بعد مرور سنتين من الفوزالتاريخي الذي حققه «حزب نداء تونس» في الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 أكتوبر 2016، و من مراهنة الطبقة المتوسطة على قيادة هذا الحزب البلاد نحو إعادة بناء الجمهورية الثانية، والدولة الوطنية المدنية القائمة على المؤسسات، و المدافعة عن نموذج المجتمع التونسي الوسطي والليبرالي والمنفتح على الحداثة بكل منطوياتها الفكرية والسياسية والثقافية، تبين لعموم الشعب التونسي أن هذا الحزب الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي في شهر يونيو 2012 لمقارعة الإسلاميين، مستلهما صورة الكاريزما البورقيبية، وطارحا نفسه على أنه حامل لمشروع الدولة الوطنية المدنية، وإعادة هيبة الدولة التونسية، وإعادة الروح إلى تونس العلمانية التي راهنت على هيبة الدولة لقيادة تعليم عصري، مثلما راهنت على حرية المرأة كرافعة حقيقية لراية الحداثة ضد حركات الإسلام السياسي، تبين بالملموس بعد تجربة سنتين من الحكم في ظل الديمقراطية الدائمة، أنه مجرد وعاء فارغ وطبل أجوف.
فقد عاش حزب نداء تونس سلسلة كاملة من الأزمات، قادته إلى الانقسام إلى حزبين، وكتلته النيابية إلى كتلتين، ويشهد هذه الأيام بوادر انشقاق جديدة، قد تنهي قصة هذا الحزب، في فترة عامين من الزمن، لعلها أسرع فترة صعود وسقوط يشهدها حزب في العالم، مع أحاديث مؤكدة عن عزم السبسي تأسيس حزب جديد استعدادا للمنافسة المقبلة مع «النهضة»، أي العودة إلى ما قبل انتخابات 2014.
أما لماذا تحول حزب «نداء تونس » إلى عبء حقيقي على الدولة التونسية، فمرده إلى الأسباب التالية:
أولا: لم تكن ولادة «حزب نداء تونس » ولادة طبيعية، فالذي أسهم في تأسيسه هو الباجي قائد السبسي.
ثانيا: إن معظم قيادات حزب «نداء تونس» التي وصلت إلى قبة البرلمان بفضل المال السياسي الفاسد، لا تجمع بينها سوى شراهة الحكم، ونهم الاستحواذ على مواقع القرار .
ثالثا: إن حزب «نداء تونس» بكل قياداته، لا يمتلك زعامات سياسية تاريخية، وبمواصفات فكرية وثقافية ونضالية، فهو خليط من بقايا «الحزب الحاكم سابقا والمنحل»، ومجموعة أخرى من اليساريين والنقابيين، الذين يبحثون عن التموقع في صلب مؤسسات الدولة بصورة انتهازية.