الأمل العالمي بإنقاذ الصوامع
الأوكرانية الممتلئة بـ20 مليون طن من
القمح والحبوب يكبر يوما ويتلاشى يوما،
والعالم يحبس أنفاسه بانتظار أن تكتمل الصورة وتتحرك السفن من ميناء أوديسا الأوكرانية
وموانئ البحر الأسود، وتنقذ العالم من المجاعة والجوع الذي يلوح في الأفق من أفريقيا إلى دول آسيوية وعربية.
الكل يمنّي النفس أن تنجح
الوساطة الأممية التركية التي وقعت بالحروف الأولى في إسطنبول؛ التي بدورها حققت
انتصارا سياسيا دبلوماسيا ينعكس على كل الاقتصاد العالمي بإنجاز الاتفاق، علما أن
العبرة تبقى في بداية الشحن الفعلي للحبوب بما يرضي كل الأطراف المعنية؛ تفاوضا وتفتيشا
ورغبة في المضي بالإنجاز إلى خواتيمه السعيدة.
إن الحاجة لنجاح وصول القمح إلى إمكانها
اللازمة باتت أمرا لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة إذا ما عدنا إلى أرقام كل من
منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية،
ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة
العالمية، حيث المؤشرات بالغة التعقيد، ولتأكيد خطورة الموقف الغذائي العالمي
نستعرض أخطر وأدق المؤشرات القاتمة:
أولها: قارب
الجوعى إلى المليار إنسان والتقارير تتحدث عن 828 مليون جائع، والزيادة مستمرة منذ
2019 إلى اليوم وآخرها زيادة بحوالي 49 مليون جائع جديد بفعل الحرب وأزمة القمح، في
دول كانت تشكل خزان القمح العالمي لكثير من الدول.
ثانيها: لقد
ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعانون من
الجوع في عام 2020 بعدما بقيت ثابتة نسبيا
منذ عام 2015، حيث واصلت ارتفاعها من 8 في المائة إلى ما يقارب 9.8 في المئة!!
ثالثها: لقد زاد
المعانون من ضعف الأمن الغذائي المعتدل والشديد بـ207 مليون تقريبا، فبعد أن كانت
نسبتهم لا تتجاوز 7 في المائة، هي تتجاوز اليوم 11.7 من سكان العالم، علما أن أكثر
2.93 مليار إنسان باتوا في شبح الخطر الغذائي!!
رابعها: عجز ما
يفوق ثلاثة مليارات نسمة عن تحمّل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2021، أي بزيادة شخص
تقارب 115 مليون إنسان، ما يؤكد آثار تضخم أسعار استهلاك الأغذية؛ نتيجة الآثار
الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والتدابير المتخذة لاحتوائها، والحرب
الروسية الأوكرانية، وما خلفته من أضرار على كل الاقتصاد العالمي الآخذ في التقهقر.
خامسها: يعاني
قرابة 50 مليون طفل دون الخامسة من العمر من الهزال، وهو أحد أشكال سوء التغذية
الأكثر فتكا، ويزيد خطر وفاة الأطفال بما يصل إلى 12 ضعفا. إلى ذلك، هناك 149 مليون
طفل دون الخامسة من العمر يعانون من توقف النمو والتطور بسبب النقص المزمن
للمغذيات الأساسية في أنماطهم الغذائية!!
سادسها: استمر
اتساع الفجوة بين الجنسين على صعيد انعدام الأمن الغذائي في عام 2021، حيث عانت
نسبة تبلغ نحو ثلث النساء في العالم (31 في المائة) من انعدام الأمن الغذائي
المعتدل أو الشديد، مقارنة بنسبة من الرجال (27 في المائة)، ما يمثل فجوة تزيد عن
أربع نقاط مئوية مقارنة بثلاث نقاط مئوية في عام 2020.
الكل بحاجة إلى
بصيص نور في نهاية نفق هذه الحرب، التي استمرارها يعني تفاقم الأزمة إلى أزمات في
كل شيء، وطالما الحرب الجارية في أوكرانيا، التي يشارك فيها اثنان من أكبر البلدان
المنتجة للحبوب (33 في المائة) الأساسية والبذور الزيتية (50 في المائة دوار
الشمس) والأسمدة في العالم (18 في المائة)، ستبقى تُحدث الاختلالات في سلاسل
الإمداد الدولية، وعليه التسبب بارتفاع أسعار الحبوب والأسمدة والطاقة، فضلا عن
الأغذية العلاجية الجاهزة للاستخدام لدى الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية شديد.
ويحدث ذلك في وقت
تعاني فيه سلاسل الإمداد بالفعل من الآثار الضارة لتزايد وتيرة الظواهر المناخية
المتطرفة، لا سيما في البلدان المنخفضة الدخل، ما قد تترتب عنه تداعيات شديدة
الخطورة على الأمن الغذائي والتغذية في العالم. ولا أدل من ذلك مما يجري من أزمة
طاحنة في
لبنان، الذي لا يحتاج لأكثر من 550 ألف طن سنويا من القمح؛ لكن شعبه يذوق
الذل يوميا في الطوابير أمام الأفران. والخشية أن يزداد الأمر قساوة في القابل من
الأيام، حيث الخوف من الصراعات مع اللاجئين على ربطة الخبز، الذي سيؤدي إلى أزمة أكبر
بكثير من أن يتحملها بلد هش الواقع كلبنان، فهل يتحرك المجتمع الدولي بفعالية أكبر
قبل وقوع الأسواء، لا سمح الله؟!
الكل يعلم مدى حساسية نجاح عملية
إنقاذ العالم عبر إنقاذ القمح من الصوامع الأوكرانية، والخوف أن تغرق تواقيع
الأطراف في براثن شياطين التفاصيل، حيث تصريحات الطرفين تتراقص على حافة الهاوية.
وعليه، الكل مدعو إلى دعم
الاتفاق بكل بنوده، حيث الخوف من القادم المجهول بات خطيرا، ولا أدل من كلام
الرئيس ماكرون خلال
منتدى مكرس للأمن الغذائي في الكاميرون، من أن "الحرب ستستمر طويلا، وزعزعة
الاستقرار في سوق الأغذية ستكون حتى أطول.. ولذلك علينا أن نواصل التعامل مع هذه
الأزمة". وأضاف أن "عواقب الحرب لن تختفي بعد ستة أشهر أو 12 أو 18 شهرا"!!
وهنا نسأل: من
لرغيف الفقراء والجوعى في العالم؟ من ينقذ الدول الفقيرة والنامية القابعة تحت
سندان الديون ومطرقة الجوع والتضخم (لبنان، سيرلانكا، زامبيا وغيرها)؟ أليس في
العالم رجل رشيد؟
mmoussa@mees.com