بابا السلام..
هكذا لقبت الفضائيات العربية المسلمة بابا الفاتيكان! أما شيخ الأزهر، فبات شيخاً للإرهاب، أو على شفا حفرة منه، بعد أن أجهزت عليه الفضائيات المصرية، التي تكدّ وتكدح ليل نهار في شتم البخاري ومسلم، وتكرُّ بين الحين والآخر على آيات مختارة من القرآن الكريم، وقالت وكالات الإعلام مواربة: إن البابا تدارك شيخ الأزهر بعطوفته، وأنقذه من بطش السيسي. فقد أجهز على القضاء الشامخ، ويطمع في ذبح مشيخة الأزهر أضحيةً أخيرة لدولة الرز الموقرة.
وقال القائلون مذكّرين بتواضع البابا: إن البابا تفضلاً ومنه وتكرماً جلس على كرسي مثل كرسي شيخ الأزهر! وليس كما فعل في الفاتيكان، عندما زاره شيخ الأزهر فيها ومكر به مكراً، وأجلسه وقتها على كرسي أدنى كعباً، فشيخ الأزهر بين جمهوره وعلى أرضه الآن، ارحموا عزيز قوم ذل.
شيخ الأزهر كان عضوا بأمانة السياسات في الحزب الوطني السابق، لكنه يمثل الأزهر شئنا أم أبينا. وُصف أحمد الطيب بأنه طيب، واسم على مسمى، بدليل أنه عاش مع مبارك، ومرسي، ومع السيسي، والحكومات تحب الطيبين، كما نحب نحن أكل الطيب من الطعام، مسلوقا على نار الفضائيات، أو مشويا بجمر الحرب على الإرهاب.
وكتبت في مفكرتي أن الزيارة دعمٌ لتوفيق عكاشة وليس لشيخ الأزهر. لقد قدم السيسي أوراق اعتماده للغرب فدمّر سيناء، التي كلم الله فيها موسى عليه السلام تكليما، وبطور سينين أقسم. السيسي جعل لقناة السويس فرعين، وللشعب المصري فروعاً عدة، وشقَّ بعصاه السحرية مصر نصفين، "وجعل أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ". وقد زاره فرانسيس مباركا!
استنكر مؤسس حملة "أبناء مبارك"، سامح أبو عرائس، عبر تدوينه بحسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ما سماه "جلوس البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بجانب السيسي، في الوقت الذي جلس فيه شيخ الأزهر بالأسفل" قال: "تخيلوا أنني كنت أتفرج على مؤتمر السيسي مع بابا الفاتيكان، ومعايا ضيوف أجانب.. واستغربوا أن السيسي مقعد البابا على المنصة جنبه، ومقعد شيخ الأزهر تحت". يا أبا عرائس! كويس أن السيسي لم يطلب من الطيب أداء نمرة عجين الفلاحة.
خطب السيسي، وغير ذي بال السخرية من خطابه، أو وصفُه بالركيك، أمام قداسة البابا، ومرويات الإسلام تنفر من وصف الأشخاص بالقداسة، أما المذاهب المسيحية أو المذاهب الشيعية فتفرد الألقاب الكبيرة على أئمتها مثل آية الله العظمى وقداسة البابا... الصوفية الإسلامية، تفعل أيضا، لكنها تنسب القداسة إلى صفات في الشخص، فتقول: قدس الله سره.
قال السيسي في خطاب الاستقبال: "إن مصر كانت ملجأ لمريم وابنها، من بطشٍ وبغيٍ، هيرودس..) وربما ظنَّ السيسي أن هيرودس هي صفة، أو خطأ مطبعي، ولا يعرف أنه اسم لطاغية مثله يلاحق أتباع المسيح المسلمين، ولن يلحظ ممثل المسيح على الأرض ركاكة الجملة، لأن الترجمة ستصحح ركاكة ممثل الفسيخ في الأرض.
قبل دولة السيسي، كانت أفلام عادل إمام قد نكّلتْ بالإسلام تنكيلا، ونتذكر قول الداعي: "طلبنا من الله إماما عادلاً، فأرسل لنا عادل إمام" والسيسي هو النسخة الرسمية من عادل إمام! حشدت الفضائيات أساطيلها، وكان آخر طلقات المدفعية هجوماً على عقبة بن نافع وعبد الرحمن الغافقي لأنهما يحملان السيوف في الكتب المدرسية، السيوف يجب أن تكون فقط في أيدي المخابرات الذين خطب البابا خطبته في "استادهم".
