نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقالا للأستاذ المشارك في دراسات الشرق الأوسط في جامعة جنوب الدانمارك مارتن هيفدت، يتساءل فيه عن الدافع الحقيقي وراء رفع
السعودية الحظر عن قيادة السيارات للمرأة.
ويرى الكاتب أن القرار هو
اقتصادي النزعة، وليست له علاقة بموقع
المرأة وحريتها في الحياة الاجتماعية، مشيرا إلى أن القرار بالسماح بقيادة المرأة هو واحد من حزمة قرارات لتقوية وضع المرأة، التي تتضمن فتح باب العمل لها، وتخفيف القيود الاجتماعية عنها في ما يتعلق باللباس، وتوسيع مشاركتها في الانتخابات المحلية، للمرشحات في الانتخابات البلدية لعام 2015، بالإضافة إلى خطوات حذرة، وإن كانت متواضعة، للحد من قانون ولاية الرجل على المرأة، وهو القانون الذي يطالب بموافقة الرجل على الأمور المهمة المتعلقة بحياة المرأة.
ويشير هيفدت في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه مع ذلك، فإنه تم اعتقال عدد من الناشطات السعوديات قبل رفع الحظر عن القيادة بأسابيع، بشكل أثار عددا من الشكوك حول نية الحكومة تخفيف القيود الاجتماعية المفروضة على المرأة، في بلد تتميز فيه سيطرة الوزارات على السلطة بالضعف، وهو تعبير عن معارضة بعض الدوائر في المؤسسة الدينية للسرعة التي يتم فيها التغيير.
ويقول الكاتب إن "السعودية تعد واحدة من أكثر المجتمعات المحافظة في العالم، فما السبب الذي يدعو الحكومة لأن تخفف القيود الاجتماعية المتعلقة بالمرأة؟ ناقشت في ورقة بحثية نشرتها في السابق أن القرار هو ابن الضرورة، ومن أجل تقوية الاقتصاد، وزيادة إنتاجية الرجل والمرأة".
ويجد هيفدت أن "السعودية تواجه وضعا اقتصاديا خطيرا، فخلال السنوات الستين الماضية، سمحت الموارد النفطية للدولة ببناء نظام رفاه اجتماعي يوفر الرعاية للمواطنين من المهد إلى اللحد، من سكن مريح ووظائف جيدة في القطاع الخاص، بمطالب عمل قليلة، وإجازات طويلة، وتقاعد مبكر، ونجح هذا النموذج عندما كان عدد السكان صغيرا والموارد المالية من النفط كبيرة، لكن الوضع ليس كما هو في الماضي، فزاد عدد السكان بشكل متسارع ولا يزال ينمو، ونسبة 60% من 22 مليون نسمة هم تحت سن الثلاثين، وظل سعر النفط يهبط منذ عام 2014، مع أنه تعافى قليلا، بشكل ترك أثرا سلبيا على حالة الاقتصاد السعودي".
ويلفت الكاتب إلى أن "ولي العهد الأمير
محمد بن سلمان أعلن في عام 2017 عن خطة 2030 لتحويل الاقتصاد السعودي، وتهدف الخطة لتنويع مصادر الدخل، بدلا من استمرار الاعتماد على النفط فقط، ومن بين 12 مليون وظيفة اليوم في السعودية هناك خمسة ملايين يحتلها السعوديون، أما السبعة ملايين الباقية فيعمل فيها عمال أجانب، وتقوم الخطة على عامل الكفاءة لا العلاقات القبلية أو العائلية في التوظيف".
ويرى هيفدت أن "المراة تؤدي دورا مهما في رؤية 2030، فهي متعلمة أفضل من الرجل، ولهذا تعتقد الحكومة أنها قادرة على أداء دور مهم في تطوير البلد، وقد لا تتردد المرأة، خلافا للرجل، في تسلم وظائف لا يريدها الرجال، مثل مهنة التمريض، التي يعمل فيها اليوم المهاجرون، وبالإضافة إلى هذا، فإن المرأة السعودية لا تمثل إلا نسبة قليلة من سوق العمل، فواحد من كل خمسة سعوديين في قطاع العمل امرأة، وهي نسبة ضعيفة مقارنة مع النسب العالمية الأخرى".
وينوه الكاتب إلى أن أسباب انخفاض مشاركة المرأة هي ثقافية واجتماعية، وقائمة على تفسير ديني يحدد واجب المرأة في الاهتمام بالبيت، فيما يهتم الرجل بتوفير المعاش، مستدركا بأن هناك عوامل أخرى تعيق مشاركة المراة في الحياة العامة، وتتعلق بالتنقل.
ويعلق هيفدت قائلا إن "الجو في السعودية حار جدا، ومن هنا فإن المشي في هذا الجو الحار يعد مشكلة وغير مناسب، بالإضافة إلى أن المدن السعودية مصممة على الطريقة الأمريكية، حيث المسافات بين السكن ومراكز العمل والأسواق بعيدة، وحتى في ظل غياب الحواجز الثقافية، فإنه من الصعب على المراة السير أو ركوب الدراجات للعمل".
ويبين الكاتب أنه "بسبب ضعف نظام النقل، ولأن التاكسي ليس خيارا إلا في حال وجود امرأتين ، وبناء على قانون الحظر، فإن خروج المرأة من البيت كان يعتمد على الرجل الذي ينقلها من مكان لآخر، وبالنسبة للعائلات الميسورة فإن توظيف سائق أو شراء سيارة أخرى ليس مشكلة، لكن هذا الخيار مشكلة بالنسبة للغالبية من السعوديين، الذين بالكاد يغطون مصاريفهم اليومية".
ويستدرك هيفدت بأن "موضوع النقل يترك أثره على فعالية الرجل، فالأزواج دون وجود سائق يضطرون لترك العمل من أجل نقل زوجاتهم في حال اضطررن لزيارة الطبيب أو للذهاب إلى المواعيد الأخرى المهمة، وبناء على بحثي في السعودية، فإن معظم أرباب العمل يقبلون هذا الوضع، على الأقل في القطاع العام، ويجدون أن خروج الرجل من العمل لنقل زوجته هو سبب شرعي للتغيب عن العمل".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "هذا ما يجعل رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة خطوة مهمة لتفعيل الاقتصاد على المدى البعيد، وهناك إمكانية لجلب فتيات متعلمات إلى سوق العمل، وزيادة فعالية الرجل، وأكثر من هذا تغيير الثقافة وفتح الباب أمام احتلال الرجل والمرأة الوظائف ذاتها والعمل جنبا إلى جنب في قطاع العمل".