كتب السجين الإيرلندي،
المصري الأصل، رسالة نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية، يتحدث فيها عن معاناته في السجون المصرية.
ويشير حلاوة في رسالته، التي ترجمتها "
عربي21"، إلى أنه يتعرض من سجانيه للتعذيب والتعرية، ويقول: "هناك نوعان من
الانتهاكات في السجون المصرية؛ نفسي وجسدي، ولن أتحدث عن الشتائم، ولو خيرت لاخترت
التعذيب الجسدي؛ لأن التعذيب النفسي أسوأ منه بـ100 مرة".
ويضيف الكاتب: "هذا هو الاختيار الذي اخترته عندما اعتقلت وأنا في إجازة في مصر عام 2013، عندما كنت أقضي إجازة في مصر، فأنا وأخواتي الثلاث مواطنون إيرلنديون، ووجدنا أنفسنا وسط التظاهرات في القاهرة، وكان عمري 17 عاما في ذلك الوقت، وكنت سأبدا عامي الأخير في المدرسة، وتم الإفراج عن شقيقاتي بكفالة، أما أنا فقد وجهت لي مع 493 شخصا تهمة المشاركة في تظاهرات غير قانونية، ولا أزال قابعا في
السجن منذ ذلك الوقت، أنتظر محاكمة جماعية، وربما واجهت حكم الإعدام".
ويتابع حلاوة قائلا: "في كل مرة يتم فيها نقلي إلى سجن جديد هناك شيء يطلق عليه (الحفلة)؛ من أجل إعلامك من هو المسؤول، وفي الحالات كلها كانوا يقومون بالضرب، إلا في حالة واحدة تمت فيها تعريتنا من ملابسنا، وطلب منا النوم على الأرض، وأيدينا وراء ظهورنا، وبدأوا يدوسون علينا الواحد تلو الآخر، فأن يتم شتمك، وتعريتك من ملابسك، وضربك بقضيب حديد، أو وضعك في الحبس الانفرادي، أو (التنك/ وهي زنزانة طولها 3.5 متر، وعرضها 5.5 متر)، أمر عادي، وقد يقومون بتعذيب سجين آخر أمامك، وهو الأمر الذي من غير الممكن أن تنساه أبدا".
ويواصل الكاتب قائلا: "بعد كل عملية تفتيش في السجن تعود إلى زنزانتك لتجد في كل مرة أن شيئا من أغراضك مفقود، وعندما تزورك عائلتك وتجلب معها شيئا يعجب الحرس فما عليك إلا أن تنساه".
ويلفت حلاوة إلى أنه "بعد عودتي مرة من جلسة استماع في المحكمة ضربت بكعب بندقية (إي كي -47)، وسئلت من أين جئت؟ وصوّب الجندي البندقية نحو صدري، وقال: (أتمنى لو قتلتك يا ابن الحرام الإيرلندي لكنني لا أستطيع)".
ويتحدث الكاتب عن إضراب عن الطعام قام به، قائلا: "أثناء إضرابي عن الطعام تُركت وأنا على حافة الموت، وقرع زملائي السجناء الذين اشترك معهم في الزنزانة الباب بقوة، وطلبوا المساعدة، فكان الجواب (عندما يموت، دقوا على الباب)، وهذا في الحقيقة جزء صغير مما حدث لي".
ويتساءل حلاوة: "لماذا عذبوني؟"، ويجيب بأنهم "يقدمون سببين لهذا الأمر؛ الأول أنهم لا يستطيعون السيطرة على السجون إلا إذا أظهروا للسجناء من هو الذي يسيطر عليها، ويقولون إن أفراد الشرطة والجيش هم الذين ضحوا بحياتهم من أجل مصر، ولهذا فهم من يستحقون حكمها، ويجب ألا يعترض أحد".
وينوه الكاتب إلى أن "قدرة استيعاب السجن هي ألفا سجين، وفيه الآن ستة آلاف سجين، وفي معظم الزنازين يتم احتجاز 30 شخصا، وكلها بحجم 3.5 متر طولا و5.5 متر عرضا، ولا يوجد هناك أي اهتمام بالنظافة، والسطل الذي يستخدم لجلب الطعام هو ذاته الذي يستخدم للنفايات، والسجناء هم الذين يطبخون، وللسخرية فإنهم يأخذون بعضا من الكراث ويبصقونه في الطعام، من أجل الضحك".
