تعيش
الحدود السورية التركية، من الجانب السوري، على وقع الانفلات وانتشار الرشاوى والصفقات، للسماح للاجئين بالعبور باتجاه
تركيا، منذ سيطرة "هيئة تحرير الشام" على إدلب حسبما كشفت مصادر لـ"
عربي21".
وكانت هيئة تحرير الشام، التي تشكل "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة) نواتها الصلبة، سيطرت قبل نحو شهر تقريبا على كامل محافظة إدلب، بما فيها من معابر ومناطق حدودية مع تركيا، وشكلت ما يسمى "جهاز حرس الحدود" لضبط الحدود بين
سوريا وتركيا.
عبد القادر صوان، لاجئ سوري دخل حديثا إلى تركيا وبالتحديد إلى محافظة أنطاكيا بإقليم هاتاي الحدودي مع إدلب، روى لـ"
عربي21" ما شاهده خلال رحلة محفوفة بالمخاطر استمرت لنحو 5 ساعات تقريبا، ريثما تمكن من عبور الحدود التركية - السورية إلى المدينة المذكورة، حيث قال: "
التهريب هناك يدار من قبل أشخاص عاديين في الظاهر، إلا أن الحقيقة أن كل المهربين يعملون تحت إشراف جبهة النصرة وبعلم منها أو أحد أمرائها أو عناصرها".
وأضاف: "من يعتقد أن أي أمر يمكن أن يخفى على الجبهة فهو مخطئ، قبل أيام توجهت إلى بلدة دركوش الحدودية التابعة لمدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي قاصدا الدخول عبر الشريط الحدودي إلى تركيا، والتقيت بشخص يدعى "أبو أحمد" لا أعرف اسمه الحقيقي إلا أنه معروف وذائع الصيت ويطلقون عليه لقب "صقر الحدود" لكونه شخص بارع في تهريب المدنيين ولم يقبض عليه من قبل قط، وجميع محاولاته في إدخال المدنيين إلى تركيا تكللت بالنجاح طبعا مقابل 700 دولار أمريكي للشخص الواحد".
ولفت إلى أن أبا أحمد أخذه إلى منزله الكائن في البلدة نفسها منذ الظهيرة وحتى غروب الشمس وقد حضر خلال هذا الوقت أكثر من 10 أشخاص آخرين بينهم نساء وأطفال.
وتابع قائلا: "بينما أنا جالس في منزله، بدأ أبو أحمد يحدث أحدهم عبر (القبضة) وهي ذاتها التي تستخدم على جبهات القتال، إلا أنه تمت برمجتها بين أبي أحمد وشبكة التهريب التي تعمل معه، وعندما سألته عن إمكانية اعتراض الجبهة لنا أو منعنا من الدخول، ابتسم وقال لي بأن من كان يحدثه هو مسؤول نقطة على الحدود وهو ابن خالته، فسألته كيف يمكن ذلك فأجابني بابتسامة أكثر سخرية: كل شي بتمنو".
واستطرد: "عندما حل المساء ومع غروب الشمس، سرنا باتجاه الحدود وهناك التقى أبو أحمد مع قريبه، وبالفعل كان شخصا متوسط الطول يرتدي بدلة باكستانية، ويحمل بندقية رشاشة كلاشينكوف ولحيته طويلة نسبيا ويدعى أبو محمد الأنصاري".
وأردف قائلا: "أخبره بأنه يمكننا الدخول ونبهه إلى وجود تحرك لآليات عسكرية تركية على مقربة من منطقته، وقبيل أن ننطلق وضع المهرب أبو أحمد 50 دولارا بيد قريبه قائلا له "تستاهل"، وتحدثا قليلا فيما يبدو عن صفقة بضائع ستدخل وقال له عنا: "كم غرض بدنا نفوتن كم غسالة وكم براد وشوية أغراض تانية، فأخبره بأنه مستعد وبعدها بدأنا المسير".
أما ماجد العمر، وهو لاجئ آخر وصل إلى تركيا قبل أسابيع، فقد تحدث لـ"
عربي21" عن تسعيرة كل فئة من الفئات يتم تهريبها إلى تركيا، حيث قال: "عندما توجهت إلى الحدود في منطقة خربة الجوز قبل أسبوعين تقريبا، كنت قد أحضرت معي 5 كراتين من السجائر (كروزات)، وعند وصولي إلى النقطة التي سندخل منها فتشنا عناصر الجبهة وعثروا على الكراتين وطالبوني بتركها قبل العبور، مشيرين إلى أن إدخال السجائر ممنوع".
واستطرد: "حاولت إقناعهم لكن دون جدوى ثم توجهت إلى المهرب وأخبرته بمشكلتي فأجابني بأن الحل يكمن عنده ولكن يجب أن أعطيه 20 ألف ليرة سورية إضافية، فنفذت ما أراد وبعد قليل جاء المهرب ومعه السجائر وأعطاني إياها وقال لي بصوت عال على مسمع الجميع: هالمرة ما رح يضروك وياخدوهن بس لأنك ما بتعرف القوانين".
العمر تحدث عن مئات "الكراتين" من السجائر التي تدخل يوميا إلى تركيا عبر رشاوى يتم دفعها لكلا الطرفين في الجانبين (يقصد الجيش التركي وعناصر الجبهة على الحدود)، لافتا إلى أن السجائر ليست وحدها ما يدخل، هناك الحبوب المخدرة ومادة الحشيش، مضيفا أن هذه نقطة سوداء أخرى تضاف لسجلات الجندرما، التي باتت مؤخرا شريكة بقتل المدنيين على الحدود، في حين تسمح بتمرير الصفقات الأخرى تحت مسمى الإذن العسكري، الذي يمنح للمدنيين أحياناً مقابل مبلغ لا يقل عن ألفي دولار أمريكي.