نشر موقع "بيزنس إنسايدر" تقريرا لمدير شركة "ألاكو"، وهي شركة استشارية اقتصادية أمنية، مقرها لندن، أمبروز كيري، يناقش فيه العقبات التي تواجه خطط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الاقتصادية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن السياسات الضريبية التي فرضت على العمالة الوافدة وعائلاتها المرافقة أدت إلى نزيف دائم لها من السعودية، لافتا إلى أن سياسات السعودة المتشددة، وحرمان الوافدين من العمل فيها، وتخصيصها للسعوديين، تؤدي إلى زيادة قلق التجار في القطاع، الذين يخشون من عدم قدرتهم على استبدال العمالة الأجنبية بسعودية منتجة.
ويقول كيري إن هؤلاء التجار يشتكون من عدم رغبة السعوديين في العمل في وظائف متدنية كانت العمالة الوافدة تقوم بها، مشيرا إلى أن ابن سلمان، الذي يقف وراء سياسة السعودة وفطم البلاد عن النفط، يحلو له تقديم نفسه على أنه الرجل المصلح الذي يعمل على تغيير القيود الاجتماعية الخانقة، إلا أنه يواجه مشكلة في إنعاش حظوظ البلاد، التي يعاني اقتصادها من مشكلة ثقة.
ويلفت الموقع إلى أن انهيار أسعار النفط العالمية أدى إلى مواجهة المملكة هبوطا في الاستثمارات الأجنبية، ولمستوى عال من خروج الرأسمال، في الوقت الذي يحاول فيه ولي العهد توطيد دعائم سلطته، والدفع بمسار الاقتصاد الجديد.
ويجد التقرير أن التوقعات المتسرعة وغير الواقعية لتحديث الاقتصاد ترافقت مع مشكلات لملء الفراغ في القطاع الخاص؛ بسبب استمرار رحيل العمال الأجانب، لافتا إلى أن أكثر من 800 ألف عامل أجنبي غادر المملكة منذ عام 2016 حتى نيسان/ أبريل 2018، حيث زاد عدد الوافدين الذين تركوا السعودية بشكل أثار قلق الشركات المحلية بأن العمالة الأجنبية لا يمكن استبدالها بسهولة.
وينوه الكاتب إلى أن السلطات ترغب بخلق 450 ألف وظيفة في القطاع الخاص بحلول عام 2020، لافتا إلى أن ابن سلمان حاول تعجيل رحيل العمالة الوافدة، التي تشكل ثلث سكان السعودية، من خلال سياسة "السعودة"، التي تعني خلق قوة عاملة محلية منتجة، وقام بفرض رسوم على الشركات التي تعتمد على العمالة الأجنبية، ورسوما أخرى على مرافقي العمال، بالإضافة إلى تقييد المجالات التي يمكن للوافدين العمل فيها، وخصص مجالات في الصناعة والخدمات للسعوديين فقط، حيث أدت الإجراءات إلى رحيل الوافدين بأعداد كبيرة، وهو ما ترك أثره على تراجع سوق تأجير العقارات ومراكز التسوق الفارغة.
ويستدرك الموقع بأن أصحاب المصالح المحليين يجدون صعوبة في العثور على عمال محليين، تعودوا على وظائف مريحة في القطاع الحكومي، والمساعدات السخية لمن هم دون عمل، منوها إلى أن التقارير تشير إلى أن السعوديين نفروا من الوظائف المعروضة عليهم برواتب متدنية، ولا تتواءم مع مستواهم الاجتماعي.
وبحسب التقرير، فإن مشكلة العثور على العمالة المحلية أثارت قلقا، بدا واضحا في التقارير المنشورة في مجلة "سعودي غازيت" الحكومية، التي عادة ما تنشر تقارير "مهدئة" عن الحياة في السعودية، فنشرت في شباط/ فبراير تقريرا عن دعوة رؤساء الغرف التجارية والصناعية الحكومة لإعفاء القطاع الخاص من نسبة 100%، أو السعودة الكاملة، خاصة في الوظائف التي يصعب ملؤها، مثل قطاع البناء، وسط مخاوف من اضطرار الكثير من أصحاب الأعمال لإغلاق أعمالهم.
ويفيد كيري بأن تقريرا نشر في أيار/ مايو كشف عن إصدار 5 آلاف غرامة خلال ثلاثة أشهر على أصحاب أعمال استهانوا بقوانين السعودة، في قطاعات تتراوح من الاتصالات إلى الفندقة وتأجير السيارات، مشيرا إلى أن العديد من الشركات قامت بالتحايل على الحصة المخصصة، من خلال توظيف سعوديين ودفع رواتب قليلة لهم، للقيام بوظائف وهمية، فيما يطلق عليها "سعودة مزيفة"، ما دعا البعض إلى المطالبة بإعادة النظر في سياسة تأميم سوق الوظائف.
