تنطوي التجربة الحزبية في المغرب على الكثير من التراكمات، وتختزن العديد من المفارقات، ولعل هذا ما يجعلها جديرة بالتفكير والتأمل.
فالمغرب اختار التعددية الحزبية مبكراً، حيث يرجع تاريخ بدايتها إلى عام 1937، حين تأسيس "الحزب الوطني"، الذي سيتحول إلى "حزب الاستقلال" (1944)، وبعده بقليل سيُولد حزب "الشورى والاستقلال" (1946)، لتعرف الخريطة الحزبية منحى تصاعدياً أفضى إلى ما يفوق اليوم 30 حزباً.
كرّس المغرب مبدأ التعددية في أول دستور للبلاد عام 1962، حين منع الحزب الوحيد أو الأحادية الحزبية، معتمدا بذلك نهجا يكاد يكون متفردا في البلاد العربية
يعكس المشهد الحزبي المغربي اليوم مُحصلة هذا التطور الموسوم بكثير من الأعطاب، وتدفع الحياة السياسية أكلاف تاريخ أحزابها
لذلك، يعكس المشهد الحزبي المغربي اليوم مُحصلة هذا التطور الموسوم بكثير من الأعطاب، وتدفع الحياة السياسية أكلاف تاريخ أحزابها. فلو أمعنا النظر في التطورات الحاصلة هذا العام في الأحزاب الثلاثة التي تصدرت نتائج الانتخابات في 4 أيلول/ سبتمبر 2015، و7 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وهي تحديداً أحزاب: "العدالة والتنمية "، و"الأصالة والمعاصرة"، و"الاستقلال"، لخلُصنا إلى نتيجة واحدة، وهي أنها مفتوحة على آفاق غير واضحة بما يكفي، وأن أرصدة قوتها تآكلت داخليا، كما أن منسوب "شرعيتها" الشعبية طاله قدر كبير من التراجع والانكماش.
فحزب الاستقلال، وهو الأقدم تاريخيا، شهد توتراً عميقاً منذ 2012، انتهى بعدم تجديد ولاية أمينه العام في مؤتمره الأخير، وانتخاب أمين عام جديد، هو حفيد مؤسس الحزب وزعيمه السيد "نزار بركة". ويُنتظر من هذا الحزب تجاوز أزمته، وإعادة الروح إلى جسمه. أما حزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود العمل الحكومي للمرة الثانية منذ 2011- 2012، فمن الواضح أنه يعيش توترا داخليا غير صحي، وأن استمراره في السير نحو مؤتمره الثامن يومي 9 و10 كانون الأول/ ديسمبر 2017، بدون معالم واضحة، سيكلفه الكثير، وسيجعله يكرر تجربة نظيره "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، على الرغم من الفوارق الواضحة بينهما. ولأن السلطة، وممارسة السلطة تحديدا، تُغير عقول أصحابها وأمزجتهم، فقد تحول النقاش داخل هذا الحزب من نقاش حول الأفكار والرؤى والمراجعات البناءة لتجربته في الحكم، إلى ملاسنات وردود فعل حول الأشخاص والزعامات، والتموقع داخل الحكومة ومؤسسات الدولة.. ولا يبدو في حدود الزمن المتبقي للمؤتمر أن في قدرة الحزب تدارك ما يجب تداركه. أما حزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي خرجت فكرة إنشائه من عباءة السلطة، وتلقفها أنصارٌ "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى"، فما يجري بداخله يعجز اللسان عن وصفه.
فإذا أضفنا إلى هذه الكوكبة من الأحزاب، ومسارها الذي يبدو ملتبساً وغامض المعالم، أحزاباً ترهّلت بفعل السلطة ومَكر إغراءاتها، كما هو حال "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، أو أخرجت من الحكومة من بابها الصغير، كما جرى لحزب "التقدم والاشتراكية" أساساً، وحزب الحركة الشعبية"، فإن المشهد الحزبي في المغرب يطرح أكثر من تساؤل: إلى أين تسير الأحزاب؟ وهل يمكن تصور حياة سياسية سليمة ومستقيمة بدون الفاعل الحزبي؟
إلى أين تسير الأحزاب؟ وهل يمكن تصور حياة سياسية سليمة ومستقيمة بدون الفاعل الحزبي؟
المطلوب في الأحزاب تجديد رؤيتها بما يجعل منها أحزاباً خلاقة ومنتجة وفعالة في علاقتها بالشأن العام ومؤسساته، ولن يتأتى ذلك دون تكريس الديمقراطية الداخلية
أين تتجه السياسة في المغرب بعد زلزال محمد السادس؟