إذا كان
بعض المحللين
الإسرائيليين يذهبون إلى أن نتنياهو استغل جائحة كورونا سياسياً من
أجل تفكيك حزب "كاحول- لافان" المنافس له، ومن أجل تملصه من محاكمته في
التهم ذات العيار الثقيل الموجهة له، ومن أجل تجميد الوضع السياسي الإسرائيلي
وإبقائه على ما هو عليه بهدف جرّه إلى انتخابات كنيست رابعة.. إذا كان هؤلاء
المحللون الإسرائيليون ذهبوا إلى ذلك فإني أجزم بأن نتنياهو قد استغل جائحة كورونا
لتعزيز الوجود الاحتلالي الإسرائيلي في
القدس والمسجد
الأقصى، في مقابل تفكيك
الوجود المقدسي الإسلامي العربي
الفلسطيني فيهما على الصعيد الديني والاقتصادي
والصحي والتعليمي والاجتماعي والنفسي والسياسي. ونستطيع أن ندرك ذلك من خلال هذه
الملاحظات المصيرية الهامة:
تحت مبرر محاصرة انتشار كورونا قام الاحتلال الإسرائيلي بفرض إغلاق على كل المحلات التجارية المقدسية في القدس القديمة بخاصة وفي القدس المباركة بعامة، مما شكل ضربة اقتصادية غير مسبوقة لأصحاب كل هذه المحلات التجارية وأسرهم الذين يُعدون بعشرات آلاف المقدسيين والذين يمثلون الطبقة المتوسطة في المجتمع المقدسي، والذين باتوا تحت خط الفقر ويتهددهم الإفلاس ثم الفقر والجوع.
تحت مبرر محاصرة انتشار كورونا قام الاحتلال الإسرائيلي بمنع ما يُعرف بالبسطات للمقدسيين الذين اعتادوا منذ سنوات عرض تجارتهم أمام المارة على عربات في عدة مواقع مشهورة في القدس المباركة. وللعلم فإن هؤلاء التجار يعيشون على الكفاف بناء على ما تبيعه بسطات عرباتهم كل يوم، وهم يمثلون وأسرهم نسبة لا بأس بها من المجتمع المقدسي. وهم الآن في انهيار اقتصادي تام، وقد استهلكوا رؤوس أموالهم المتواضعة جداً على إعالة أسرهم خلال هذه الأسابيع السابقة التي تعطلت فيها بسطاتهم التجارية، وباتوا لا يملكون الحد البسيط من رأس المال الذي قد يمكنهم من استعادة تجاراتهم الشعبية البسيطة ما بعد كورونا.
في مقابل هذا الإنهيار الاقتصادي الذي لحق بأصحاب المحلات التجارية المقدسية، وبأصحاب البسطات التجارية الشعبية من المقدسيين، فإن ضرائب الاحتلال الإسرائيلي وغراماته المالية على اختلاف أسمائها كانت ولا تزال تلاحقهم قبل جائحة كورونا وستشتّد عليهم بعد جائحة كورونا. وهكذا سيجتمع عليهم همُّ الانهيار الاقتصادي، وهمَّ ضرائب وغرامات الاحتلال الإسرائيلي، وهمُّ إعالة أسرهم وقد ضاقت عليهم سُبل الحياة وإنعدمت مصادر العمل والتجارة.
إن من الأخطار المتوقعة التي بدأت تلوح بوادرها، أن يضطر بعض أصحاب المحال التجارية من المقدسيين وخاصة في القدس القديمة تحت ضغوط الفاقة وانسداد الأفق إلى إغلاق محلاتهم التجارية، مما يعني أن تصبح هذه المحلات التجارية في خطر، ومما يعني أن خطر تسريبها إلى جهات احتلالية إسرائيلية سيزداد، ومما يعني أن الطابع المقدسي للقدس القديمة ولأسواقها التاريخية العريقة سيصبح في خطر، ومما يعني أن الدعوة إلى
تهويد القدس المباركة قد تجد لها الفرصة السانحة التي لا تعوّض.
ومما زاد من ويلات جائحة كورونا على الأهل المقدسيين أن الاحتلال الإسرائيلي قد أوقف دور لجان الزكاة والإغاثة في القدس المباركة بحجة محاصرة انتشار كورونا، مما تسبب بانقطاع المساعدات الإغاثية الضرورية إلى المئات من العائلات المقدسية المسحوقة، وباتت تصارع وباء كورونا ووباء الفقر المدقع ووباء الجوع وانسداد الأفق وقلة الحيلة.
الخوف كل الخوف أن يولد كل ذلك لدى المقدسيين الشعور بالوحدة والانقطاع، وكأن لا أحد ينظر إليهم ولا يتواصل معهم، وكأن الاحتلال الإسرائيلي قد استفرد بهم.
الخوف كل الخوف أن يوهن هذا الحال الطارئ الضاغط من دور المؤسسات الأهلية في القدس المباركة، سواء كانت مؤسسات تعليمية أو صحية أو اجتماعية أو نسائية أو أسرية أو شبابية ورياضية.
الخوف كل الخوف أن توهن كل هذه الآثار المقلقة من قوة النسيج الاجتماعي المقدسي ومن صلابة تماسكه وتكافله، ومن سمو معنوياته وإصراره على دور الرباط العبادي في كل بيت من القدس المباركة وفي كل حي منها وفي كل شارع منها.
كلنا متفقون على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني أن المجتمع المقدسي، بداية من تواجده في كل القدس القديمة ثم في الحارات المقدسية اللصيقة بالقدس القديمة حتى آخر بيت من آخر حي مقدسي في كل رحاب القدس المباركة، هو الحامية الأولى والأساس للقدس والمسجد الأقصى المباركين، وكلما قويت إمكانيات صمود هذا المجتمع المقدسي يقوى دوره الذي لا ينافسه عليه أي مسلم أو عربي أو حتى فلسطيني، كحامية أولى وأساس يفوق في دوره اليوم كل جيوش الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني. ولأن المجتمع المقدسي كذلك فواجب على كل مسلم وعربي وفلسطيني في كل الأرض أن يدعم إمكانيات صمود المجتمع المقدسي كي يبقى هو الحامية الأولى والأساس للقدس والمسجد الأقصى، وهكذا تبقى قضية القدس والمسجد الأقصى قضية حية لا تموت حتى يأتي أمر الله تعالى.
ولذلك أنا أقترح على نفسي وعلى كل غيور منا يحب القدس والمسجد الأقصى المباركين على صعيد الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني أن نقف عند هذه المقالة جيدا، وأن نحدد لأنفسنا الدور الواجب الفوري المطلوب لدعم صمود المجتمع المقدسي اقتصادياً وإجتماعيا ونفسياً وتعليمياً وصحياً ومؤسساتيا، قبل أن نعض أصابع الندم أو قبل أن ندخل في تيه التلاوم.
لذلك يلزم الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني، اليوم وليس غداً، السعي الجاد لإقامة صندوق إسلامي عربي فلسطيني لدعم صمود المجتمع المقدسي في كل مقومات صموده المطلوبة.
ويلزم الأهل في الداخل تجديد الهمم وشحذ العزائم ودفع الأرادات لتجيد التواصل الراشد ما بعد مرحلة تقييدات جائحة كورونا مع القدس المباركة، على صعيد القدس القديمة وسائر أسواقها ومحلاتها التجارية وبسطات التجار البسطاء فيها، وعلى صعيد سائر حارات القدس المباركة ودعم حركة الحياة فيها في كل مقوماتها إلى جانب ضرورة تجيدي التواصل اليومي الدائم مع المسجد الأقصى المبارك.