خرج بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء أربعة مرضى، بينهم أطفال من الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق بموجب اتفاق على إجلاء عدد من الحالات الحرجة من هذه المنطقة التي تشهد تدهوراً في الوضع الإنساني.
وكانت الأمم المتحدة أعلنت في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر عن لائحة من 500 شخص بحاجة ماسة للإجلاء من الغوطة الشرقية، معقل الفصائل المعارضة قرب دمشق، إلا أن 16 شخصاً منهم على الأقل قضوا منذ ذلك الحين.
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على حسابها على تويتر صباح الأربعاء "قام متطوعو الهلال الأحمر العربي السوري وفريق من اللجنة الدولية للصليب الأحمر بإجلاء حالات طبية عاجلة من الغوطة الشرقية إلى مستشفيات في دمشق".
وأوضحت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا انجي صدقي أن "جرى أجلاء أربعة أشخاص مع عائلاتهم"، مضيفة "نأمل أن تستمر هذه العملية المنقذة للحياة خلال الأيام القليلة المقبلة".
وأوضح مدير العمليات في شعبة الهلال الأحمر في مدينة دوما، التي تمت منها أولى عمليات الإجلاء، أحمد الساعور أن الحالات الأربعة ضمن لائحة الأمم المتحدة، وهم طفلة تعاني من مرض الناعور (خلل في عملية تخثر الدم) وطفل يعاني من متلازمة غيلان باريه (التهاب أعصاب حاد قد يؤدي إلى شلل تام)، وطفل ثالث مريض باللوكيميا، فضلاً عن رجل يحتاج إلى زراعة كلية.
اقرأ أيضا: أردوغان: سنبحث مع روسيا حصار الغوطة ومستعدون لعلاج جرحاهم
ولا يمكن أن تتم عمليات الأجلاء أو تدخل قوافل المساعدات إلى الغوطة الشرقية إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من السلطات السورية.
وخرج هؤلاء منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء بعد اتفاق بين الأطراف المتنازعة لإجلاء 29 شخصاً في حالة حرجة على دفعات من الغوطة الشرقية، وفق ما أعلن فصيل جيش الإسلام، الأبرز في الغوطة الشرقية.
وأكد جيش الإسلام في بيان موافقته على "إخراج عدد من الأسرة الموقوفين لدينا (...) بالإضافة إلى بعض العمال والموظفين (...) وذلك مقابل إحراج الحالات الإنسانية الأشد حرجاً".
واعتبرت انجي بدورها عملية الإجلاء "خطوة إيجابية ستمنح بعضاً من الراحة لأهالي الغوطة الشرقية وخصوصاً من هم بحاجة ماسة إلى أدوية منقذة للحياة".
وأضافت "نأمل أن تكون عملية الإجلاء هذه مجرد بداية لأخرى غيرها في المستقبل"، مشددة على ضرورة أن تدخل المساعدات أيضاً إلى الغوطة الشرقية بانتظام "ومن دون شروط".
وفي مركز الهلال الأحمر في مدينة دوما، تجمع مساء الثلاثاء المرضى الأربعة وأهاليهم، قبل أن ينقل كل منهم إلى سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر، وفق ما شاهد مراسل فرانس برس.
وفي إحدى سيارات الإسعاف، استلقت الطفلة انجي (ثمانية سنوات) التي تعاني من مرض الناعور وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة كبيرة، وارتدت معطفاً زهري اللون وعلى رأسها طاقية صوفية حمراء اللون.
وفي سيارة أخرى إلى جانبها، وضع متطوع في الهلال الأحمر الطفل محمد (عام وشهرين)، المريض بمتلازمة غيلان باريه، في حضنه، فيما جلست والدته إلى جانبه وقد ارتدت معطفاً أسودا وغطت وجهها بحجاب أسود لا يظهر سوى عينيها.
وصعد خمسة عمال أفرج عنهم "جيش الإسلام" على متن إحدى السيارات، قبل أن تنطلق القافلة لتصل لاحقاً إلى دمشق.
وتحاصر القوات الحكومية الغوطة الشرقية بشكل محكم منذ العام 2013، ما تسبب بنقص خطير في المواد الغذائية والأدوية في المنطقة حيث يقطن نحو 400 ألف شخص.
وأعلنت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي أن 16 شخصاً على الأقل/ من أصل 500 بحاجة ماسة إلى إجلاء، قضوا أثناء انتظار خروجهم من الغوطة الشرقية.
وقال يان ايغلاند، رئيس مجموعة العمل الإنساني التابعة للأمم المتحدة في سوريا، أن الرقم على اللائحة "ينخفض، ليس لأننا نقوم بإخلاء الناس بل لأنهم يموتون".
وسجلت الغوطة الشرقية، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أعلى نسبة سوء تغذية بين الأطفال منذ بدء النزاع في سوريا في العام 2011.
وتوفي طفلان رضيعان في تشرين الأول/أكتوبر في الغوطة بسبب أمراض فاقمها سوء التغذية بينهما الرضيعة سحر ضفدع (34 يوماً) التي التقط مصور متعاون مع فرانس برس صوراً ومشاهد صادمة لها تصدرت وسائل الإعلام حول العالم عشية وفاتها.
وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر حذرت من بلوغ الوضع الإنساني في الغوطة الشرقية "حداً حرجاً".
وتعد الغوطة الشرقية واحدة من أربع مناطق خفض توتر في سوريا، بموجب اتفاق توصلت إليه موسكو وطهران حليفتا دمشق وأنقرة الداعمة للمعارضة في أستانا في أيار/مايو. وبدأ سريانه في الغوطة في تموز/يوليو.
وبرغم كونها منطقة خفض توتر، إلا أن ذلك لم ينسحب تحسناً لناحية إدخال المساعدات الإنسانية.
كما صعدت قوات النظام السوري منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر قصفها الجوي والمدفعي على الغوطة الشرقية، ما تسبب بمقتل عشرات المدنيين وإصابة آخرين.
وتحول مؤخراً الرضيع كريم عبدالله الذي فقد عينه جراء قصف جوي إلى رمز لمعاناة سكان الغوطة الشرقية بعد انطلاق حملة تضامنية معه على مواقع التواصل الاجتماعي، نشر خلالها كثيرون صورهم وهم يغطون أعينهم في إشارة إلى إصابته.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل اكثر من 340 ألف شخص وبدمار كبير في البنى التحتية وفرار وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.