نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها بن هبارد، يقول فيه إنه في الوقت الذي كانت فيه امرأة سعودية تقود سيارتها في الإمارات أوقفتها الشرطة، ووضعتها على طائرتها، وسفرتها إلى السعودية، حيث أودعت السجن.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه عندما رفض طالب سعودي في كندا التوقف عن تسجيل أشرطة فيديو ينتقد فيها المملكة، ويحملها على "يوتيوب" تم سجن اثنين من إخوته في السعودية.
ويعلق هبارد قائلا: "لذلك عندما اختفى الصحافي السعودي الشهير جمال خاشقجي بعد زيارته لقنصلية بلاده في اسطنبول، لم يكن ذلك مفاجئا للمعارضين الذين يعيشون في الخارج، حتى قال المسؤولون الأتراك بأنهم يعتقدون أنه تم اغتيال خاشقجي".
وتجد الصحيفة أنه "حتى في بلد استخدم الترغيب والترهيب للسيطرة على المعارضة، فإن احتمال أن يكون ذلك البلد قام بقتل كاتب معارض معروف في بلد أجنبي يمثل تصعيدا مذهلا".
ويلفت التقرير إلى أنه في وقت حاول فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الدفع برؤيته لتحديث السعودية، فإنه أظهرعدم تقبل للنقد بشكل متزايد، وسجن الناشطات المناديات بحقوق المرأة، وسجن رجال الأعمال ومنافسيه من العائلة المالكة، بالإضافة إلى أنه مد يده إلى خارج الدولة ليبقي المغتربين السعوديين خلفه، ورفع من ثمن الانتقاد حتى في البلدان الأجنبية.
ويقول الكاتب إن ما حصل لخاشقجي، الذي لم ير منذ أن دخل قنصلية بلاده يوم الثلاثاء الماضي، لا يزال غامضا، مشيرا إلى قول المسؤولين الأتراك إن خاشقجي قتل على يد عملاء سعوديين وتم تقطيع جسده، إلا أن المسؤولين السعوديين ينكرون ذلك، ويقولون إن خاشقجي غادر القنصلية بعد أن وصلها بقليل.
وتستدرك الصحيفة بأن المعارضين السعوديين في الخارج ليس لديهم أدنى شك من أن الحكومة السعودية استهدفت خاشقجي بسبب شهرته، حيث كان يعيش في أمريكا، ويظهر على شاشات التلفزيون، وله عمود في "واشنطن بوست".
وينقل التقرير عن غانم الدوسري، وهو معارض قديم وله متابعون على وسائل الإعلام الاجتماعي، قوله: "إنها رسالة واضحة جدا بأن أيدينا يمكن أن تصلكم بغض النظر عن المكان الذي توجدون فيه".
وينوه هبارد إلى إنه إذا وجد أن عملاء المخابرات السعوديين قاموا بقتل خاشقجي، فإن أصداء ذلك قد تخرب علاقات السعودية الدولية ابتداء من جارتها تركيا، مشيرا إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالب، يوم الاثنين، بأن يثبت السعوديون ادعاءهم بأن خاشقجي، الذي ذهب للقنصلية للحصول على وثائق كان يحتاجها للزواج، غادرها، وقال أردوغان في مؤتمر صحافي في بودابست، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء شبه الرسمية "الأناضول": "إن كان غادر عليكم إثبات ذلك بالفيديو".
وترى الصحيفة أن مقتل خاشقجي قد يقوض علاقات السعودية بإدارة ترامب، التي بنت علاقات جيدة مع القيادة السعودية، وقال الرئيس ترامب يوم الاثنين: "أنا قلق بهذا الشأن، لا أحب أن أسمع عنه، آمل أن تحل المشكلة، الآن لا أحد يعرف أي شيء حولها، لكن هناك قصصا سيئة جدا يتم تداولها .. لا أحب ذلك".
ويذكر التقرير أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، حث السعودية على "دعم تحقيق مفصل في اختفاء خاشقجي، وأن تكون هناك شفافية حول نتائج التحقيق".
ويفيد الكاتب بأن الكثير من السعوديين المعارضين الذين يعيشون في الخارج يشعرون بضغط حكومتهم، فيما قطعت المنح عن بعضهم، واستدرج بعضهم الآخر للعودة وتم اعتقاله، أو تهديده إن لم يبق صامتا، واعتقل أقارب آخرين أو منعوا من السفر، لافتا إلى أن عددا منهم قالوا إنهم يتجنبون السعوديين الآخرين في الخارج خوفا من الجواسيس، بالإضافة إلى أنهم لا يسافرون من خلال بلدان عربية أخرى؛ خوفا من اعتقالهم وإرسالهم للسعودية.
وتورد الصحيفة نقلا عن المعارض عمر عبد العزير في كندا، قوله: "لا يهمهم إن كنت معروفا أو إن كان لك متابعون كثر أم لم يكن ..و(لسان حالهم يقول: إن انتقدتنا فسوف نلاحقك)".
وبحسب التقرير، فإن المعارضين لا يشكلون منظمة متجانسة، لكنهم مجموعة من الناشطين والكتّاب وشخصيات الإعلام الاجتماعي من ألوان مختلفة، يتناولون قائمة من القضايا المختلفة، التي تتراوح ما بين المطالبة بإسقاط الملكية، إلى أولئك الذين يريدون المزيد من الحرية داخل النظام الحالي.
