاة اليوم مثل غزاة الأمس، وإنهم يتابعون انتصارات الرجل الشجاع الذي ذكرنا في بداية المقال، والذي لم نرَ له نهاية ولشجاعته مثيلاً في الحروب حتى من ربيعة بن مكدم الذي ضرب العرب بشجاعته المثل.
ومن بطولات شهر الملاحم أني قرأت مقالاً لكاتب مصري دافع فيه عن أخطاء مسلسل رسالة الشافعي دفاع البواسل، وكان الممثل الذي مثّل شخصية الشافعي قد تمثّل بأشعار معاصرة لشاعر اسمه أحمد العرجي، وأشعار الشافعي شائعة في الدكاكين والمحال التجارية والباصات، لكنه وقع في تلك الهنة!
فليطب الشاعر نفسا أنّ صنّاع المسلسل اقتبسوا شعرا على البحور العربية، فليست أشعاراً لنزار قباني، ولا لأنسي الحاج، ولا لأميرة الشعر العربي عائشة السيفي التي استخرجتُ اسمها بسنارات البحث من غوغل؛ وكانت فازت أمس بجائزة إمارة الشعر العربي فجلست على عرش الخنساء!
وذكر الكاتب المدافع عن أخطاء مسلسل الشافعي أنّ فيلم طروادة الذي صوّر في هوليود المقدسة وقع في أخطاء مشابهة، حتى أنَّ ساعة براد بيت ظهرت في يده، وعليه يقاس. ويعلم القارئ أنّ طروادة حكاية أسطورية، أما الشافعي، فواحد من الأئمة الأربعة الذين يتعبد بمذهبهم المسلمون، وقال الكاتب: إنها الضرورة الدرامية التي تبيح المحظورات والخضروات، ولم نكن نعرف أنَّ الضرورة الدرامية تجيز الكذب والافتراء في مسلسل "ترجمة" وسيرة ركن الإسلام الرابع.
ومن ذلك أن قذفت أمواج الميديا ساعة على تلفزيون أوروبي لمذيع ناطق بالعربية يجري استبياناً بين جمهور الحلقة التلفزيونية في أوروبا، حول الإفطار العلني في رمضان والدفاع عنه، ولا أعرف دولة عربية تعاقب على الإفطار العلني، وكانت السعودية تزجر عليه وتعاقب في "أيام الجاهلية"، لكنها تابت وأنابت واهتدت مثل أخوات إسرائيل العربيات، وقد تجرى قريباً مسابقات أكل وطعام و"عبطة" في نهار رمضان! فما أكثر عطف الدول العربية على المرضى الذين يعانون من الجوع وأصوات المؤذنين، وكنت أحسب أن شهيتهم تقلٌّ في المرض وأن لهم طعاما خاصا، فكل الشكر للمذيع على اهتمامه بالمسلمين العبط وإنصافهم من حكوماتهم الظالمة التي تجوعهم لكنها ترأف بالمرضى في رمضان.
أيها السادة:
الأمر ليس بالسوء المذكور، فثمة صور إخبارية مبثوثة في أثناء الهدن بين معارك المسلسلات الطاحنة تبشّر بخير، فقد تبادلت الصحف ومواقع التواصل أنباء إقامة رئيس بلدية لندن زينة رمضان بنفسه في أحد شوارع لندن، وعدّوها نصرا للمسلمين العبط!
وسعد المشاهدون المثخنون بالمسلسلات بتولّي مسلم باكستاني رئاسة حكومة أسكتلندا، والملوك العرب الذين يدينون بدين غير الإسلام كثير على قول عبد الله النفيسي والصحافي الإسرائيلي إيدي كوهين، لكنهم يحبون التواضع وصدقة السر.
وإن كان فاز بالتزكية الحزبية، فلن يفوز مسلم بالانتخاب المباشر، وبثت صحف وتلفزيونات صورة له وهو يصلي في مكتبه إماماً بأهله، وصورة لزوجته بالزيّ الفلسطيني، فطار المشاهدون الصائمون المسلسلون بسلاسل الدراما من الفرح بالنصر والعزة والفخر، ونقلت الأخبار أنَّ القلب الشجاع "بريف هارت" ينوي تحرير أسكتلندا من البحر إلى البحر من الاحتلال البريطاني!
twitter.com/OmarImaromar
شارك
المزيد حول هذا الموضوع
ما بعد الاتفاق الإيراني- السعودي: العودة إلى وستفاليا العربية الإسلامية
22-Mar-23 08:49 PM
المزيد من هذا الكاتب
