في الوقت الذي يقف فيه الفرنسيون بالطوابير بانتظار قميص
الأسطورة ليونيل
ميسي القادم من نادي برشلونة الإسباني إلى ملعب حديقة الأمراء في
باريس، كان
اللبنانيون يواصلون الوقوف في
طوابير من نوع آخر؛ طوابير تنتظر البنزين
والمازوت والكاز والغاز والدواء المفقود إلى حد إقفال المستشفيات وربما موت
المرضى.
في الطوابير الأولى الباريسية تجد متعة الحياة والإقبال
عليها بشغف البقاء والاستئناس بالناس والاستمتاع بأبسط التفاصيل، والتي برأي البعض
تعتبر تافهة. أما في الطوابير البيروتية المشقية فتجد طوابير الذل والمأساة
المفتوحة والموت المحتم القادم والجحيم الموعود، على ما بشر كثير من المسؤولين
قولا وفعلا.
ولا زال مسلسل ذل الطوابير مستمرا، خاصة بعد قرار رفع الدعم
عن المحروقات الذي ضرب الجميع في مقتل، علما أن الاحتياطيات المالية الإلزامية
للبنك المركزي سُحب منها وتم اللعب بأرقامها ولكن بلا خطة واضحة. وكأني بالمسؤولين
يعملون على قاعدة ذلك الأعرابي القائل: "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في
الغيب"، علما أن الغيب المجهول المعلوم في لبنان يحتاج إلى حكومة بالحد
الأدنى كخطوة أولى للعمل لبداية حل يبعث الثقة في الداخل المنهك والذي أضحى على
شفير الموت بكل طبقاته، والخارج المنتظر والمتفرج على المأساة التي تكبر ككرة
الثلج يوميا للوصول إلى الانفجار الاجتماعي الكبير.
وصل ميسي الأسطورة الكروية إلى النادي الباريسي العريق
في صفقة خيالية خلال أيام معدودات بين دولتين كبيرتين في
كرة القدم ومفاوضات بين
ناديين بعيدين جغرافيا، ولم يصل المسؤولون في لبنان لبلورة حكومة إنقاذ أو حكومة
مهمة برغم المبادرات المتتالية؛ إن عبر الفرنسيين المدفوعين أمريكيا أو عبر مبادرة
سيد البرلمان المحنك نبيه بري، وإن عبر بطريرك انطاكيا وسائر المشرق مار بشارة
بطرس الراعي.
ببساطة في المفاوضات الأولى هناك وضوح في الرؤية لدى
القيمين في كلا الناديين لبلوغ الأهداف الإدارية والمالية والدعائية وحتى
الاقتصادية للصفقة، أما الصفقة اللبنانية فباتت تحتاج إلى معجزة بين الأطراف
المتناحرة على وطن بات يقارب الزوال، على حد وصف كثير من أهل الحل والعقد في الغرب،
وإلا أقل الكلام أن لبنان أشبه بالسفينة تيتانيك التي تنتظر الارتطام الكبير الذي
بات على الأبواب، خاصة عندما تسمع تحولات ستنجم بفعل رفع الدعم؛ إن لم يكن اليوم
فغدا.
وللإضاءة، سنورد أسعار عدد من السلع والخدمات الأساسية
بعد رفع الدعم:
السرفيس أو ما يعرف بتكسي الفقراء 25000 ليرة لبنانية، أما
ما يسمى بالفان وهو التاكسي الجماعي بين أحزمة البؤس والعاصمة المنكوبة بعد انفجار
بيروتشيما فقد بلغ 10000 ليرة لبنانية. أما ربطة الخبر، قوت الفقراء والمساكين، فستصل
إلى 12000 ليرة لبنانية، وكيلوغرام من اللحمة سيغدو لمن استطاع إليه سبيلا، فقد
يسعّر بـ250 ألف ليرة لبنانية، وكيلوغرام من الدجاج بحدود 85 ألف ليرة.
أما كارثة الكوارث في الصيف والشتاء فعندما تسمع أن
اشتراك المولد الكهربائي البديل للدولة سيصل إلى مليون و400 ألف ليرة لبنانية،
بفعل حركة أسعار المازوت والبنزين، حيث أن صفيحة البنزين ستصبح بـ360 ألف ليرة
كمرحلة أولية؛ لأن تعافي أسواق النفط عالمي، وارتفاع أسعارها سيجعلها تحلق مع
البورصات وتراقص اللبنانيين في لعبة البيضة والحجر. أما صفيحة المازوت التي أذلت مساءنا
في اختفائها من السوق بسحر ساحر أو احتراف مهرب أو سرقة سارق؛ فقد تصل لحدود 300 ألف
ليرة لبنانية، معلنة موت السهر إلا على الشمع والقناديل في عودة إلى حياة الأجداد.
ويحضرني في المقام قصيدة الراحل الشاعر إلياس أبو شبكة
عندما قال: "واسترجع الكهرباء وكاذبات الغنى"، ولكن رجع لبنان إلى
الوراء مئة عام بفعل التخبط وضياع الدور.
ببساطة إن جميع الأسعار سترتفع، عقب إعلان حاكم المركزي
اللبناني رفع الدعم عن المحروقات، لأن أغلب السلع سعرها مرتبط بكلفة نقلها من
المستودعات إلى المتاجر، الأمر الذي سيؤدي إلى تضخم الأسعار وارتفاعها من 20 إلى
30 في المئة، وصولا إلى التضخم المفرط، وكأني بنا نتوجه قريبا إلى أحد
النموذجين؛ إما الأرجنتيني وهي جنسية الأسطورة ميسي، وإما إلى النموذج الفنزويلي وهو
القريب في أمريكا الجنوبية، مع فارق بسيط أن القرار سيشكل نقطة فصل لمرحلتين؛
الأولى تتبلور مع سحب الكتلة النقدية الفائضة من الليرة اللبنانية، لكن ذلك سيتبخر
ويتحول إلى قنبلة البحث عن الدولار في المرحلة الثانية، حيث لا مورد للعملة
الخضراء ولا مصادر تدعم الباحثين من التجار والمستوردين في بلاد تعيش على
الاستيراد بمعظم حاجياتها.
مبروك
لباريس وطوابيرها المنتظرة للأسطورة ميسي كسفير للفرح الكروي وربما الإنساني، أما
في بيروت الجريحة فإن الحال يبكي على حاله،
ولكن الأمل بلبنان لا ينتهي إذا صدقت النوايا، ولكن لا حياة لمن تنادي في لعبة
المغانم والحصص والمكاسب الفئوية والشخصية والمذهبية.