نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا للصحافية بيل ترو، تقول فيه إن الصحافي المعارض المختفي جمال خاشقجي كان في قلب "جيش على الشبكة العنكبوتية" مؤلف من ناشطين سعوديين، يحاربون المعلومات المضللة في حرب سايبرية، بحسب أصدقاء يخشون أن دعمه كان سببا في استهدافه.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن خاشقجي، الذي اختفى في قنصلية بلاده في إسطنبول قبل أكثر من أسبوعين، تبرع حديثا بـ5 آلاف دولار لـ"جيش النحلة"، وهي حركة معارضة توفر حماية سايبرية للناشطين السعوديين الذين يحتاجون لمنصات آمنة لاستخدامها لرفع صوتهم في مملكة القمع.
وتكشف ترو عن أن الفكرة تعود لصديق خاشقجي عمر عبد العزيز، البالغ من العمر 27 عاما، وهو طالب سعودي ناشط في كندا، يقول إنه كان مستهدفا أيضا للإخفاء، مشيرة إلى أن السعودية تنكر أي علاقة لها بقضية خاشقجي، ولم ترد بشأن عبد العزيز.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذا الكشف جاء وسط تقارير من الخبراء حول زيادة ضخمة في نشاط بعض حسابات "تويتر" الأتوماتيكية الموالية للسعودية منذ اختفاء خاشقجي، مشيرة إلى أن هذه الحسابات الروبوتية، التي يعتقد الناشطون أنها مرتبطة بالنظام، هددت مؤيدي خاشقجي وحاول أصحابها استبدال الوسوم التي تتحدث عن اختفائه بوسوم تأييد تمدح ولي العهد محمد بن سلمان.
وينقل التقرير عن عبدالعزيز، الذي قدم طلب لجوء في كندا، قوله إن النظام قام بالتجسس على هاتفه؛ ولذلك كان يعلم بمشاركة خاشقجي، لافتا إلى أن الأعضاء الآخرين في "جيش النحلة"، وعددهم 600، يعتقدون بأن استهداف خاشقجي جاء بسبب مساعدته لهم.
وأضاف عبد العزيز: "جزء من غضب النظام على جمال هو بسبب عمله على هذا المشروع الذي استهدف الإعلام الاجتماعي، لقد كان يمولنا.. ومنذ عام 2016 بدأت الحكومة السعودية بإنشاء روبوتات استخدمت للدعاية ضدنا على الإنترنت.. وقلت أنا وجمال وعدد من أصدقائنا بأن علينا وقف هذا".
وتورد الكاتبة نقلا عن عبد العزيز، قوله إنه كان مستهدفا لخطة تضييق شبيهة في شهر أيار/ مايو، عندما حاول أشخاص سعوديون كبار استدراجه إلى سفارة بلاده في كندا، وعندما رفض الذهاب فإنه استهدف ببرامج تجسس من خلال بريد إلكتروني تابعت مكالماته، وبعدها أخبر بأن يتوقف عن نشاطه على الإنترنت، مشيرا إلى أنه تم اعتقال شقيقيه الأصغر منه، بالإضافة إلى ثمانية من أصدقائه لتخويفه.
وقال عبد العزيز: "حاولوا أن يدفعوني للذهاب للسفارة السعودية، وعندما رفضت فإنهم قاموا باعتقال أخويّ وأصدقائي، واخترقوا هاتفي، وغيبوا جمال، إنه جنون".
وتذكر الصحيفة أن السعودية كذبت مرارا فيما يتعلق بتغييب خاشقجي، الذي لم يره أحد أو يسمع منه منذ زيارته لقنصلية بلاده في اسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر، لافتة إلى أن التسريبات من المحققين الأتراك تشير إلى أنه عذب بوحشية، وقتل من فريق إعدام مكون من 15 رجلا قاموا بعدها بالتخلص من جسده، فيما لا يزال العالم في انتظار أن ينشر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التسجيلات المزعومة، أو قول ما الذي حصل.
ويستدرك التقرير بأن السعودية، التي تعد أحد أقرب حلفاء الغرب، تتحول بسرعة إلى بلد مارق على مستوى العالم، مشيرا إلى أن عشرات البنوك والاقتصاديين والشركات الإعلامية والسياسيين، بمن فيهم وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، انسحبوا من مؤتمر الاستثمار السعودي، المقرر إقامته الأسبوع القادم، كلما تكشفت الحقائق حول قمع المملكة للمعارضة.
وتنوه ترو إلى أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا قامت بإصدار بيان مشترك، قالت فيه إنها تنظر إلى اختفاء خاشقجي "بخطورة بالغة"، ودعت إلى "تحقيق له مصداقية".
وتقول الصحيفة إن الناشطين يخشون الآن أن يكون خاشقجي قد استهدف بسبب انضمامه لجيش النحلة في محاولة لدمج المعارضة، مشيرة إلى أن خاشقجي أعلن في 21 أيلول/ سبتمبر عن دعمه بشكل غير مباشر، مستخدما أول هاشتاغ تجريبي لجيش النحلة، فغرد قائلا: "ماذا تعرف عن النحل.. يحبون بلدهم، ويدافعون عنه في الحقيقة والحقوق"، وحصلت التغريدة على إعجاب وتم إعادة تغريدها 1000 مرة.
