هكذا وصف السيناتور جون بارسو "John Barrasso"، عضو لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، فخطر بوتين على
الديمقراطية عابر للقارات، كما أوضح بارسو، وبرغم أن الكلام يتعلق بأزمة أمريكية روسية مباشرة، إلا إنه لا تخلو الإشارة الصريحة من تلميح لتحركات الروس في العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كلام بارسو جاء في معرض التصعيد من قبل مجلس الشيوخ في ما يتعلق بالتحقيق في تهم تدخل موسكو في الانتخابات الأمريكية الرئاسية الأخيرة لصالح الرئيس الحالي دونلد ترمب.
بارسو تحدث عن يقين بأن الروس ضالعون في التأثير على الانتخابات الأمريكية وأن التحقيق يمكن أن يكشف عن حقائق مهمة الأمر الذي سيغير مجرى الأحداث خاصة على صعيد السياسة الخارجية الأمريكية.
مكتب التحقيقات الفيدرالي "FBI" أكد بعد تقصي منه بأن هناك تحرك روسي مباشر للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة، وما يسعى
الكونغرس التحقق منه هو إذا ما كان هناك اختراق للحملة الانتخابية لدونلد ترمب، وإذا ما كان هناك تواطؤ أمريكي مع الروس.
هذا التقديم نسوقوه في محاولتنا لاستشراف ما يمكن أن تكون عليه السياسة الأمريكية تجاه ليبيا وذلك في ظل التطورات المهمة والتي في مقدمتها مؤشرات عن تدخل روسي في الشأن الليبي لصالح أحد أطراف الصراع، كما جاء على لسان آمر قوة الأفركوم الأمريكية الأسبوعين الماضيين.
نتائج التحقيقات قد تستغرق وقتا قد يتعدى الستة أشهر، لكن المهم هو أن هذه الضغوط يمكن أن تدفع البيت الأبيض إلى الابتعاد عن المحيط الروسي بل وحتى مناقضته كردة فعل طبيعية على الاتهامات الموجهة لترمب وفريقه، وفي هذا السياق يقرأ البعض التطور الأخير في الموقف الأمريكي تجاه بسوريا.
العديد من المراقبين الدوليين يرون أن السياسة الخارجية للإدارة الجديدة غير واضحة المعالم حتى اليوم، أو أنها لم تستقر على اتجاه واضح فيما يتعلق بالملفات الرئيسية التي كانت محل تصريحات نارية من قبل الرئيس ترمب في حملته الانتخابية وفي مقدمتها الثناء على روسيا ورئيسها بوتين وإمكان التعاطي الإيجابي معه.
بالمقابل فإن الضغوط كما سبق الإشارة يمكن أن تقود إلى اتجاه مختلف عما رسمه ترمب قبل انتخابه كرئيس. والدليل هو التحول الملحوظ في المواقف، فالصين التي كانت محل الانتقاد الشديد من قبل ترمب قبل نوفمبر 2016، حل رئيسها ضيفا على واشنطن، وصدر عن الإدارة الأمريكية ما يشير إلى تغيير في الموقف من سياسة الصين واحدة "One China policy" التي تعهد ترمب بتغييرها في حملته الانتخابية. أيضا هناك تراجع عن الحماس الذي أبداه ترمب في ما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية.
كما أن السخرية من حلف الناتو التي تكررت على لسان ترمب لم تجد مكانا في ما صرح به أعوانه في الاجتماع الأخير، فقد أكد ممثل السياسة الخارجية الأمريكية التزام واشطن بالحلف ودعمها له واعتباره صمام الأمان في العلاقات الأمريكية الأوروبية.
في ما يتعلق بالموقف من روسيا فهناك ما يشير إلى عدم الاندفاع باتجاه الخط الحبي والناعم الذي تحدث عنه ترمب في حملته الانتخابية، فقد عكست تصريحات وزير خارجيته ووزير دفاعه في اجتماع حلف شمال الأطلسي الأسبوع الماضي تحولا في الخطاب، فقد كان كلام السياسيين البارزين شديدا في ما يتعلق بالخلاف مع روسيا حول أوروبا الشرقية وأوكرانيا جورجيا.
وزير الخارجية الأمريكي، ركس تلرسون، دعا في كلمته في اجتماع وزراء خارجية ودفاع دول أعضاء الحلف بكل وضوح وبكلامات مباشرة إلى الالتحام والوحدة لمواجهة سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي استقبل بارتياح شديد عبر عنه موجة التصفيق الحار من قبل الحضور.
وكرر تلرسون الشعار المعروف الذي تشكل على أساسه الحلف وهو: "أي اعتداء على أحد الأعضاء هو اعتداء على الجميع". بل إن تيلرسون بدد الشك لدى الأوروبيون والذي تولد عن التصريحات السابقة لترمب وأيضا وزير دفاعه حول ضرورة رفع مساهمة الأعضاء في ميزانية الحلف بقوله: "نحن ملتزمون بالبند الخامس لنظام الحلف بدون شروط"، في إشارة لجوهر السياسة الدفاعية للحلف.
ثم جار الرد الأمريكي المفاجئ والعنيف على جرائم نظام الأسد الأخيرة، والذي يمكن أن يعرقل أي تقارب أمريكي روسي في ما يتعلق بملفات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
قد لا تفسر الضربة العسكرية اتجاها قطعيا لمناكفة روسيا، فيمكن أن تفسر أنها مسعى للالتفاف على التحديات التي واجهت ترمب منذ الأسابيع الأولى لاستلامه الحكم وفي مقدمتها العلاقة مع الروس ودورهم في التأثير على الانتخابات الرئاسية، لكنها بالقطع ستدفع إلى مزيد من التوتر بين القوتين مما يعني تراجع سيناريو الاتفاق على دعم الجيش التابع للبرلمان.
ويمكن أن يلمح اللقاء بين رئيس المجلس الرئاسي وقائد قوات الأفركوم إلى ما سبق الإشارة إليه من افتراق بين واشنطن وموسكو حول الملف الليبي، وسيتضح صواب هذا التحليل من عدمه خلال الفترة القريبة القادمة.