غياب العدل يجعل من الكنيسة والمسجد ضحايا.
في خطاب شهير، كان السيسي قد قال: "مش معقول 1.6مليار هيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها 7 مليار عشان يعيشوا هما ... تقلق الآخرين يعني المليار مسلم يقتلوا باقي العالم عشان يعيشوا.."
والمعلومة التي ذكرها الرئيس الفكيك، هي أنه جعل من 1.6مليار فكة، وجعلهم جميعاً قتَلَة، وها هو بابا السلام يزور بطل الإرهاب ومدمر سيناء. أما النقد الناعم للسيسي الذي قُرئ في خطاب البابا فهو لا يكاد يرى بالعين المجردة، ويحتاج إلى تلسكوب فضائي.
نشهد حاليا ذروة للدراما الكونية، وحالَ بالحالِ الموج فانقلبت إلى تراجيديا، والعكس صحيح. من هذا أن طاغية يقصف شعبه يومياً، ويتحدث عن السيادة، وبلده مُغزاة، ومِعزاة، يحلب منها من يشاء، وأُستها مكشوف، ومنها أن عبيطاً تولى حكم مصر، وخلعت عليه الألقاب، وأن يزور صاحب أغنى دولة في الأرض، أفقر الدول في العالم، وأكثرها فساداً، واعتقالاً، وكان أول التعليقات الناقدة، من نشطاء التواصل الاجتماعي هي أن بابا الفاتيكان يبارك انقلاب السيسي. وكانت فيروز، وهي ماما السلام أكثر نباهة وحرصاً من بابا الفاتيكان عندما زارت دمشق، واشترطت أن تزال صور الرئيس بشار الأسد من طريقها.
انشغلت الصحافة بأخطاء المراسيم والبروتوكول، وذكروا متندرين أن السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، انحنت للبابا، وكانت بثينة شعبان، قد قبّلتْ يد البابا بنديكتوس في زيارته سوريا، وهي ليست مسيحية، فأنعم وأكرم بها!
وكانت زيارة البابا لسورية قد جرفت في طريقها عشرات البيوت العشوائية، فلجأ الناس تستنجد بشخصية من الحزب الشيوعي، وكادت الجرافات أن تجرفها هي أيضا، ولا نعرف تكاليف الزيارة المقدسة في بلد تبحث عن الفكة، وليس في برادات شعبها سوى الماء وهو فوق ظهر العيس محمول، لكن بعدما أصبحنا دولة "الأمن والمخابرات"، خسرت البورصة 6 ونصف مليار جنيه في اليوم التالي للزيارة الميمونة.
الفضائيات السعيدة بالزيارة أبرزت صورة بابا الفاتيكان، وكأنه إعلان نصر على عمرو بن العاص، فرأينا البالونات الحلال، وتذكرنا بالونات بنات سبعة الصبح "الإرهابية" الحرام، ارتعفت بالونات البابا على قباب المساجد، التي تعمّدتْ الكاميرات تصويرها إلى جانب الأهرامات، ولم تشهد الزيارة إفراجاً عن معتقلين، فليس مع أحد من البقية الباقية منهم جواز سفر أمريكي، لقد بُيّضتْ السجون بخروج آية حجازي.
انشغل الإعلام قبل زيارة بابا السلام لصقر الحرب على الإرهاب، بتنصّر واحد من جبهة النصرة، فقال صديقي: حكومة مصر كلها تنصرت يا جدعان ولم ينتبه أحد، وتفاءل قائلاً: زار بابا السلام أم الدنيا، وسيزور قريبا أم القرى.
بابا السلام وصقر الحرب كررا هذه الجملة السحرية:
الدين لله والوطن للجميع، ومصر هي الوطن "بس اللي ح يقرب لها، حشيلوا من وش الأرض"، أما الدين فهو لفرعون.
خفّتْ سلطة البابا على أوروبا، وصارت روحية، لكنه لا يزال قادراً على منح الشرعية السياسية لحكام المسلمين أو مباركتهم! وقد يساهم في دعم السياحة، ورفع الروح المعنوية للأقباط، أما المسلمين فلا يزال هيرودس يلاحقهم " انتو مشو نور عينينا وإلا ايه".
اللهم بلغنا شهر جوني وبارك لنا فيه.