نشرت "نيويورك تايمز" تقريرا لثوماس إيردبرنك، حول حالة الوحدة التي تمر بها إيران بسبب مواقف ترامب والسعودية.
ويبدأ الكاتب تقريره بوصف لوحة إعلانية ضخمة في أكثر ميادين طهران ازدحاما، تحمل رسما لشاب في زي الحرس الثوري، يمد يده داعيا الإيرانيين لمتابعة طريقه، ويجتمع الشباب الصغار تحت اللوحة، ويلوحون بشارة النصر، ويأخذون صور "سلفي" مع اللوحة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21" إلى أن الشاب على اللوحة هو محسن حجاجي، البالغ من العمر 26 عاما، الذي كان مجهولا مثله مثل آلاف المقاتلين الإيرانيين الذين تناوبوا على الجبهات في العراق وسوريا في السنوات الأخيرة، لكن بعد أن أسره تنظيم الدولة ونشر له فيديو ثم قام بقطع رأسه في آب/ أغسطس، حولته الحكومة الإيرانية إلى بطل حرب ووجه لدفعة جديدة من القومية الإيرانية.
وتعلق الصحيفة قائلة إنه "بعد سنوات من التشكك، أو ببساطة عدم الاكتراث بأي شيء سياسي، انجرفت الطبقة الوسطى المدنية نحو موجة من الحماسة القومية، ويمكن عزو هذا التغير في المواقف إلى عاملين مرتبطين: انتخاب الر ئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيسا، والتنافس المتزايد مع السعودية المنافس الطائفي لإيران على الهيمنة الإقليمية".
ويلفت إيردبرنك إلى أن الإيرانيين استمعوا عام 2016 لترامب خلال حملته الانتخابية، يشجب الاتفاقية النووية الإيرانية، ويصفها بأنها "أسوأ صفقة تم التفاوض عليها"، ووعد بتمزيقها، كما شاهدوه رئيسا يبيع السعودية أسلحة بقيمة 100 مليار دولار، ويشارك في رقصة الحرب التقليدية السعودية، بالإضافة إلى أن سياسات الأمير السعودي الشاب، محمد بن سلمان، الذي ينظرون إليه على أنه شخص متهور ولا يمتلك الخبرة، تثير قلقهم.
ويفيد التقرير بأنه في الوقت ذاته، فإن الإيرانيين يرون أن لديهم شيئا يفخرون به، حيث تؤدي المليشيات المدعومة إيرانيا دورا رئيسيا في هزيمة تنظيم الدولة في سوريا في العراق، ما زاد من نفوذ إيران الإقليمي.
وتبين الصحيفة أن "أشهر نجمين اليوم في إيران، وهي البلد التي تملك صناعة أفلام ومسرح وموسيقى مزدهرة، ليسا ممثلين ولا مغنيين، لكنهما مسؤولان في المؤسسة الرسمية: قائد الجهد الحربي الإقليمي الإيراني اللواء قاسم سليماني، ورئيس الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي أصبح يمثل إيران المتزنة".
ويقول الكاتب: "باختصار يبدو أن ترامب والسعوديين ساعدوا الحكومة الإيرانية لتحقيق ما لم تستطع تحقيقه من خلال سنوات من القمع: الدعم الواسع لوجهة النظر المتطرفة بأنه لا يمكن الوثوق في الرياض وأمريكا، وأن إيران اصبحت قوية اليوم وتستطيع التحديق في أعدائها".
ويذكر التقرير أنه في اليوم الذي حددته الحكومة لإحياء ذكرى حجاجي، فإن حسين زادة، البالغ من العمر 33 عاما، الذي تخرج من كلية الدراما/ المسرح في جامعة طهران، ويعد نفسه إصلاحيا، خرح مبكرا وهو يرتدي الأسود، ويحمل رسما للشهيد الجديد، وبدا كأي من المتطرفين الذين يدعمون حكومة رجال الدين.
ويقول زادة للصحيفة: "هناك الكثير مثلي هنا، لا يهتمون كثيرا بالجمهورية الإسلامية وقوانينها.. لكن اليوم يتعلق بأمر أكبر من ذلك، فواحد منا قتل، وفي الوقت ذاته يحطم الرئيس الأمريكي قلوبنا بخطابه وتهديداته، ويجب علينا أن نختار طرفا، وأنا اخترت بلدي".
وينوه إيردبرنك إلى أن المتشددين في إيران فرحون بهذا التحول في حظوظهم، بعد أن خسروا شعبيتهم خلال سنوات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حيث يقول المحلل السياسي المتشدد حميد رضا تارغي: "شكرا لترامب على تعليقاته المجنونة وخداعه وغشه، لقد أثبت ما كنا نقوله دائما لفترة طويلة، وهو أنه لا يمكن وضع الثقة في أمريكا.. كثير لم يصدقونا لكنهم اليوم يصدقوننا".
وبحسب التقرير، فإن بذور القومية الجديدة زرعت عندما تم انتخاب حسن روحاني، الذي يعد معتدلا، للرئاسة عام 2013، فكانت أول بارقة أمل للطبقة الوسطى منذ قمع المظاهرات في الشوارع بعد انتخابات 2009، التي اعتبرت مزورة على نطاق واسع، لافتا إلى أن الرئيس روحاني وعد بعقد اتفاق نووي للتخلص من المقاطعة الدولية لإيران بسبب برنامجها النووي، التي أثرت في اقتصاد البلد وعزلتها، وعندما تم توقيع الاتفاقية في 2015 فرح الإيرانيون؛ بسبب فرصة تحولهم آخيرا إلى بلد "عادي".