ويشير هبارد إلى أن لجين الهذلول ناشطة سعودية في مجال حقوق المرأة، اشتهرت عام 2014، عندما اعتقلت وسجنت لمدة 73 يوما؛ لمحاولة قيادة سيارتها من الإمارات، حيث كانت تعيش، إلى السعودية، لافتا إلى أن الحكومة حاولت بعد ذلك عدة مرات إسكات صوتها، أو اعتقالها، أو التحقيق معها، بحسب ما قاله أصدقاؤها، لكن الشرطة في الإمارات، حيث كانت تدرس الماجستير، قامت في آذار/ مارس بإيقافها وتقييدها وأخذها للمطار، حيث أرسلت في طائرة خاصة إلى السعودية، وتم سجنها لعدة أيام.
وتلفت الصحيفة إلى أن زوجها فهد البتيري، وهو ممثل سعودي وكوميدي كان يمثل في الأردن عندما اعتقلته قوات الأمن وقيدته وعصبت عينيه، ووضعته على طائرة ذاهبة إلى السعودية، بحسب أصدقاء الزوجين.
وينقل التقرير عن منال الشريف، وهي صديقة الزوجين، قولها في مكالمة هاتفية من أستراليا حيث تعيش: "تشعر بأنه لا حصانة لك.. حيث يمكن أن تعتقل في أي مكان وتسفر إكراها إلى السعودية".
ويذكر الكاتب أن الهذلول خففت من نشاطها بعد إطلاق سراحها، حتى داهمت الشرطة المسلحة بيتها في أيار/ مايو في حملة اعتقال شملت النساء اللواتي نشطن في المطالبة بحق المرأة في قيادة السيارة، لافتا إلى أن معظمهن لا يزلن معتقلات، وليس من الواضح إن تم توجيه تهم لهن أم لا.
وتفيد الصحيفة بأن زواج هذلول انتهى، ومسح البتيري حسابه على "تويتر"، الذي كان يعلن فيه أنه زوجها الفخور، وفي تموز/ يوليو دخلت في عامها التاسع والعشرين من العمر، وقالت شريف: "أرادوا كسر إرادتها لأنها امرأة قوية".
ويلفت التقرير إلى أن الحكومة السعودية لم تستجب لطلب التعليق حول جهودها لإسكات المعارضين في الخارج، مستدركا بأن ولي العهد الأمير محمد قال خلال لقاء مع "بلومبيرغ الأسبوع الماضي، إن بعض النساء المعتقلات كن يسربن معلومات استخباراتية للمخابرات القطرية والإيرانية، وكلاهما يعد عدوا للمملكة، وقال إن التغير في السعودية لن يتأتى دون "ثمن"، كما لم يأت تحرير العبيد في الولايات المتحدة إلا بحرب أهلية عنيفة.
ويورد هبارد نقلا عن ابن سلمان، قوله: "هنا نحاول التخلص من التطرف والإرهاب دون حرب أهلية، ودون إيقاف البلد عن النمو، وبإحراز التقدم في المجالات كلها.. ولذلك إن كان هناك ثمن قليل في ذلك المجال فهو أفضل من دفع دين كبير للقيام بتلك الخطوة.. ونحاول ألا يتضرر أحد بقدر ما نستطيع".
وتكشف الصحيفة عن أن المملكة حاولت بعدة طرق مع المعارض الذي يعيش في كندا عبد العزيز، فبعد أن بدأ بانتقاد قيادات المملكة على الإعلام الاجتماعي تم إلغاء منحته الدراسية، وأخبر بأن عليه العودة إلى المملكة لحل الإشكالية، لكنه قدم للجوء السياسي، وحصل عليه عام 2014، وكوّن منذ ذلك الحين جمهورا كبيرا لفيديوهاته على "يوتيوب"، التي يسخر فيها من قيادات السعودية، وينتقد سجلها في حقوق الإنسان.
وينقل التقرير عن عبد العزيز، قوله إن ممثلي الحكومة السعودية حاولوا أن يقنعوه بإغلاق القناة والعودة إلى السعودية، لكنه عندما رفض تم اعتقال اثنين من إخوته وعدد من أصدقائه في السعودية.
ويقول الكاتب إن الباحثين في مختبر "سيتزن لاب" في جامعة تورونتو توصل في آب/ أغسطس، إلى أن قراصنة يعملون لصالح السعودية قاموا باختراق هاتفه المحمول، باستخدام برمجيات تم شراؤها من شركة إسرائيلية.
وتورد الصحيفة نقلا عن التقرير الصادر عن المختبر، قوله بأن القراصنة استطاعوا من خلال البرنامج الوصول إلى "قائمة أرقام الهواتف وصور العائلة ورسائله النصية ومكالمته الحية من برمجيات الاتصال الشائعة".
وينوه التقرير إلى أن عبد العزيز تفاجأ من المدى الذي ذهبت إليه حكومته لإسكاته، وقال: "نعم كنت انتقد النظام.. نحن نتطلع إلى حرية التعبير، ونتطلع إلى حقوق الإنسان، لكن الوصول إلى عائلات المعارضين واختراق هواتفهم واختطاف الصحافيين – هذا جنون".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول عبد العزيز: "أنا مجرد شخص لدي حساب على (تويتر) وقناة على (يوتيوب).. فلماذا (أم بي أس)، أحد أقوى الرجال في العالم، يخشاني؟".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
التايمز: أصبح الديكتاتوريون أكثر جرأة على قتل معارضيهم
واشنطن بوست: نريد إجابات عن مصير خاشقجي
التايمز: من هو جمال خاشقجي وما هي سيرته وتوجهاته؟