نشرت مجلة "
تايم" الأمريكية تقريرا عن الآثار المدمرة التي خلفتها هزتان أرضيتان في
تركيا وسوريا، وقدرت وكالة الرد على الكوارث في تركيا (أفاد) عدد المباني التي انهارت في المناطق المنكوبة من البلاد بحوالي 5.600 بناية، في وقت قال فيه المهندسون المدنيون والمعماريون؛ إن الخسائر المادية كانت ستقل، لو اتبعت الشركات الخاصة وشركات الإعمار المعايير التي وضعتها الحكومة في أعقاب
الزلزال الكبير عام 1999.
وأشارت المجلة إلى أن وقوع تركيا بين عدة حدود صدع من الصفائح الزلزالية والمرتبطة بمحورين ناشطين في شمال وشرق الأناضول، هي حقيقة معروفة، وكانت الهزتان الأرضيتان بدرجة 7.8 و 7.5 على التوالي، في سلسلة من الهزات التي ضربت تركيا في السنوات الأخيرة.
ويقول شونيت توزون، خبير الزلازل المقيم في إزمير، معلقا على الكارثة الأخيرة؛ "إنها ذلك النوع من الهزات التي نتوقع وقوعها منفصلة بـ 10 أو 20 عاما، لكنهما حصلتا في ساعات قليلة الواحدة والأخرى".
وفي بلد تعتبر الهزات الكبيرة مسألة وقت، فلماذا حصل
الدمار بهذه الصورة؟ وفي تشرين الثاني/نوفمبر حذر المهندسون المدنيون من أن البنى التحتية للبلد ليست مهيأة لتحمل هزة كبيرة. فالبنايات القديمة لم تبن على أساس قوانين البناء المقاومة للزلازل. وفي الوقت الذي أخبر فيه خبراء البناء المجلة أن الخطط لبنايات جديدة عادة ما تشتمل على شروط الالتزام بمعايير البناء الجديدة، إلا أن المشرفين على الأرض لا يهتمون بتنفيذها.
وبعد عشرة أعوام من زلزال إزميت الذي قتل فيه أكثر من 17.000 شخص، أعلنت الحكومة عن مؤسسة خاصة للتعامل مع الزلازل "سلطة إدارة الطوارئ والكوارث" (أفاد)، للمساعدة في التعامل مع الكوارث الطبيعية. وتعهدت الحكومة بفرض معايير بناء جديدة وتقوية الأبنية القائمة. وتضمنت الخطة على تصميم مساحات واسعة للإجلاء في حالة الطوارئ. إلا أن سنوات من الازدهار في الإعمار أدت لإلغاء الكثير من خطط التحضير وتحسين الجاهزية للهزات الأرضية. فمناطق الإجلاء تحولت إلى عمارات حسبما نشر الراديو الأمريكي العام عام 2017.
وبنهاية عام 2022، وبعد الهزة الأرضية بدرجة 5.9، حذر اتحاد المهندسين والمعماريين من أن تركيا "فشلت بالتحضير للاحتياجات المطلوبة قبل الهزة". وأضاف الاتحاد أن المشرفين على مواقع البناء "لا يزالون يتعاملون مع المعايير الجديدة على أنها مجرد ورق"، و"من الضروري تصميم البناء والإجراءات وإدارة الإشراف بطريقة صحيحة ودقيقة، من أجل التأكد من سلامة البناء ضد الهزات الأرضية. وفي كل جزء من هذه المعالم الثلاثة لسلامة البناء، فهناك مشاكل خطيرة قانونية وفي الممارسة".
ويقول الدكتور أتش كيت هياموتو، مهندس الإنشاءات في مركز "هيماموتو إنترناشونال"، الذي وصل إلى تركيا لمساعدة المهندسين المحليين بهندسة الزلازل وتقديم الدعم الإنساني؛ إن تركيا عام 1997، أقرت قانونا يقضي باستخدام الخرسانة المرنة، وهي مادة أكثر مرونة في حالة الهزة الأرضية. ويقدر أن بناية واحدة من كل 10 بنايات تلتزم بالقانون، حيث أعيد استخدام البنايات القديمة بدلا من هدمها.
ولكن المهندسين يستطيعون تدعيم البنايات القديمة من خلال التعديل التحديثي، وهي عملية فعالة من ناحية التكلفة بدلا من بناء المبنى من الصفر. إلا أن مياموتو الذي عمل مع البنك الدولي لتدعيم المدارس في تركيا، يرى أن هناك صعوبة في إقناع أصحاب المباني الخاصة لعمل هذا. و "تكلف بمعدل 10- 15% من كلفة الاستبدال" و "يمكن أن تقوم بتعديل تحديثي لثماني بنايات وبكلفة بناء بناية جديدة"، لكن "عملية التعديل التحديثي ضد الزلازل لا يضيف قيمة جديدة على قيمة البناية في السوق".
ويقول توزون؛ إن صناعة الإنشاءات هي مصدر كبير للمال، وهذا يسمح الحكومة حرف النظر عن ممارسات تنظيمية في المواقع. وتؤدي التباينات بين شرق تركيا وغربها دورا. ويقول توزون؛ إن تركيا هي من أكثر الدول تباينا في معدل الدخل من دول منظمة التعاون والتنمية، وبحسب تقرير المنظمة التي يبلغ أعضاؤها 29 دولة، فمنطقة شرق تركيا التي حصل فيها الزلزال، ظلت متأخرة من ناحية الدخل عن غرب تركيا، وهو ما يجعل المنطقة عرضة لتجاوز ممارسات البناء "كفاءة البناء منخفضة مقارنة مع الجزء الغربي من تركيا". ويعلق أستاذ الهندسة المدنية في جامعة بيردو ايهان عرفان أوغلو؛ إن الصور الأولى للهزة تكشف أن البنايات العالية انهارت من جوانبها "مثل لعبة ورق"، مضيفا أن السلطات المحلية لا تطبق القوانين، أو أن المتعهدين على الأرض لا يعرفون طبيعة القوانين المعقدة التي عليهم اتباعها. وبعد عام 1999 حيث قتل العديد من عائلات المتعهدين، وبسبب عدم الفهم كما يقول عرفان أوغلو: "من يضع عائلته في بناية صممت بطريقة خطرة؟ لا أعتقد أن أي إنسان يفعل هذا". ومن أجل منع كوارث كهذه، يجب أن يكون اتباع القوانين هو المفتاح، ويقول عرفان أوغلو؛ إنه مع تعافي المناطق المنكوبة، فإن سكان المدن سيعون أهمية اتباع ممارسات البناء الصحيحة، و"عندما تجرب هزة أو كارثة من أي نوع تصبح أكثر حساسية".
وقال؛ إن سلطات دوزتشي أصبحت أكثر وعيا بعد عام 1999 بمعايير البناء وقوانينه. وعندما تعرضت المنطقة لهزة بدرجة 5.9 عام 2022، لم يحصل ضرر كبير. ويشير عرفان أوغلو إلى تشيلي كنموذج في البناء الذي صمد أمام الزلازل: "هناك الكثير من الأدلة حول أنه يمكن أن يكون فعالا" كما يقول. ويقول توزون؛ إن المهندسين يعرفون أن تغيير البنى التحتية ضروري لمنع انهيار المباني على هذه القاعدة، وبمنطقة تعتبر فيها الهزات الأرضية حتمية ويجب تنفيذها الآن، "الطبيعة تحذرنا" "لو قمنا باتخاذ التحرك المناسب، فستكون خسائرنا أقل في المستقبل".