قالت صحيفة "نيويورك تايمز" في افتتاحيتها إن ولي العهد السعودي، الأمير
محمد بن سلمان، حاول منذ صعوده إلى السلطة بناء صورة عن نفسه بصفته شابا مصلحا، يريد جر المملكة المخفية إلى العالم الحديث وبرؤية جديدة.
وتشير الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، إلى أن معظم تركيز ابن سلمان كان على الإصلاحات الاقتصادية، مستدركة بأن نجل الملك وعد بتبني سياسات اجتماعية متنورة، تشمل المرأة، وحصل على المديح من الغرب جراء هذا، حيث أنه في غضون أسابيع ستبدأ
السعودية برفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في 24 حزيران/ يونيو، وهي الخطوة الأوضح في الإصلاحات التي دعا إليها الأمير.
وتستدرك الصحيفة بأن ابن سلمان ارتد في الأسبوع الماضي عن طريقه، ووسع من عملية القمع ضد الناشطين والناشطات، الذين دعوا إلى منح المرأة حقها في قيادة السيارة، مشيرة إلى أن الحكومة قامت باعتقال مجموعة من الناشطات، وزادت بعد ذلك من عمليات القمع بعد موجة شجب دولية، حيث وصل عدد الناشطين والناشطات المعتقلين حتى الآن إلى 11 شخصا، وتم اعتقالهم والتحقيق معهم دون حق الاتصال مع المحامين، ويقال إن واحدة من
المعتقلات تحتجز في مكان غير معلوم.
وتفيد الافتتاحية بأن المدعين السعوديين لم يكشفوا عن هوية المعتقلات أو الاتهامات الموجهة إليهن، إلا أن التقارير الصحافية أشارت إلى عدد من النسوة، وواحدة منهن هي لجين الهذلول، التي اعتقلت عام 2014، لمدة 70 يوما؛ لقيادتها السيارة من الإمارات إلى السعودية، لافتة إلى أن منظمة "أمنستي إنترناشونال"، قالت إن السلطات السعودية أفرجت عن أربع معتقلات، لم تكن الهذلول واحدة منهن.
وتورد الصحيفة نقلا عن محللين في الشأن السعودي، قولهم إن التقلب في الموقف يعكس السياسة السعودية، ومحاولة الأمير تصوير الخطوة بأنها منحة من الملك للمرأة السعودية، وليست تنازلا لمطالب الناشطين والناشطات، مستدركة بأن القمع يثير أسئلة حول التزام الأمير برفع القيود عن المرأة ومنحها المساواة.
وتجد الافتتاحية أن الهجوم الإعلامي على الناشطات ووصفهن بالخائنات أمرا صادما، مع أن جريمتهن الوحيدة، مع بقية الناشطين، هي المطالبة السلمية، داعية للإفراج عنهن حالا.
وتعتقد الصحيفة أن الموجة الأخيرة من الاعتقالات تطرح أسئلة حول قدرة الأمير على الوفاء بوعوده، وتحقيق تغيرات أساسية في المجتمع الأبوي، الذي يمارس فيه الرجل سلطة على المرأة، منوهة إلى أن المؤسسة الدينية، التي تطبق الفكر الوهابي، تعارض رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارات، والجهود الأخرى لابن سلمان في تخفيف القيود الاجتماعية.
وتقول الافتتاحية: "لو لم يكن الأمير محمد قادرا على تحمل تداعيات قرار واحد، فإنه يمكننا تخيل صعوبة وفائه في قرارات أشد، ومنها نظام الولاية، الذي يفرض على المرأة طاعة ولي أمرها، الأب، والزوج، والشقيق والابن، الذين يتخذون القرارات الصعبة التي تحدد مصيرها، من الحصول على جواز سفر، إلى السفر للخارج، والدراسة في منحة حكومة، والزواج".
وتلفت الصحيفة إلى أن "هذه ليست المرة الأولى التي يضعف فيها الأمير محمد جهوده الإصلاحية، التي يحاول من خلالها تحسين صورة البلد، ففي العام الماضي أشرف على اعتقال مجموعة من المثقفين والدعاة الناشطين، الذين عدهم نقادا لسياساته الخارجية، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من 200 ثري ورجل أعمال وأمير، وأجبرهم على التخلي عن أموال وشركات يملكونها باسم مكافحة الفساد".
وترى الافتتاحية أنه "من خلال زرع بذور الشك حول التزام بلده بحقوق الإنسان وحكم القانون، فإن سلوكا كهذا لن يدفع الاستثمار الأجنبي الذي يحاول الأمير جذبه".
وتختم "نيويورك تايمز" افتتاحيتها بالقول إن "الاقتصاديات التي تستبعد نصف سكانها -المرأة- لن تحقق الإمكانيات الكاملة، ولن يحصل الأمير محمد على راية المصلح ويحقق أهدافه الاقتصادية طالما منعت المرأة من الحصول على مكانها الحقيقي في مستقبل السعودية".