هناك نهر يندفع غربا من الهضبة الإثيوبية حاملا اسم تكازي، وفور دخوله الأراضي السودانية يصبح اسمه سيتيت، سرعان ما يلتقي ويتلاحم مع نهر عطبرة الذي يأتي أيضا من الهضبة الحبشية، وخلال موسم الفيضان الحالي جاء ستيت هذا بحمولة غير الماء، فخلال الأيام القليلة الماضية تم انتشال عشرات الجثث منه، وتقول السلطات السودانية إن آثار التعذيب القاسي بادية على جميع الضحايا، والذين كان معظمهم موثوقي الأيدي والرجلين، وأكد مراسلون صحفيون شهدوا وقائع انتشال الجثامين أنها تخص أشخاصا من إثنية التغراي، التي يخوض أفرادها حربا ضروسا ضد الحكومة الإثيوبية، وإن هناك قرائن مادية وظرفية تؤكد أن الضحايا وقعوا في أسر الجيش الإثيوبي وتعرضوا من ثم إلى التصفية.
من شن الحرب على التغراي هو "بطل السلام العالمي"، آبي أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية، وفاز بتلك البطولة في أواخر عام 2019 عندما تم منحه جائزة نوبل للسلام، لأنه مد يده إلى معارضي الحكومة وأفرغ السجون من المعتقلين السياسيين، ومد غصن الزيتون إلى ديكتاتور أريتريا أسياسي أفورقي، ثم اتضح أن آبي أحمد هذا من الصنف الذي يتَمَسْكَن حتى يتمكّن، فما أن أحس بأنه وطد دعامات حكمه حتى ركبه الغرور وطفق يبطش بالخصوم، واستهدف على نحو خاص جبهة تحرير تغراي (تي بّي إل إف)، وكانت جريرة الأخيرة أنها رفضت الذوبان في حزب "الازدهار الجديد" الذي أراد به احمد تكوين كتلة جماهيرية صلبة تؤيد حكمه، وحاق غضبه بجبهة التغراي التي هيمنت على المشهد الاثيوبي طوال 27 سنة، عندما أفتت بأنه فقد الشرعية لأنه قام بتأجيل الانتخابات العامة مرتين (كان مقررا أن تجرى في أيار/ مايو ثم تم تأجيلها بذريعة الكورونا إلى آب/ أغسطس 2020، ثم بنفس الذريعة إلى "تاريخ لاحق").
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2020 اجتاحت القوات الإثيوبية إقليم التغراي وارتكبت مجازر بشعة بحق سكانه، وقد وثقت شبكات تلفزة عالمية مرموقة عمليات السحل والقتل بالجملة التي شهدها الإقليم، وكما في الحروب في عصور السيوف والرماح والسهام، فرضت حكومة إثيوبيا حصارا على الإقليم لتجفيف موارده من الغذاء، على أمل أن التجويع سيقود إلى التركيع، فإذا بهجمة تغراوية مرتدة تكشف خور وعوار الجيش الإثيوبي الذي تهاوى أمام ضربات المقاتلين التغراي، الذين وسعوا الحرب لتشمل أقاليم أخرى، فكان أن بدأت حكومة أبي أحمد استخدام سلاح الترويع إلى جانب التجويع، وصارت تقتل أسراها من التغراي وترمي بهم في نهر تكازي ـ سيتيت.
من شن الحرب على التغراي هو "بطل السلام العالمي"، أبي أحمد رئيس الحكومة الإثيوبية، وفاز بتلك البطولة في أواخر عام 2019 عندما تم منحه جائزة نوبل للسلام، لأنه مد يده إلى معارضي الحكومة وأفرغ السجون من المعتقلين السياسيين، ومد غصن الزيتون إلى ديكتاتور اريتريا أسياسي أفورقي، ثم اتضح أن أبي أحمد هذا من الصنف الذي يتَمَسْكَن حتى يتمكّن،
صارت أونغ سان سو تشي زعيمة الرابطة الوطنية للديمقراطية في ميانمار منذ عام 1988، وهو منصب آل إليها بالوراثة من أبيها، وظلت تناهض الحكم العسكري في بلادها، وفازت بذلك بجائزة نوبل للسلام لعام 1991، ثم انتقلت من المعارضة إلى الحكم بأن تولت رئاسة الحكومة في بلادها بالشراكة مع العسكر في عام 2016، وما أن بدأت عمليات إبادة وتشريد مسلمي الروهينغا، حتى أصيبت بطلة السلام هذه بالصمم والبكم، ثم نطقت، ولكن لتبرير تلك العمليات أو التقليل من شأنها وآثارها.
شن شيمون بيريز عندما كان رئيسا للحكومة الإسرائيلية عملية عناقيد الغضب (1996) مستهدفا مركز قوات فيجي الدولية في لبنان فهلك أكثر من مائة شخص خلال دقائق واستمرت العملية 16 يوما واضطر نصف مليون لبناني إلى النزوح عن قراهم، وقبلها وتحديدا في أواخر اربعينات القرن الماضي كان بيريز قائد مليشيا ارتكبت أبشع ألوان التطهير العرقي لإرغام الفلسطينيين على النزوح والهرب إلى دول الجوار، وبيريز هذا وفي مضابط لجنة نوبل بطل للسلام.
وهناك الزعيم الروحي للبوذيين الدلاي لاما الذي فاز بجائزة نوبل للسلام، واتضح أنه ظل يتقاضى راتبا شهريا ضخما من المخابرات المركزية الأمريكية، ولعل ذلك ما منعه من إدانة الحروب التي أشعلتها واشنطن في أفغانستان والعراق، بل كانت حبال الود التي تربطه بغلاة اليمين في بريطانيا والولايات المتحدة وسفاح تشيلي الراحل أوغستو بينوشيه معلومة ومكشوفة (وللتغطية على هذا يزعم أنه ماركسي الهوى).
مبدأ أن "الأعمال بالنيات" الذي تعمل به لجنة جائزة نوبل، تجلى قبل صعود نجم آبي أحمد، في منح جائزة السلام للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وكان ذلك بعد أاشهر قليلة من توليه مهام منصبه، ولم يكن العالم يعرف عنه وقتها سوى أنه خطيب مفوه، وحدث استنكار واسع لمنح الجائزة لشخص لم ينجز شيئا لا على الصعيد المحلي أو الدولي، "بل ربما فقط لأنه ليس جورج دبليو بوش الذي أشعل النيران في العراق وأفغانستان"، وتعللت لجنة نوبل بأن الجائزة ستحفز أوباما على عدم خوض الحروب.
ووزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنغر أيضا بطل للسلام بمعايير "نوبل"، وهو الذي نقل الحرب من جنوب فيتنام إلى شمالها ومن أوصى بقصف هانوي عاصمة فيتنام الشمالية وهو مهندس الانقلاب الدموي على الحكومة المنتخبة في تشيلي عام 1973، وفي عام 2012 فاز الاتحاد الأوروبي "مجتمعا" بجائزة نوبل للسلام رغم أنه "مجتمعا" أكبر من يغذي حروب العالم بالسلاح.. والشواهد كثيرة على أن جائزة نوبل للسلام "أي كلام" كما يقول العوام.
تونس.. الشعب يريد برلمان الشعب
بين "المشروع الإبراهيمي" و"إسرائيل" إلى نهايتها.. أين نحن اليوم؟
دروس أساسية من الخبرة الأفغانية... المواطنة من جديد (65)