يعلم الجمع ممن ضمَّ مجلسنا أنَّ الغرب سبقنا بأشواط ومراحل، وأنه جعل حواجز بيننا وبين التقدم، والحواجز هي رؤساؤنا، وأنه صبغ العالم بصبغته، فالعملة العظيمة في العالم عملته، فإما دولار وإما يورو، فنحن نوحد الله، وهم يوحدون العملة. والإرهاصات المالية تقول إنَّ العملة الجديدة ستكون البيتكوين، وسيكون المثل الجديد: "اطلب البيتكوين ولو في الصين". وحكّام العالم من وراء الستار يريدون أن نفقد الجاذبية ونتحوّل إلى كائنات إلكترونية في مواقع التواصل مثل أسماك الزينة، ندور حول نواة يختارونها، قد تكون المعدة أو ما تحتها بقليل، وستكون هناك حياة روحية ندور فيها، بروتونات وإلكترونات حول فنان أو بيتكوين.
ولكل شيء عملة وواحدة، فواحدة القدرة هي الحصان والواط، ولها واحدة أخرى، وواحدة الضوء هي اللوكس. وكان لوكس الزمن الجميل امرأة لا نعرف غيرها جميلةً، اسمها فاطمة المغربية نجد صورها على القرطاسية، فهي مثال الجمال، ولم أكن أجدها جميلة، فجمالها جمال وقور، ولم أكن أستجمل ذلك الضبَّ على صدرها، فكأنه ينفخ النار الموقودة. وكان زمناً فيه براءة إلى أن وجدنا جميلات يذبحن بالسيوف وهي مغمدة وليس مثل سيف عنترة في المعركة عندما جرّد سيفه، فتذكر ثغر عبلة المتبسّم.
وواحدة الصورة هي البيكسل، وواحدة الثقل والوزن الإلكتروني هي الكيلوبايت، وواحدة الثقالة هي نيوتن بالمتر المربع، وواحدة المسافة المتر، وآباؤها وأجدادها من الكيلومتر والهكتومتر. والكيلو واحدة عربية حسب الباحث القدير علي فهمي خشيم، فقد ورد في القرآن: ونزداد كيل بعير. وكذلك المتر، نجد في العربية: مترَ الحبل أي مدّه.
وواحدة التيار الكهربائي هي الأمبير، وواحدة الفيض المغناطيسي هي "التسلا"، نسبة إلى اسم عالم صربي كرواتي اسمه نيكولا تسلا، ابن الخالة تسلا، وبرز اسم تسلا مؤخراً مع البيتكوين أيضاً.. والفاراد هي واحدة سعة المكثفات نسبة إلى العالم الإنجليزي مايكل فارادي، وثمة عامل اسمه عامل بلانك، وهو ليس مولاه ولا عبده، العامل رقم، واسمه ثابت بلانك، والمولى في الغرب هو الدولار، وأعجبني معامل صفر الطغيان وسمعته أول مرة من رياض الترك، فسررت به أيّما سرور.
واحدة الصوت هي الديسبل، وصوت الإذاعات العربية عال، يخرم طبلة الأذن، وهي إحدى وسائل التعذيب في السجون، ونعذَّب بها في حياتنا السياسية الصوتية، وفي بيوتنا وفي المساجد، ترجّى أحدهم خطيب المسجد قائلاً: أرجوك اخفض صوتك، إنَّ صوتك العالي يضيّع خطبتك ويؤلم السامعين، فقال: لو خفضت صوتي لنام المصلّون جميعاً مثل أهل الكهف!
انظر إلى
العملات القوية السائدة كلها غربية، الدولار واليورو والبيتكوين. وقد سمّي الدولار باسمه نسبة إلى وادي الفضة في بوهيميا في القرن السادس عشر، وليس باسم جدّه، فلم يكن له جد. والباوند واحدة وزن إنجليزية نزعت إلى العملة البريطانية، والبيزو في الإسبانية تعني الوزن، والليرة من الليبرة، واليوان من الجولة، وإنَّ للباطل جولة، وله يوان سيلقى فيه الذلّ الهوان. وقرأت أنَّ الدرهم والدينار عربيان، ويقول الباحث علي فهمي في كتابه "رحلة الكلمات" إنّ الجنيه أصله من غينيا، واسمه من الغنى.
وقرأت مرة منشوراً ساخراً لباسم يوسف يتشفّق على الملائكة ساخراً منها؛ كيف ستحسب حسنات المؤمنين، ولا يشفق على عشرات الألوف في السجون. وساهم المذكور في قتل رئيس المصريين المنتخب أو اعتقاله، فلعله لا يعرف أنَّ الحسنات يذهبنَّ السيئات والسيئات يذهبن الحسنات. ويدخل المرء بكلمة في النار وبكلمة في الجنة، والجنة عرضها السماوات والأرض، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لكنَّ الظالمين بآيات الله يجحدون، وإنَّ الملائكة لها برنامج لحساب الحسنات والسيئات، ويخلق ما لا تعلمون.