ويقول حلاوة: "باب زنزانتي مكتوب عليه (خطير جدا)، وذلك بسبب الخلط في الأوراق، وأنا الآن في عزلة انفرادية، وبسبب عدم توفر الشمس فأنا أعاني من أمراض جلدية، وتهشم في العظام، وضعف البصر، وآلام مستمرة".
ويبين الكاتب أنه "عادة ما أحاول بناء علاقة جيدة مع الحرس والضباط ومسؤولي السجن، فأنا أحب ترك ذكرى جيدة حتى مع الحرس الذين يقومون بتعذيبي، وبعض الحراس لا يتحدثون، فقط يقفون للحراسة، إلا أنني معروف جدا، خاصة أنني تنقلت داخل السجون، ومن سجن إلى آخر، ولهذا أحاول ترك انطباع جيد، وعندما سيتذكرني التاريخ أريد أن يكتب عن الذكريات الجميلة التي خلفتها ورائي".
ويتحدث حلاوة عما يفعله في السجن ليقضي وقته، فيقول: "في أوقات فراغي أفعل كل ما أستطيع عمله، أتعلم، وأرسم، وأغني، وأصلي، وأبكي، وأخطط للمستقبل، فالتفكير هو مفتاح مهم للسجين، فهو يعطيك حرية جزئية، لكن عندما تفكر كثيرا فإنك لا تستطيع النوم، وتفكيري كله منصب حول عائلتي، وتذكرت أشياء نسيتها منذ طفولتي، (وهذا لا يعني أني كبير في العمر)، وفي كل يوم أفكر بشعور عائلتي عندما تشاهدني في المطار، وسيكون الأمر محرجا لي لو لم يحضر أحد".
ويتطرق الكاتب إلى محاكمته قائلا: "لم نتحرك قيد أنملة في المحاكمات الجماعية، وطالب المحامون القاضي مرارا وتكرارا بالإفراج عنا، وكان يفكر بالاستقالة كما فعل القضاة الأربعة من قبله، إلا أن الأمن الداخلي أخبره بأن لا أحد سيتولى القضية، ولهذا أخرها من أجل صدور الحكم، ومن العار أن يطلق عليها (محاكمة عادلة)؛ لأنها لا تحمل أيا من صفات المحاكمة العادلة؛ فهي تنتهك القوانين كلها، أرجو أن يطلق سراحي، ولا أستطيع الحديث مع القاضي، ولا يمكنه توجيه أي سؤال لي، ولم يسمح لعائلتي بالدخول إلى المحكمة، وهذا الأمر أعترض عليه، ولن أفكر أبدا بالخروج والانتقام، لكني أفكر بالخروج والبحث عن مساعدة، ومساعدة الآخرين".
ويتحدث حلاوة عن بلده قائلا: "إيرلندا، أفتقد كل شيء في إيرلندا، بيتي، وعائلتي، وأصدقائي، والناس، والمدارس، والخروج من البيت، والضحك، والحب، والسباحة، واللطف، وأفتقد الخروج إلى الطبيعة، ومشاهدة إيرلندا والطبيعة فيها، وأفتقد المدينة والضجيج فيها، وكيف تغلق أبوابها في التاسعة مساء، ولا أحد في الشارع، أفتقد الهواء النقي، والتلفاز والسينما، وصيد السمك، وسباق السيارات، والتسوق، وملاحقة الحافلة في لندن، وتناول الطعام في تشيبرز، وكل ما شاهدته خلال ألف يوم لم يتعد مدى نصف كيلومتر، وأفتقد سريري ومخدتي، وأفتقد منحدرات موهير، والمتنزهات, وأفتقد تناول البوشار والكعك.. ووو إلى ما لا نهاية".
ويقول الكاتب: "أنا حزين لعدم مشاهدة والدي الكبير في العمر والمريض، ولعدم مشاهدة شقيقاتي الجميلات، فالأيام الجميلة وجلسات العائلة لا يمكن إعادتها، والأطفال كلهم كبروا، ويقتربون من إتمام الدراسة في المدارس، بالإضافة إلى خسارة أصدقائي بسبب عدم وجود اتصالات، وأفتقد لعبة كرة القدم وركوب الخيل.. وأتمنى لو أستطيع الركض".
ويختم حلاوة رسالته بالقول: "لم أتخيل يوما أنني سأدخل السجن، وشعرت بالصدمة عندما احتجزوني لمدة أربعة أيام، وبعد ستة أشهر داخل السجن، ومقابلتي لقاضيين، اكتشفت أنهم لم يكونوا يمزحون، وسواء برئت أو حكم علي، فإن هذا لا يعني أنها النهاية، ولا أريد حكما علي، بل أريد العودة إلى بلدي".