جرت الاستشارات النيابية الملزمة في بعبدا لتسمية رئيس عتيد للحكومة وافضت إلى وصول الرئيس
نجيب ميقاتي كما توقعنا الأسبوع المنصرم، وخلصت نتائج الاستشارات النيابية إلى: 72 صوتاً لميقاتي، نوّاف سلام صوت واحد، و"لا أحد" 42 صوتا.، ولكن كانت التسمية ملفتة لكثير من المراقبين في الشكل والمضمون، حيث غلفت التسمية بشي عميق من الأسئلة:
أولا: لماذا اختار الفرنسيون ميقاتي للتسمية دون غيره؟ وما هي الضمانات الدولية التي يتحدث عنها دولة الرئيس المكلف في ظل انكفاءة سعودية بعدما غادر السفير وليد البخاري ولم نلمس حتى الساعة حماسة خليجية، وفي ذلك أكثر من إشارة: فهل يسمي الخليج الحكومة القادمة بحكومة حزب الله على غرار حكومة ميقاتي 2011، علما أن الرجل اليوم في مقلب آخر؟
ثانيا: ملفت اتفاق رؤساء الحكومة في اجتماعهم على ميقاتي، ولكن بيان الاجتماع كان غاية في الدقة لما هو المطلوب في المرحلة المقبلة، والذي اختصره الرئيس السنيورة بخطوط حمر للتأليف على رأسها الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني واستكمال تطبيقها، والتمسك بالدستور
اللبناني بعيدا عن البدع والانتهاكات التي أصبحت تخرق الدستور اللبناني، وكذلك في الممارسة الحكومية التي يجب أن تكون مبنية على احترام كامل للنظام الديمقراطي البرلماني، إضافة إلى الالتزام بالدولة اللبنانية ولممارستها لقرارها الحر ولسلطتها على كامل أراضيها، ولأصول وممارسة نظامها القائم على فصل السلطات وتوازنها وتعاونها.
ثالثا: ماذا عن التسمية التي أطلقها حزب الله، وهو الذي على عادته لا يميل إلى التسمية؟ فهل تسمية الميقاتي ستكلفه أن تنسب الحكومة إلى حزب الله إن أبصرت النور، ومن ثم تنسفها بعدم الدعم من كثير من الدول وضمنا الخليج العربي والولايات المتحدة؟ علما أن الرئيس الأمريكي بدأ بلقاء العديد من زعامات المنطقة، وعلى رأسهم الملك الأردني عبد الله الثاني ثم دولة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي. وفي ذلك إشارة إلى أن أمريكا بدأت مجبرة العودة إلى ملفات المنطقة، وتاليا، كيف سيدخل لبنان بوابة التعاطي الأمريكي من الحكومة إلى الترسيم، مرورا بدور حزب الله الذي لم يستسغه الأمريكي في السنوات الأخيرة.
رابعا: لم تسم القوى المسيحية الرئيسية أحد وفي تلكم إشارة إلى أمرين؛ أولهما دخول زمن المزيدات الانتخابية على أبواب شهور للانتخابات النيابية القادمة، وثانيهما يطرح تعديل جوهري وضروري على اتفاق الطائف بضرورة تسمية أي مرشح كان، لأن في ذلك إضفاء الشرعية النيابية والقانونية على التكليف في بلاد ملوك الطوائف.
من هنا تطرح إشكالية كبرى: ماذا لو لم يقترع معظم النواب السنة لانتخاب رئيس الجمهورية المسيحي- الماروني؟ أليس في ذلك مشكلة وطنية كبرى على صيرورة الحكم، علما أن التعديلات على الطائف باتت ضرورة ملحة ضمن السياق الوطني الكامل وبعقلية باردة لا تستثير الطوائف.
وضمن هذه التساؤلات وهذه الشروط جاء كلام الرئيس الميقاتي بين الأمل والحذر، خاصة بعد كلام الوزير باسيل العالي النبرة، حيث كشف ميقاتي أنه لم يتم حتى الآن الحديث عن أسماء الوزراء في الحكومة، لكنه قال: اعتبارا من الاثنين، سنبدأ البحث في موضوع الأسماء مع رئيس وأوضح ميقاتي أن وزيري الداخلية والعدل يجب أن يكونا مستقلَّين تماما لعدم التشكيك بصدقيتنا في إدارة الانتخابات النيابية. وقال: ثمة تفاهم وتعاون مع الرئيس عون لأن الموضوع هو إنقاذ الوطن، واتفقنا على وضع النقاط الخلافية جانبا إلى حين الوصول إلى الصيغة شبه النهائية. ولا أقبل أن يفرض عليَّ أحد وزيرا ولكن لا اسمي وزيرا استفزازيا. وعليه أليس ذلك شبيه بما جرى مع الرؤساء المكلفين سابقا؟
جوهر الحديث أنه منذ استقالة الرئيس دياب إبان الانفجار الإجرامي (بيروتشيما) في الرابع من آب/ أغسطس إلى اليوم لا تزال سياسة التخبط سيدة الموقف، مرورا بتعقيدات التسمية الملغومة وربما المسمومة والتي لا أعتقد أنها ستولد الحكومة المرجوة لوقف الانهيار.