وإنَّ فيروساً صغيراً قد يحرق كل الحسنات، وإنَّ فضيلة واحدة قد تحرق كل السيئات، ثم سررت لشيوع واحدة جديدة في العالم كله، اسمها "الخوارزمية"، نسبة إلى العالم المسلم أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي، الذي اتصل بالمأمون، فعززت وشرفت به.
وأجد وسائل التواصل الاجتماعي تدلني إلى أقربائي وأهلي وسربي وهي تقرأ خوارزمياتي، أو تنبهني إلى فوات منشور لأحد الخوارزميين الأبطال الذين يلونني في الخير، أو ينابذونني الشر.
واقتديت بالحكام العرب الذين ابتدعوا واحدات مثل النكسة، والنكبة، هرباً من الاعتراف بالهزائم، فاخترعت لأصحابي واحدات نقيس بها ما لا يقاس، ونزن بها ما لا يوزن، وأوزانا ومكاييل في العصر الرقمي، وكنا نطفف في الميزان مع أن التطفيف ظلم.
مثل الحبّ، كقولك للحسناء إني أحبّك عشرين قيس ليلى، فتقول: كاذب، لكن كلامك حلو ونقبله.
وابتدعت في السياسة والملك والطغيان واحدة اسمها نيرون، وهو الذي أحرق روما وجلس يعزف كما تقول كتب التاريخ على آلة القانون التي يعزف عليها حكّامنا الأفاضل من غير ألحان. وعليه، وبالتدقيق: يعادل بشار الأسد اثني عشر نيروناً، بعدد المدن التي أحرقها، من غير عزف، لكن العزف لا يتوقف في إعلامه السعيد بالانتصارات على المؤامرة الكونية.. وواحدة "القذافية"، والقذافي يستحق واحدة باسمه لأمور عدّة منها، أنه رئيس دولة غنية، تساحل البحر شمالاً بما يقارب ألفي كيلومتر، ويعيش بها أجدع الناس، وجعلها فقيرة وحسيرة ومنهوبة لأمثال حفتر.
لذلك نقول: إنّ السيسي يعادل ثلاثة قذافي، لأن القذافي على طغيانه وطيشه وخبله كان يكتب، فهو لنا زميل، وله مؤلفات غير الكتاب الأخضر الذي ألّفه له بعض المفكرين، مثل مجموعته القصصية: "القرية القرية الأرض الأرض وانتصار رائد الفضاء". كان المرحوم يحبُّ العناوين الطويلة لكتبه وجمهوريته وعمره الذي قصفه ربه قصفاً، وكان يخطب لساعات، بينما لا يحسن السيسي الكلام باللهجة المصرية. ومؤخراً جعل السيسي العصمة بيد الزوجة الأولى، فذكّرنا بفيلم "الزوجة الثانية" من إنتاج رمسيس نجيب.
طالب السيسي المصريين بسد نهضة مصري على قناة الخصوبة النسلية، والحمد لله أنَّ المصريين مخصبون، فهم ينجبون، وهم نجباء، فهو متضايق من كثرة الإنجاب، ويريد من كل زوجين إنجاب أقل من واحد! وهو ثابت كسري مثل ثابت بلانك، ويجب أن ينسب للسيسي، ونسمي الرقم فكّة السيسي، ولا مولى له، وإن كان فمولاه في واشنطن.
سرَّ كثيرون بالرئيس العربي الفصيح قيس سعيّد، ووزنوه، فوجدوه واحدا على مئة من الثعالبي، وهذا حسن في عصر الحكام الجهلة، ثم تبين لهم أن الحساب غير صحيح، وإنه ثعلب وليس ثعالبياً.
واحدة الخير هي الحسنة، وواحدة الشر هي السيّئة، وأجد واحدة اسمها الشيطان عندما أرى زعماء عربا، وفي رأس الواحد منهم مئة شيطان. وعلمنا أنه يمكن تحويل الصاع إلى أردب والمتر إلى ذراع، والدين إلى دنيا، والتقوى إلى فراخ، كما فعل عمرو خالد، أو إلى أصوات انتخابية وولاء سياسي، فكثيراً ما نجد مفتياً يحوّل ما لله إلى ملك قيصر، وساسة يحاربون بكل ما أوتوا من شياطين التجارة في الدين إلى التجارة بالدين.
هناك واحدات صغيرة مثل أحمد موسى وشريف شحادة، يصرفها الطاغية في وسائل الإعلام فكّة إعلامية للمشاهد وفكاهة.
نسينا واحدة الألم والحزن وتقاس بعدد العيون العمياء من الحزن.
twitter.com/OmarImaromar