وتستدرك الصحيفة بأن إدارة ترامب جاءت بعد ذلك، وكان تركيزها الأحادي على إيران، بصفتها مصدرا للمشكلات في الشرق الأوسط كلها، كما ذكر وزير الدفاع الأمريكي في العديد من المناسبات، وبدأت زعامات إيران بالترويج للقضايا الوطنية، حيث وجدوا فرصة في التغيير لتدعيم مصداقيتهم التي كانت تترنح.
ويشير الكاتب إلى أنه تم عرض الصواريخ في وسط المدن، حيث تأتي العائلات والأطفال ويتصورون بجانبها، وشجع الإعلام على "الحج السنوي" مشيا على الأقدام إلى العراق، الذي يشارك فيه الملايين، بصفته شعارا لقوة إيران الدينية والقومية، وقال الزعيم الروحي لإيران آية الله علي خامنئي، الذي قلما يعلق على الموسيقى، بأن أغنيته المفضلة هي "إيران، لو كسروا قلبك" وهي أغنية تمجد إيران.
وينقل التقرير عن أستاذ علوم الاجتماع وأحد قيادات تيار الإصلاح حميد رضا جاليبور، قوله إن كثيرا من الإيرانيين يحتفون بتجريب الصواريخ، مشيرا إلى أن ذلك ينطبق حتى على العلمانيين تماما؛ لأن تلك التجارب تشعرهم بالقوة والأمان، وأضاف جاليبور أن الضغط من أمريكا والتهديد المتزايد من السعودية خلقا جوا يتحد فيه الإيرانيون بالشعور "نحن ضدهم".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "هذا التضامن الجديد ضد التهديدات الخارجية ليس جديدا في إيران، ولا يحمي الحكومة من الانتقادات كلها، فبعد الزلزال الذي وقع هذا الشهر في غرب إيران مثلا، انتقد الكثير من الناس المسؤولين الرسميين؛ لفشلهم في توفير المساعدات اللازمة بسرعة".
ويستدرك إيردبرنك بأنه تجسيدا للروح الجديدة، فإن الإيرانيين في أنحاء إيران قاموا بالتعاون على جمع الماء والطعام والخيام، ونقلوها في سياراتهم إلى منطقة الكارثة.
ويبين التقرير أنه "بسبب الطبيعة الدينية للحكم في إيران، فإنه كانت هناك صيغة اصطناعية من القومية، حيث يربط كل شيء بالدين، وكان من المخالف للقوانين في بعض الأحيان الافتخار بتاريخ البلد قبل الإسلام، لكن بسبب هذه الحالة من الوحدة فإنه تم تخفيف القوانيين ما دامت العروض تشجع الوطنية، فسمحت الحكومة مثلا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر باستخدام أحد القصور السابقة للشاه الموالي للغرب، محمد رضا بهلوي لإجراء عرض متعدد الوسائط، حيث يقوم الممثلون بتمثيل أجزاء من ملحمة (شاهنامه)، التي تتحدث عن تاريخ إيران قبل الإسلام، وتعكس الملحمة زمنا شبيها بهذا الزمن مرت به إيران، حيث كانت محاطة بالمنافسين، وعانت من العزلة".
وتلفت الصحيفة إلى أن حوالي أربعة آلاف شخص من الطبقة المتوسطة في إيران اجتمعوا في إحدى الأمسيات، الرجال يلبسون البزات والنساء يحملن الحقائب اليدوية المصممة في القصر في شمال طهران؛ ليحضروا العرض، حيث عرضت صور لقصر داريوس على البناء، في الوقت الذي قام فيه ممثلون بأداء أدوار شخصيات أسطورية من تاريخ إيران الطويل.
ويذكر الكاتب أنه عندما وقف همايون شاجريان وغنى أغنية "بلدي إيران" وقف الجمهور احتراما، وكثير منهم كانت دموعهم تسيل على وجناتهم، مشيرا إلى أن المقاعد كانت محجوزة كلها للعرض لمدة 30 يوما.
ويذهب التقرير إلى أن الحدود والجغرافيا تعد نقاط تحشيد للقوميين، فعندما خطب ترامب في تشرين الأول/ أكتوبر لتحديد معالم استراتيجيته تجاه إيران، قال إنها "دكتاتورية" يقودها "زعماء قتلة ينشرون الموت والدمار والفوضى في أنحاء العالم كله، إلا أن ما أزعج الإيرانيين أكثر هو عندما قال "الخليج العربي" بدلا من "الخليج الفارسي"، فهبت وسائل الإعلام الإيرانية بشجب استخدامه لهذا الاسم خلال دقائق، واشتركت في ذلك الوسائل التي تديرها الحكومة وغيرها.
ورد روحاني بعد ساعتين، قائلا: "كيف يمكن لرئيس ألا يكون تعلم اسم الخليج الدولي التاريخي؟"، وأشار إلى أن خرائط البحرية الأمريكية تسميه الخليج الفارسي.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الإيرانيين هاجموا حساب "إنستغرام" الخاص بترامب، وتركوا حوالي 3 ملايين تعليق حول الخليج الفارسي، وقال الصحافي الإيراني بهرام كلباسي المقيم في أميركا: "لا أعرف طريقة أسرع لتوحيد الإيرانيين خلف الحكومة من ذلك"، ونصح ترامب بأن يذهب ضد الاتفاقية النووية الضرورية للاقتصاد، وألا يتعرض لفارسية الخليج.
هل تتحول الحرب الباردة بين السعودية وإيران لمواجهة؟
فريدمان: من يريد تنظيف الفساد عليه التأكد من نظافة عباءته
إندبندنت: لماذا تترك حملة التطهير السعودية تداعيات خارجية؟