ويورد الموقع نقلا عن المعلق السعودي محمد بسناوي، قوله إن هذا أدى إلى ظهور "السعودة المزيفة"، وتحايل أرباب العمل عليها، من خلال دفع رواتب للسعوديين في وظائف وهمية دون عمل، وأضاف: "يقول أصحاب العمل إن الشباب والشابات السعوديين كسالى وغير مهتمين بالعمل، واتهم الشباب السعودي بعدم الاهتمام، وتفضيل البقاء في البيت على القبول بوظيفة متدنية الأجر، ولا تناسب الوضع الاجتماعي للسعودي الباحث عن العمل".
ويؤكد التقرير أن الحكومة لن تتراجع عن سياسة السعودة، حيث يأمل الأمير محمد بتحصيل 17.33 مليار دولار من الرسوم التي فرضت على العمال الوافدين؛ لمواجهة العجز في الميزانية المتوقع هذا العام بـ 52 مليار دولار، وتمويل مشاريع اقتصادية جديدة، إلا أن النقاد يتساءلون عما إذا كانت العوائد الضريبية ستعوض خسارة نفقات المستهلكين الناجمة عن رحيل العمالة الوافدة، لافتا إلى أنه حتى التي ستظل فإنها ستضطر لإرسال عائلتها إلى بلادها؛ لتجنب دفع الرسوم المتزايدة على المرافقين.
وينقل الكاتب عن المعلق في صحيفة "غالف نيوز" طارق المعينا، قوله إن فرض الضريبة على الوافدين قبل تحول السعودية إلى اقتصاد منتج يعتمد على الصناعة مثل وضع العربة قبل الحصان.
ويورد الموقع أن كارين إي يونغ، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، كتبت على موقع المعهد في شباط/ فبراير، أن السعودية بحاجة لعقد لتخلق طبقة عاملة سعودية مستعدة للعمل في قطاع الخدمات والتجزئة والبناء.
ويذهب التقرير إلى أن آمال الأمير محمد بن سلمان بزيادة رأس المال من مصدر آخر، وتوفير النفقات العامة تتضاءل، مشيرا إلى أن حملته لمكافحة الفساد أثرت على ثقة المستثمرين الخارجيين، حيث قام في العام الماضي بحملة اعتقال رجال أعمال ومسؤولين وأمراء، التي لم تحصل إلا جزء من 100 مليار دولار قالت الحكومة إنها تريد تحصيلها.
ويستدرك كيري بأنه رغم الجولة الخارجية التي قام بها ولي العهد وسط دعاية واسعة، عملت على تلميع صورته الشخصية بصفته مصلحا، إلا أنها لم تؤد على ما يبدو لتخفيف مظاهر قلق رجال الأعمال السعوديين والمستثمرين الأجانب، فتراجع الاستثمار الأجنبي من 7.5 مليار دولار عام 2016 إلى 1.6 مليار العام الماضي، بالإضافة إلى أن هناك إشارات إلى أن نسبة كبيرة من هذا الخروج تمثل رجال أعمال قلقين يقومون بنقل أرصدتهم للخارج.
ويقول الموقع إنه "لحسن حظ محمد بن سلمان، فإن ارتفاع أسعار النفط أدى إلى تخفيف حدة الأزمة، وشهدت الاحتياطات الأجنبية التي استخدمت لتمويل العجز في الميزانية ارتفاعا بناء على معدل شهري بـ 13مليار دولار، لتصل إلى 499 مليار دولار في نيسان/ أبريل، لكنها أقل من الذروة قبل أربعة أعوام، حيث وصلت الاحتياطات إلى 737 مليار دولار، ورغم وجود مال تحت يده فإن ابن سلمان لا يستطيع الاعتماد عليه للأبد لتعويض النقص في الميزانية".
ويختم "بيزنس إنسايدر" تقريره بالقول إنه "في ظل تراجع ثقة المستثمرين السعوديين والأجانب، والضغوط على السعودة، فإن ابن سلمان لن يجد عونا من القطاع الخاص، إلا بعد فترة، حتى يتمكن من ضبط حساباته".
بلومبيرغ: أعداد كبيرة من العمالة الأجنبية تغادر السعودية
أتلانتك: هذا أخطر ما يهدد قبضة ابن سلمان على السلطة
إندبندنت: هذا دافع السعودية الحقيقي لرفع الحظر عن قيادة المرأة