تساءل الباحث المعروف مصطفى أكيول في مقال نشرته صحيفة"نيويورك تايمز"، عن صمت الحكومات المسلمة عما يحدث لمسلمي الصين، وعدم التعبير عن غضبها.
ويشير أكيول في بداية مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى ما أطلق عنه "الغولاغ" في أثناء الاتحاد السوفييتي، الذي سجن فيه المعارضون، وكشف عنه الكاتب الروسي العظيم ألكسندر سولجيستين في رائعة "أرخبيل الغولاغ" التي نشرها عام 1973.
ويعلق الكاتب قائلا إن "نظام الغولاغ السوفيتي قد انتهى اليوم، إلا أن ديكتاتورية أخرى يحكمها حزب شيوعي تدير سلسلة من السجون التي تعيد ذكريات الغولاغ، وهي أكثر حداثة وتكنولوجيا، لكنها ليست أقل في عبوديتها للبشر".
ويقول أكيول إن "هذه هي معسكرات (إعادة التعليم) التي أنشئت في أقصى غرب إقليم تشينجيانغ، حيث تم سجن حوالي مليون صيني من أجل تثقيفهم، ويجبر المعتقلون في هذه المعسكرات على الاستماع للمحاضرات الأيديولوجية، وترتيل أناشيد تمجد الحزب الشيوعي، وكتابة مقالات تنقد الذات، ويقول الناجون من هذه المعتقلات إنها تقوم على الضبط العسكري والحرمان من النوم والزنازين الانفرادية والضرب والتعذيب".
ويلفت الكاتب إلى أن "الهدف من هذا الاضطهاد كله هو الأقليات المسلمة في الصين، خاصة الإيغور، الأقلية المتحدثة باللغة التركية في إقليم تشينجيانغ، وهي أقلية تتبع التيار الرئيس السني المعتدل في الإسلام، لكن هذا الاعتقاد كاف للتسبب بـ(المرض العقلي) للحزب الشيوعي، الذي تعد أيديولوجيته الأديان كلها، بما فيها المسيحية، رجعية وخرافية، ويجب محوها وتأميمها، ولهذا السبب يذهب الحزب بعيدا في منع المسلمين من إطالة لحاهم، والصوم في رمضان، وإجبارهم على تناول الخنزير واستهلاك الكحول، وكلاهما محرم في الإسلام".
ويورد أكيول نقلا عن الحكومة الصينية، قولها إنها قلقة من زيادة التطرف بين المسلمين الإيغور، مع أن عدد العمليات الإرهابية التي قامت بها حفنة قليلة من الأقلية خلال السنوات الماضية تعد على اصابع اليد، مشيرا إلى أن الهجمات الإرهابية كانت ردا على سنوات من الاضطهاد، بالإضافة إلى استعمار أراضيهم، وتشجيع عرقيات أخرى لاحتلالها.
ويقول الكاتب إن "هذه هي السياسات التي اتبعتها الصين ضد الإيغور، وبهذا التاريخ فإن حملات (مكافحة الإرهاب) الحالية، التي تقوم بها الحكومة، سترتد عكسا، وستعمق من الدائرة الشرسة التي لم تكن العقول الديكتاتورية قادرة على فهمها، ناهيك عن كسرها".
ويتحدث أكيول عن "أمر غريب فيما يحدث للأقلية المسلمة وإعادة التعليم، الأمر الذي يعد هجوما على المسلمين والدين الإسلامي، وهو صمت العالم الإسلامي، وفي الوقت الذي شجبت فيه منظمات حقوق الإنسان السياسة الصينية، واهتمت المنظمات الإعلامية الليبرالية بالموضوع، لم يشجب ما يجري للمسلمين في الصين سوى حفنة من القادة السياسيين المسلمين، مثل أنور إبراهيم ومدير الشؤون الدينية في باكستان نور الحق قادري، فيما انتظرت منظمة التعاون الإسلامي حتى الشهر الماضي لتعبر عن (قلقها) بشأن (التقارير المثيرة للقلق ومعاملتها للمسلمين)".
ويرى الكاتب أن "هذه جهود كلها هزيلة في ضوء الوضع الكئيب الذي يواجهه المسلمون، مقارنة مع الحال لو تعلق الامر بعملية اضطهاد قامت به دولة أخرى، إسرائيل مثلا".
