قد لا تتذكر إسمها، لكنك من المحتمل جدا أن تكون قد استمعت إلى
تقريعها لبعض الساسة الأوروبيين، والتحفظ على سلوكهم تجاه الدول الأكثر فقرا والتي
تربطها صلات بهم لها علاقة بالحقبة الإستعمارية. إنها رئيسة وزراء
إيطاليا، جورجيا
ميلوني، التي وصلت إلى قمة هرم السلطة التنفيذية في تشرين أول (أكتوبر) الماضي،
والتي تحل ضيفة على العاصمة طرابلس.
انتقاد ميلوني اللاذع جدا للرئيس الفرنسي ماكرون كان صريحا بل فظا
وكشفت فيه قبح السياسة الفرنسية تجاه الدول التي خضعت للاستعمار الفرنسي ولا تزال
تدور في فلكها وتستغل فرنسا ثرواتها الطبيعية أبشع استغلال.
لكن تولي الحكم مسألة أخرى غير الجلوس على مقعد المعارضة أو المراقبة
من خلال عضوية البرلمان، فالدول الأوروبية تعتمد في تعظيم نواتجها المحلية على
التوازن المختل في العلاقة مع المحيط الجغرافي حولها خاصة الدول التي تعتمد في
مداخيلها على بيع سلع أولية ولا تسهم في تغطية استهلاكها المحلي إلا بنسب محدودة،
ومعدلات انكشاف اقتصاداتها كبيرة.
ليبيا بالنسبة لإيطاليا شريك من نوع العلاقة المختلة، إذ تستورد
إيطاليا من ليبيا النفط والغاز وتصدر لها مواد مصنعة، وبرغم تراجع حصة ليبيا في
الواردات الإيطالية من مواد الطاقة، إلا أنها ما تزال نسبيا حيوية، فضلا عن عوامل
أخرى تجعل منها نسبة هامة من ذلك جودة الخام الليبي وقربه من السواحل الإيطالية.
ميلوني سترعى خلال زيارتها لطرابلس اتفاقا سيتم توقيعه بين شركة إيني
والمؤسسة الوطنية للنفط، وهو عقد لاستكشاف الغاز في البر والبحر، والذي يدور حوله
جدل كبير، تلعب المناكفة السياسية في هذا الجدل دورا كبيرا، فمن يعارضون الاتفاق
ينطلقون من عدم شرعية حكومة الوحدة الوطنية وبالتالي بطلان تعاقداتها، ويجنح هؤلاء
وغيرهم من أن الاتفاق قد يكون على حساب المصلحة العامة الليبية، وأنه لن يخلو من
تلاعب باعتبار أن الحكومة متورطة في فساد كبير، كما يعتقد عدد كبير من أعضاء مجلس
النواب.
ميلوني سترعى خلال زيارتها لطرابلس اتفاقا سيتم توقيعه بين شركة إيني والمؤسسة الوطنية للنفط، وهو عقد لاستكشاف الغاز في البر والبحر، والذي يدور حوله جدل كبير، تلعب المناكفة السياسية في هذا الجدل دورا كبيرا،
السؤال هنا هو كيف تقبل الأطراف الدولية، خاصة الغربية وإيطاليا ليست
بعيدة عن فضائها، بتوقيع هذا الاتفاق بين الحكومة الايطالية وشركة إيني وحكومة
الوحدة الوطنية، وقد اعترضت تلك الأطراف على توقيع الأخيرة اتفاقا للتنقيب عن
النفط والغاز في مناطق النفوذ البحري وفقا لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع تركيا،
فكيف تكون حكومة الوحدة الوطنية غير مخولة بالتوقيع مع تركيا لكنها مهيئة للتوقيع
على اتفاق مماثل تقريبا مع شركة إيني الإيطالية؟!
أنا أتحفظ على دخول حكومة الوحدة الوطنية في تعاقدات وشراكات، فالأصل
عندي أن الوضع لا يسمح بالولوج في هكذا مسارات، ونحتاج لوضع أكثر استقرارا على
الصعيد السياسي وانتخاب مجلسا للنواب يختار حكومة جديدة تكون قادرة بكافة المعايير
على الدخول في مثل هذه الاتفاقيات والشراكات.
وما يعنيني في هذه السانحة هو هذا التناقض وهذه الإزدواجية في
المعايير والتي هي مثال متكرر عن تراجع القيم عند الغرب عندما تكون المصالح على
المحك، إذ أن جولة ميلوني في منطقة شمال المتوسط تخدم الاتجاهات والمواقف الغربية
في تأمين مصادر بديلة للنفط والغاز وهي تواجه أزمة حادة جراء الحرب الروسية
الأوكرانية.
الملف الثاني الذي لا يقل أهمية بالنسبة لروما هو الهجرة غير الشرعية
والتي كشفت عوار الساسة الإيطاليين وسوء إدارتهم لهذا الملف، ولا أتصور أن ميلوني
ستأتي بجديد يعظم القيمة الإنسانية ويضع المصالح المادية لإيطاليا ِفي درجة
متأخرة، فكرسي السلطة له قواعده وأحكامه التي كثيرا ما تناقض القيم الإنسانية التي
جعلتها ميلوني مادة أساسية لخطابها السياسي وهي تواجه خصومها الأوروبيين.