سألني صديقي الشاب نوري: تالله، لقد أزّ الناشطون والمحللون السياسيون في رؤوسنا أزّا، وهم يردّدون قائلين: تعرت الأنظمة. وأحيانا يقولون: سقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورة الأنظمة العربية.. وكانوا يقولونها قبل الثورات، فكم ورقة توت تستر عورة النظام؟ لابد أنه يستر عورته بغابة توت، فماذا يعني هذا يا خال؟
قلت: كنا نعرف، لكن لم تكن الفضائيات ووسائل الإعلام تجرؤ على تناول القضايا والمسائل المحرمة، وقد فعلت مع الثورات العربية وسيلان الدم في الشوارع، سقطت أوراق التوت، لكن معامل القزّ الغربية نسجت كثيرا من الحرير الناعم لستر العورات الملكية العربية القبيحة، المطلوب الآن هو أن نتعرى مثلهم.
كانت الأنظمة العربية تمارس التقية، وتدّعي الصلاح، وتتجنب الاتصال مع إسرائيل، ثم ظهر للجميع أنها تعادي شعوبها وتضرب بسيف إسرائيل، وها هو ذا النظام السوري يقول: إن الحال مع إسرائيل سيبقى كما هو، وكانت وزارة المالية التي يتولاها رامي مخلوف، الذي كان قد وعد أن ينصرف إلى الأعمال الخيرية قد قال ما قال عن ارتباط أمن سوريا مع أمن إسرائيل، وجهات سعودية شبه رسمية صارت تغازل إسرائيل علنا، وبات لها حدود مشتركة معها، وقد بات لهما عدو واحد هو الإرهاب الإسلامي، ممثلا بحماس والإخوان المسلمين مع العلم أن حماس لا تعادي سوى إسرائيل عملياً، وقد انطبق على إسرائيل والأنظمة العربية قول الشاعر عمر أبي ريشة بمناسبة جلاء القوات الفرنسية عن سوريا: لمَّتِ الآلام منا شمْلَنا وَنَمَتْ ما بيننا من نَسبِ.
سألت: هل تعرف قصة ثياب الإمبراطور الجديدة؟
قال: أعرفها، كان الخياط قد خاط للملك إزارا ليس مثله، عباءة الشفافية المطلقة، التي بدت فيها عورته القبيحة، ومع ذلك نافقته النخبة الملكية الحاكمة وجعلت تثني على زيّه، إلا ذلك الطفل البريء الذي لم يعرف النفاق، ولا يعرف أحد كيف تسلل إلى الحفل الإمبراطوري وصاح لله درّه: الملك عريان.
لكن لا أعرف ماذا كان مصيره، وقد أهان الذات الملكية؟
قلت: اعتُقل الطفل، وعذّب، ومات تحت التعذيب، واتهم بأنه كان يريد اغتصاب زوجات ضباط القصر، وأعيدت جثته بعد أن جبّت مذاكيره، ومنع أهله من إقامة جنازة له.
قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.. نعم جيل كامل مات تحت التعذيب.
قلت: تعرف قصة الغرفة المحرمة في الحكايات، هناك دائماً غرفة ممنوع الاقتراب منها والتصوير، وقد تكون الغرفة المحرمة منحولة عن شجرة الخلد في الجنة. كشف السرّ في الأساطير يا سبعي، يتسبب بالكوارث والدمار، وكشف الأقنعة لا يمرّ دون عقاب، أما العورة فجزاء كشفها القتل، إذا كانت عورة مثل عورة الأنظمة العربية. الغرفة المحرمة، غرفة ملذات السلطة العربية أمن قومي يا سبعي.
قال: فعلا، لا فضّ فوك خال، أنا عملت يوما ًواحداً في معمل حلويات في حلب، وأردت معرفة سرّ عمل المأمونية من أول يوم، وكان عقوبة ذلك أنّ صاحب المعمل حرق لي يدي بحديدة حمراء متوهجة من غزل اللهب وعشق النار.. انظر.. لم أكن أعرف أن سرّ المامونية مثل سرّ الكأس المقدسة، أو سرّ تحويل الحجارة إلى ذهب!
نظرت إلى الحرق، وقدّرت أنه من الدرجة الثالثة، قلت: هذا سرّ ايزو، وبراءة عمل تجاري، وهو غير سرّ السلطة العربية، التي لا يعرف سوى الله ماذا تكيد لشعوبها، أسرار السلطة تكتنفها جرائم كثيرة، وقد باتت علنية مع الثورات العربية الناقصة، وأحرقت هذه المرة بلدان بالبراميل، صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا.
قال: هذا جزاء الشعوب العربية التي أرادت معرفة سرّ المأمونية. المأمونية كانت وجبة الخليفة المأمون المفضلة.
قلت: هناك جملة في فلم القناع الحديدي، وهو فلم مأخوذ عن رواية الإسكندر دوماس الأب، يقول فيها أحد الفرسان الثلاثة للملك التوأم المقنع بالقناع الحديدي: ليس من سرّ أكبر من أن يكون الإنسان نفسه، النفاق سمّ قاتل، يجب أن نرتدي أقنعة تشبه وجه الملك العربي.
قال: لكن العالم خذلنا يا خال.
وقلت: النظام العالمي الجديد أصله قرد، والقرود على أشكالها تقع، وسترى صورة كينغ كونغ على الألفين والخمسة آلاف، تآمر علينا العالم حتى تعفنت الثورات العربية التي كانت بلا آباء، والرأسمالية تعريفا هي أحد أشكال الداروينية، البقاء للأقوى يا سبعي وليس للأنفع.
قال: للأنكح خال.
قلت للأنكح، يا سبعي المصفّد بالسلاسل.
قال: المهم لماذا يحتفل النشطاء بتعري الأنظمة ونحن الخاسرون؟
قلت: ما دمت قد ذكرت الأنكح فهم يحتفلون باكتشاف جنس النظام العربي الرسمي، وهو خنثى، معنا ذكر ومع الغرب أنثى.
قال ضاحكا: ينكح هنا ويُنكح هناك؟
قلت: نعم.. الجولة خسرناها، والنتيجة أننا بين نازح ومقيم، سنعضّ على أصابع الندم، وسنركب ذيولا وقروناً حتى نعيش مع هؤلاء المناكيح والمناكير، سنعيش عراة، راضين بلقمة الخبز تحت سقف الوطن، سنرقص مثل القرود مدّعين السعادة بالنصر والأمن والاستقرار، ونرفع صورة الزعيم العربي ونمدح ذيله الجميل. نحن نشهد حفلة تعري ملكية ودولية.
قال: أأنت نادم خال؟
تلوتُ عليه بيت عمر أبي ريشة والدمعة الحجرية في عينيَّ:
شرفُ الوثبة أن تُرْضِي العُلا غُلِبَ الواثبُ أم لم يُغلَبِ.