ويتساءل أكيول عن السبب، ولماذا صمت القادة المسلمون، خاصة الذين يحبون الدفاع عن المسلمين المضطهدين، ولماذا اتخذوا موقفا لينا من الصين؟
ويجيب الكاتب قائلا إن هناك ثلاثة أسباب على هذا التساؤل:
السبب الأول: وهو التقارب مع الصين، التي تعد ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وتعد الصين أكبر شريك تجاري لعشرين من 57 دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي، بالإضافة إلى أن مشروع "الحزام والطريق" المسار التجاري الكبير، يقوم على إنشاء بنية تهدف للمرور من معظم دول الشرق الأوسط، ويحمل وعودا تجارية مربحة.
وينوه أكيول إلى أنه في الوقت ذاته لا تتردد الصين في دفع المساعدات كوسيلة لإسكات هذه الدول، ففي تموز/ يوليو 2018 نشرت "ذا غلوبال تايمز" الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني افتتاحية مهمة، أشارت فيها إلى أن الحكومة الصينية يمكنها مساعدة تركيا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي، لكن في حال توقف المسؤولون الأتراك عن "إصدار التصريحات اللامسؤولة عن السياسة الإثنية في تشينجيانغ"، وهذا يعني التوقف عن انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن أنغيلا ميركل كانت تسوق لمساعدة تركيا في حال صححت سجلها في حقوق الإنسان، و"للأسف فقد ثبت أن الجانب المظلم هو الأقوى".
السبب الثاني: هو أن قمع الحكومة الصينية للمسلمين الإيغور يقوم على وعد، وهو أن التخلص من النظام والقانون يتم إعادته من خلال القضاء على الخونة والراديكاليين في داخل المجتمع، و"هذه هي اللغة الديكتاتورية هي التي يفهمها القادة المسلمون الديكتاتوريون كلهم وهي لغتهم".
السبب الثالث: وهو أن معظم المسلمين الذي سيشعرون بالتضامن مع إخوانهم المضطهدين عادة ما يعتقدون أن الذي يقوم بالاضطهاد هو "الغرب"، المعرف بالعواصم الغربية والصهيونية والحضارة المنحلة، وهؤلاء المسلمون، خاصة الإسلاميين منهم، يعتقدون أن على إخوانهم المسلمين الوحدة من أجل مواجهة القوى الغربية، وهو الموقف الذي اتخذه صمويل هانتنغتون ضد التحالف الإسلامي الكونفوشي في مقاله المعروف في مجلة "فورين أفيرز" عام 1993 تحت عنوان "صدام الحضارات".
ويبين الكاتب أنه "بالنسبة للديكتاتوريين والإسلاميين فإن التحالف الكونفوشي الإسلامي جذابا، فالصين تعد نموذجا يتبع من ناحية النمو الاقتصادي الذي تم دون مساعدة غربية ومضايقات بالدعوة لحرية التعبيروحقوق الإنسان، وبالنسبة للمجتمعات المسلمة فإن الأزمة التي يعيشها مسلمو الإيغور هي صيحة تحذير، وهي تظهر ما يحدث للمسلمين عندما تتبنى الحكومات الديكتاتورية الإسلاموفوبيا بصفتها سياسة دولة".
ويفيد أكيول بأن "الإسلاموفوبيا توجد في المجتمعات الغربية أيضا، لكن الصحافة الحرة تقوم بانتقادها، وتقيدها المحاكم، وتضبطها المؤسسات الليبرالية والتقليدية، ويمكن للمسلمين أن يمارسوا دينهم بحرية ويمكنهم دخول البرلمانات والكونغرس".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "بالنسبة للمجتمعات الإسلامية فإن الخيار بين الحرية والديكتاتورية، ويجب ألا يكون صعبا، وفي مناخ الحرية يمكنك ممارسة دينك بأمان وكرامة، أما في ظل الديكتاتورية، مثل الصين، فمصيرك هو معسكرات إعادة التعليم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
موقع روسي: لماذا تغادر الولايات المتحدة الشرق الأوسط؟
جيروزاليم بوست: لماذا يجتذب شرق سوريا اهتمام الجميع؟
NYT: هذا ما يحدث بمعسكرات اعتقال المسلمين الصينية