التعاطي مع إطلالات نعمان بن عثمان على شاشة قناة "
ليبيا الأحرار" قبل وأثناء الهجوم على طرابلس تصلح لتشخيص بعض أدواء
الرأي العام الليبي، خاصة المتأرجح مع مواقفه وآرائه وما يسندها من طرائق خاصة لإيصالها للمتابعين.
المشترك بين الفرقاء
والحقيقة أن "ابن عثمان" أسهم في الكشف عن المشترك الذي يجمع شرائح واسعة من كل أنواع الطيف الليبي، وهو غياب الموضوعية وتغليب العاطفة والحكم على الشخص والخطاب بمقدار ما يداعب مشاعرهم ويدعم جبهتهم وينكل بالآخر خصمهم.
فبتطوافه من خانة أنصار سبتمبر مرورا بعملية الكرامة وصولا إلى مناصري فبراير، أظهر ابن عثمان أن جُل، أو ربما كل، من استجاب لخطابه عقليا ووجدانيا من كل هذه التيارات لا يهمه من هو ابن عثمان، وماذا يمثل، وماذا يريد، وما هي مصادر معلوماته ودرجة صدقية ما يقوله، فما يعنيهم أنه في صفهم (سبتمبر، كرامة، فبراير) ويدعم موقفهم ويشفي غليلهم ممن خالفهم.
حسرة أنصار المشير
قرأت مؤخرا منشورا لأحد الإخوة يصف ابن عثمان بالمهرج، وعلق أحدهم على المنشور بقوله إن ابن عثمان لم يكن في نظر صاحب المنشور مهرجا عندما كان داعما للكرامة، فلماذا هو مهرج اليوم؟
وهذه مسألة محورية ونقطة جوهرية توضح ما أذهب إليه في مقالي هذا، وهو أن نعمان كان نجما يتألق في كبد السماء بالنسبة لأنصار سبتمبر وبدرجة أكبر أنصار الكرامة عندما كان يرعد ويزبد، ويهدد ويتوعد، ويسوق الشواهد ويستدعي المعلومات دعما للمشير وللجيش التابع للبرلمان وضد المتشددين وغيرهم من خصوم حفتر وجيشه.
انقلب نعمان على حفتر وجيشه وجبهته
السياسية ووصفه بالمتمرد وبابن الحرام وألهب ظهر حفتر وظهور المتيمين به بسوط لسانه "الذرب" فصار في نظر مشجعي الأمس العميل الأهوج المهرج وغيرها من ألفاظ السب والشتم والتقبيح، ونعمان هو نعمان في استعراض شواهده وسرده للمعلومات وحصرية وخصوصية المصادر وطريقة عرضه لآرائه.
هو هو!!
ما الذي صير ابن عثمان عميلا ومجنونا ومهرجا، والقالب هو هو، والأسلوب هو هو، وطريقة الاستدلال هي هي؟!
شبكة علاقات نعمان هي ذاتها فترة مناصرته لعملية الكرامة وما بعدها، ومجال عمله هو نفسه، ولا مؤشر على أنه انتقل من الموضوعية إلى التهريج ومن الصدق إلى الكذب، فلماذا كان بالأمس حامي حمى الديار واليوم الخائن الغدار؟!
أكرر، للإجابة على السؤال، إن حب نعمان وكرهه، وموالاته وعداوته لا علاقة لها بوثوقية معلوماته ولا صدقيه مواقفه، فالتقدير والإجلال لنعمان لأنه باختصار "معانا وضدهم"، ويبهجنا في الدفاع عن موقفنا ويجعلنا نقفز طربا لنيله من الجبهة المخالفة.
ولاحظ أن المتابعين بشغف لابن عثمان من أنصار الكرامة لم يعيروا اهتماما لتاريخه وانتماءاته وعلاقاته ولم تعني لهم صلاته بأجهزة مخابراتية ـ كما يدعي كثيرون - شيئا وهو في "القبينة" ومرضي عنه، وتذكر هؤلاء أن علاقات ابن عثمان مشبوهة ومعلوماته مفبركة وأن له تاريخا أسود فقط بعد أن أحرق قلوبهم بتحوله للمعسكر الآخر.
ليسوا أحسن حالا
على الضفة الأخرى، يقف من كانت يوما تغلي صدورهم حقدا على ابن عثمان وهو يرفع من أسهم حفتر ويعلي من شأن الكرامة ويسيء للثوار ومن تماهى معهم من المتشددين على قناتي "الحدث" و"العربية"، ولم يترددوا في وصفه بما يزخر به قاموسهم من أوصاف حدية، وبقدرة قادر صار ابن عثمان اليوم، وهو يفضح حفتر، البطل الوطني وقاصم ظهر الجبارين.
وبنفس النهج والطريقة، لم يعد تاريخ ابن عثمان ذي قيمة، ولا ما يأتي به من معلومات محل شك وطعن، ولم يعد لدقة المعلومة، وصدقية الخبر، وصحة المصدر، أي أهمية، فنعمان يبلي بلاء حسنا في سحق الآخر وهذا هو المهم.
ظاهرة المتحدث "الملهم" كابن عثمان وقبله شاكير وحمزة وامطلل، مع الفروق بينهم، تُظهر حالة عدم الأمان الشخصي، وعدم الثقة في النفس وعدم القدرة على تحقيق الارتياح والاطمئنان النفسي ذاتيا والاعتماد المتحدث "اللهلوبة" لرفع المعنويات المنهارة، وهذا تحد يحتاج معالجة لكي نوجد الفرد الواثق القادر على العطاء في مراحل التحول والتغيير المنشود.
أيضا تكشف هذه الظاهرة عن خلل كبير وتقود إلى نتيجة خطيرة وهي أن المجتمع في أغلبه يعاني من مشكلة في التفكير والتعامل مع الأحداث، وتضرب هذه المشكلة في عمق الوعي والاستعداد الفكري والنفسي لتحمل مسؤولية مواجهة الأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد وعبء الانتقال إلى مرحلة الاستقرار البناء، فما دامت استجابة الرأي العام عاطفية بحتة وتحركه نوازع التشفي والانتقام ولا تأخذ الموضوعية والعقلانية حيزا في تفكيره في هذه الأوقات العصيبة فنحن ما نزال بعيدين عن الحل، وقريبا جدا من منزلق أكبر وأزمة أخطر جوهرها فكري وأخلاقي بامتياز.