وينقل التقرير عن عبد العزيز، قوله: "نشر كثيرا من المقالات الناقدة في الصحف، لكن فقط عندما بدأنا بتنظيم المعارضة غضب (النظام)"، وأضاف أنه لم يتحدث مع أهله منذ آب/ أغسطس؛ لأن شقيقيه الأصغر منه تم اعتقالهما وتعذيبهما لأنه رفض أن يتخلى عن مشروع النحلة.
وقال عبد العزيز إنه لا يعرف ماذا يحصل مع أهله في السعودية، وأيده زميله عبدالعزيز المؤيد، وهو معارض سعودي آخر في المنفى، الذي قال إن النظام يخشى أن يعمل الناس معا، وأوضح المؤيد بأن "جيش النحلة" صمم ليوفر منصة آمنة لمساعدة الناس الذين يعيشون في ظل أنظمة قمعية، مثل السعودية، لأن يقولوا رأيهم.
وتفيد الكاتبة بأن الإعلام التقليدي في السعودية مقيد بما تسمح به السلطات، والإعلام الاجتماعي هو أحد المجالات القليلة التي يمكن للناس أن يتحدثوا من خلالها، أو يقرأوا عليها ما يخالف ما يقوله النظام.
وتنقل الصحيفة عن المؤيد، قوله: "إن كتب الناس أي رأي أو معلومة على (تويتر) فإن الحكومة تعرفهم حتى لو استخدموا اسما مستعارا"، فيما أعطى جيش النحلة الناس "بديلا آمنا"، من خلال تعليمهم كيف يستخدمون المتصفحات المشفرة والشبكات شبه الخاصة "في بي أن"، وأضاف: "نعطيهم أرقام هواتف ليستطيعوا تفعيل حساب (تويتر) مجهول، وبفعل هذا أعطينا الناشطين السعوديين طريقة آمنة للتعبير عن أنفسهم".
ويبين التقرير أنه في الوثت الذي زاد فيه نشاط المعارضين على الإنترنت، فإن النشاط المؤيد للنظام الذي اشترى برامج لإنشاء "جيوش" من الروبوتات زاد، بحسب أستاذ التاريخ المتخصص في شؤون الخليج وشبه الجزيرة العربية في جامعة إكستر مارك أوين جونز.
وتورد ترو نقلا عن جونز، الذي راقب الروبوتات السعودية لمدة عامين، قوله إنه شاهد ارتفاعا مفاجئا لتأييد النظام على "تويتر"، وإنشاء حسابات وهمية منذ اختفاء خاشقجي، وأضاف: "كان هناك ارتفاع مفاجئ في تشرين الأول/ أكتوبر في حسابات الروبوتات، واستخدام الهاشتاغات التي تمدح ولي العهد، إنه أمر سخيف.. وكانت في بعض الأيام هناك عشرات أو آلاف التغريدات من الروبوتات والحسابات الكاذبة باللغة العربية".
وتابع جونز قائلا إن "الهاشتاغات التي أعلنت (خطف) خاشقجي اختفت من قائمة الهاشتاغات الأكثر شيوعا في السعودية بعد ساعات قليلة، ما يدل على أن جيشا من الحسابات الكاذبة عمل على دفنها.. وأخذت مكانها هاشتاغات فارغة".
وبحسب الصحيفة، فإن أحد تلك الهاشتاغات كان "اختطاف النمل والصراصير"، التي يعتقد ناشطو جيش النحلة بأنها صممت بتعمد لتختلط الأمور على خوارزميات "تويتر" ولتخويف الناشطين، فباللغة العربية كانت قريبة جدا من الهاشتاغات الأصلية "اختطاف جمال خاشقجي"، وبدأ يزيد تداولها بسرعة في السعودية، فيما قال الناشطون إن الحسابات الوهمية التي استخدمت الهاشتاغ كانت تغرد بها مصحوبة بتهديدات عنيفة وصور تعذيب، استهدفت تخويف الناس من التغريد عن خاشقجي.
ويفيد التقرير بأن الدكتور جونز يعتقد بأن بعض المؤسسات السعودية تقف خلف خلق حسابات أوتوماتيكية، وأنها اشترت برامج لفعل ذلك، مشيرا إلى أن إحدى تلك المؤسسات هي "سعودي 24"، وهي مؤسسة إخبارية سعودية تتدعي أنها تحظى بملايين المتابعين على "تويتر" حتى تم إيقافها في "تويتر" يوم الخميس.
وتشير الكاتبة إلى أنه بمتابعة البيانات الوصفية من الروبوتات فإن جونز تتبع تلك الحسابات إلى مبرمج مصري من الاسكندرية، اسمه محمد صالح، الذي يعلن عن برامج مصممة لإنشاء حسابات "تويتر" بشكل أوتوماتيكي.
وتكشف الصحيفة عن أن صفحة صالح، التي تحمل روابط لحساب "تويتر" الخاص بـ"سعودي 24" ، أعلنت عن برامج تسمح بتشغيل عشرات المواقع أوتوماتيكيا، وجعلها تظهر أنها لوكالات أنباء ذات مصداقية.
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى أن هناك كثيرا من هذه الحسابات كانت خلف تغريدات تحاول إغراق أي انتقاد للسعودية، من خلال الثناء على ولي العهد، ونشرت مواد تنزع المصداقية عن خاشقجي، بالقول إنه خائن وإسلامي وعضو في الإخوان المسلمين.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
WP: تسجيلات تكشف خططا سعودية مرعبة لقمع المعارضين
NYT: ما أثر اختفاء خاشقجي على المعارضين السعوديين؟
إيكونوميست: القمع في السعودية يصل لمستوى جديد.. كيف؟