تعاني
مصر من فجوة غذائية، حيث تستورد الدولة ما يزيد عن 65 في المئة من احتياجات السكان الغذائية؛ وتمثل الحبوب نقطة الضعف الكبرى من إجمالي قيمة تلك الفجوة. والفجوة الغذائية تعني زيادة الطلب على المنتجات الغذائية عن معدل إنتاجها محلياً، وكذلك النسبة بين نمو الإنتاج إلى نمو الاستهلاك. وتلك الفجوة الغذائية لا بد لها من علاج من خلال تحقيق الأمن الغذائي، وهو ذلك الوضع الذي تتاح فيه لجميع الناس في جميع الأوقات القدرة المادية والاجتماعية والاقتصادية للحصول على كميات كافية من الطعام الصحي الآمن والمغذي، وتحقق لهم حياة ناشطة وصحية بحسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).
ومن ناحية أخرى، فإن الحل الوقائي المحلي لمنع حدوث تلك الفجوة يلزمه تحقيق الاكتفاء الذاتي، ويعني درجة إمكانية الدولة المصرية لإشباع مواطنيها من إنتاجها الوطني، وهو عبارة عن نسبة كمية الإنتاج إلى كمية الاستهلاك كنسبة مئوية، ويعكس قدرة الإنتاج على مواجهة الاستهلاك لمنتج معين، وإن كانت استراتيجية تحقيق الأمن الغذائي تعتبر هي المجال الأكثر شمولية.
وتتسع الفجوة الغذائية في مصر لتشمل محاصيل:
القمح، والذرة، والأرز، والفول وغيرها؛ وبذلك يكون من الصعب على مصر تحقيق مفهوم الأمن الغذائي، خصوصاً في ظل ارتفاع تكلفة
الزراعة وزيادة الفاقد الناتجين عن استخدام الآلات الزراعية التقليدية القديمة مثل: المنجل والفأس والجرارات الزراعية، في حين أن دولاً أخرى تستخدم الروبوتات وتكنولوجيا المعلومات.
تتسع الفجوة الغذائية في مصر لتشمل محاصيل: القمح، والذرة، والأرز، والفول وغيرها؛ وبذلك يكون من الصعب على مصر تحقيق مفهوم الأمن الغذائي، خصوصاً في ظل ارتفاع تكلفة الزراعة وزيادة الفاقد الناتجين عن استخدام الآلات الزراعية التقليدية القديمة
وأصبحت مصر أكبر مستورد للقمح في العالم
وبالرجوع إلى تقارير "المساحة المحصولية والمساحات المنزرعة في مصر" التي يصدرها الجهاز المركزي للإحصاء، نجد أن مساحة الأرض المخصصة لزراعة القمح في عام 1960 بلغت 25 في المئة من المساحة التي تُزرع في موسم الشتاء، علما بأن عدد سكان مصر وقتها بلغ 26 مليون نسمة. بمرور الوقت تضاعف عدد السكان دون زيادة مماثلة في مساحة الأرض المزروعة بالقمح، فنجد أنه في عام 1990 وصل عدد السكان إلى 51 مليون نسمة في حين أن حجم المساحة المزروعة بالقمح زادت بنسبة طفيفة جدا، وبرز عدم التماثل بين نسبة الزيادة في مساحة الأرض المزروعة بالقمح و الزيادة السكانية، في ظل استراتيجية زراعية تبناها نظام الرئيس المخلوع مبارك قامت على زراعة محاصيل أكثر ربحية من القمح، مثل الفراولة وفواكه أخرى، وتصديرها للخارج، واستخدام عائد التصدير في شراء القمح بدلاً من التوسع في زراعته. وهي استراتيجية تجاهلت التغيرات السياسية في الدول المصدرة للقمح، وجعلت مصر عرضة للتذبذب في سعر القمح.
عقب ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، وتقلد الدكتور محمد مرسي رحمه الله مقعد الرئاسة في عام 2012؛ تبنى برنامجاً زراعياً ركز على سد العجز في
إنتاج القمح، ومن ثم بلغ متوسط الاكتفاء الذاتي من القمح 56,7 في المئة في عام 2012/2013، وانخفض حجم الاستيراد من 9800 طن في عام 2011 ليصل إلى 6471 طناً في عام 2012. ولكن بعد الانقلاب العسكري عام 2013، والتخلي عن مشروع الاكتفاء الذاتي من القمح عاد حجم الاستيراد مجدداً في عام 2014 ليصل إلى 8105 أطنان قمح، وانخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح لتصل إلى 34.5 في المئة في عام 2017.
وفي تقرير نشرته جريدة المال بتاريخ 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021؛ صادر عن مكتب الشؤون الزراعية الأمريكي في القاهرة ورد فيه بيان توقع ارتفاع حجم واردات مصر من القمح في العام 2021/ 2022 إلى نحو 12.4 مليون طن.
تعتبر مصر أكبر مستورد للقمح في العالم حاليا، وكانت المشكلة الخطيرة تكمن في ما ورد بتقرير الجهاز المركزي للإحصاء أن 80 في المئة من واردات مصر من القمح مصدرها خلال 2021 من روسيا وأوكرانيا، وبالتالي فقد تأثرت كثيرا بالحرب الروسية الأوكرانية، وبدأ التفكير في بدائل أخرى متاحة محليا لخلطها بالقمح لإنتاج رغيف
الخبز، ومن هنا كان التفكير في
إضافة البطاطا المنتجة محليا والتي أصبحت مثار اهتمام كبير في الفترة الأخيرة.
