إذا كانت الحركة الصهيونية العالمية قد استفادت تاريخيا من المحرقة اليهودية، واستغلتها في تبرير إيجاد «دولة إسرائيل» في فلسطين، فإنه رغم مرور ثمانية وستين عاما على تأسيسها، عجزت هذه الدولة اليهودية في خلق وطن آمن لليهود بالفعل. فلا تزال «إسرائيل» اليوم، تعيش في حالة حرب دائمة مع العرب عامة، والفلسطينيين خاصة، وهي تشكل أخطر مكان في العالم بالنسبة إلى اليهود، وذلك ببساطة، لأنها أقيمت لكي تظل قاعدة استراتيجية متقدمة للإمبريالية الغربية، تقوم بدور وظيفي في إطار المخطط الإمبريالي العام حسب كل مرحلة تاريخية.
لقد أثارت نزعة «إسرائيل» العدوانية والتوسعية في احتلال الأراضي العربية سيلا عالميا من الإدانة المنطقية لها، كما أيقظ الخوف من اليهودية في العالم.. ويدعي الصهاينة، أولا، أنه لا يوجد شيء اسمه الإدانة المنطقية لــ «إسرائيل»، ويعتبرون كل انتقاد لها معاداة للسامية؛ وثانيا إن معاداة السامية، فيروس ينبع من قلوب الأغيار المنحرفة، بصرف النظر عمّا يفعله اليهود أو «إسرائيل».
وتؤدي الأصولية الدينية اليمينية في «إسرائيل»، دورا أكبر بكثير من دور الاشتراكية المستنيرة التي كان من المفترض أن تكون شعار المجتمع اليهودي الجديد. بسبب هذه المآزق، تجري الآن هجرة مضادة إلى خارج «إسرائيل»، وقد بلغت نسبة خطيرة، وهي تهدد المعادلة السكانية المقلقلة، التي تشكل همّا للدولة الصهيونية. ففي أواسط سنة، 2004 كان هنالك نحو 760 ألف «إسرائيلي» يعيشون في الخارج، بزيادة 40% منذ بدء الانتفاضة الثانية سنة 2000..
وحسب مدير عام «مركز تخطيط سياسات الشعب اليهودي» نحمان شاي فإن «نحو 50 يهوديا في الولايات المتحدة يتحولون عن اليهودية يوميا».
والأسباب التي تقود إلى زيادة مثل هذا الشعور متعددة، ومنها:
أبرزها تراجع معدل الهجرة السنوي إلى «إسرائيل» من 100 ألف مهاجر في التسعينيات من القرن الماضي إلى 14 ألف مهاجر في الوقت الحاضر. وبالمقابل، فإن معدل الهجرة المعاكسة تراوح بين 7و8 آلاف «إسرائيلي». وتفسر الأبحاث المتخصصة تراجع هجرة اليهود إلى «إسرائيل»، إلى مجموعة عوامل، منها: تراجع عدد اليهود في العالم الذي انخفض من 21 مليونا عام 1970، إلى 11 مليونا و800 ألف نسمة في 2007حسب إحدى الدراسات، وازدياد الزواج المختلط من غير اليهوديات (تتجاوز النسبة 51 في المائة وفق التقارير اليهودية الأمريكية)، والذوبان في المجتمعات المحلية، وعدم الاكتراث بأهمية ممارسة التقاليد اليهودية. وتبين أن نسبة الذوبان في روسيا وصلت إلى 70%، وفي أمريكا الشمالية إلى 50%، وفي أوروبا الغربية إلى 45%. أما العامل الأخير، فيتمثل في عزوف نسبة كبيرة من الشباب اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» عن الزواج.