80 في المئة من واردات مصر من القمح مصدرها خلال 2021 من روسيا وأوكرانيا، وبالتالي فقد تأثرت كثيرا بالحرب الروسية الأوكرانية، وبدأ التفكير في بدائل أخرى متاحة محليا لخلطها بالقمح لإنتاج رغيف الخبز، ومن هنا كان التفكير في إضافة البطاطا المنتجة
أهمية خبز القمح بالنسبة للمصريين:
يعتبر خبز القمح من أهم السلع الغذائية التي يعتمد عليها المصريون يومياً في الحصول على السعرات الحرارية اللازمة لهم، ويعد
الغذاء الرئيس للطبقات الكادحة ولا يمكنها الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال، ومع تردي أوضاع المواطنين الاقتصادية ظهرت مشكلة أخرى تمثلت في زيادة اعتماد المصريين على الخبز في الحصول على السعرات الحرارية وفي توفير البروتين الضروري لبناء الجسم وللوقاية من أنيميا فقر الدم. ويتراوح استهلاك المواطن من القمح من 150 إلى 180 كيلوجراما سنويا، مع العلم أن المتوسط العالمي يتراوح من 70 إلى 80 كيلوجراما للفرد سنويا بحسب دراسة نشرتها جامعة أكسفورد في عام 2015.
والقمح غذاء صحي، خاصة عند استخدامه على شكل حبوب كاملة، إذ يحتوي الغلاف الخارجي لحبوب القمح على عدد من الفيتامينات والمعادن المختلفة. وتتكون الحبوب نفسها بشكل أساسي من النشا، أي الكربوهيدرات، وما يصل إلى 14 في المئة من البروتينات.
خبز البطاطا والتفكير خارج الصندوق:
ثمرة البطاطا هي الأجزاء التي تؤكل تسمى الدرنات وهي تنمو تحت الأرض ويوجد بها نسب عالية من مضادات الأكسدة التي تعمل على تقوية المناعة ووقاية الجسم من الإصابة بالأمراض المختلفة، كما تقوم بالتخلص من الالتهابات وأمراض النقرس والأمراض الصدرية، وذلك بسبب احتوائها على البيتا كاروتين. وبها نسبة جيدة من الألياف التي تحافظ على صحة الجهاز الهضمي، وتحد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، وتساعد في الحفاظ على الوزن.
ويوجد نوعان من البطاطا هما: البطاطا الصفراء الحلوة وفيها نسبة أعلى من السكريات مقارنة بالنوع الثاني وهو البطاطا البيضاء، وهو النوع المناسب لإضافته لرغيف الخبز في مصر. وبصورة عامة فإن إضافة البطاطا البيضاء ضمن مكونات رغيف الخبز يحتاج إلى اختبارات، وعمل بحوث ميدانية للقابلية من ناحية قبول التذوق لدى المصريين.
ونظرا لأن نسبة البروتين في القمح تبلغ 14 في المئة، وهي أعلى بكثير جدا عنها في البطاطا البيضاء حيث تتراوح نسبة البروتين فيها بين 1 إلى 3 في المئة فقط، فإن الباحث في وزارة قطاع الزراعة صاحب التجربة قد أعلن أنه قد استنبط أنواعا جديدة من البطاطا البيضاء "الهجين" وفيها نسبة أعلى من البروتين، شرط زراعتها في الأراضي الصحراوية جيدة الصرف والتهوية، وقال إنه يتم سلقها أولا قبل إضافتها إلى عجينة الخبز.
يبقى الحل المنطقي غائبا عن الساحة الرسمية بصورة ملفتة للنظر، ويتلخص في إعادة تطبيق استراتيجية الاكتفاء الذاتي من القمح؛ التي بدأها الرئيس محمد مرسي رحمه الله ونجحت بصورة كبيرة في أولى مراحلها
وتلك العملية تسمى "جلتنة النشا"، حتى يمكن خلطها بدقيق القمح المعد لصناعة الخبز، وهو ما قام به الباحث في المعمل وعند التطبيق على نطاق صغير في المخبز، ولكن عند تطبيق الفكرة على نطاق واسع، فإن عملية السلق ستكون مكلفة اقتصاديا ومهدرة للوقت والطاقة، في حين جاءت تصريحات مسؤولين آخرين عن إمكانية تجفيف البطاطا وطحنها، وإضافة الطحين إلى طحين القمح، وهي أيضا عملية معقدة.
مواجهة المشكلة أفضل من الالتفاف حولها:
واضح أنه توجد مشكلة حقيقية في مصر سببها عجز كبير في الإنتاج المحلي من القمح، والغريب أن جميع التصريحات الرسمية تتناول المشكلة من جوانبها الفرعية، بداية من زيادة نسبة النخالة في طحين القمح، أو خلط القمح بالذرة، وهي تجربة ثبت فشلها منذ التسعينيات، أو فكرة إضافة الشعير للقمح، وهي فكرة جيدة ولكن الإشكالية هي ضعف الإنتاج المحلي من الشعير، وأخيرا وردت فكرة إضافة صنف مستحدث من البطاطا البيضاء، ولكن يبدو أن ثمة صعوبات تكنولوجية ظهرت من تباين الآراء حول طرق الإضافة.
ويبقى الحل المنطقي غائبا عن الساحة الرسمية بصورة ملفتة للنظر، ويتلخص في إعادة تطبيق استراتيجية الاكتفاء الذاتي من القمح؛ التي بدأها الرئيس
محمد مرسي رحمه الله ونجحت بصورة كبيرة في أولى مراحلها، وبدا واضحا أنها السبيل الوحيد لمن يرغب في تحقيق الخير لشعب مصر ولمستقبل الوطن.